رئيسيسياسة عربية

الطرفان المتحاربان في ليبيا يتفقان على محادثات هدنة وفرنسا تحاول الامساك بزمام المبادرة

قالت بعثة الأمم المتحدة لليبيا في وقت متأخر من مساء الاثنين إن الطرفين المتحاربين في البلاد اتفقا على بدء محادثات لوقف إطلاق النار بعد قتال مكثف دام أسابيع قرب العاصمة طرابلس أججه تدفق أسلحة أجنبية.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في بيان نشرته على الإنترنت إنها رحبت بخطة استئناف المحادثات التي تستند إلى اجتماعات ما يطلق عليه 5+5 التي شملت خمسة مسؤولين بارزين من كل طرف.
وشنت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر هجوماً في نيسان (ابريل) 2019 لانتزاع السيطرة على العاصمة طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
واستعادت حكومة الوفاق الوطني بدعم تركي في الأسابيع الماضية العديد من المناطق في شمال شرق البلاد وأغلب معاقلها في العاصمة. لكن الجيش الوطني الليبي، المدعوم من الإمارات وروسيا ومصر، قال إنه استعاد السيطرة على بعض الأراضي يوم الاثنين.
وتم بالفعل الاتفاق مرتين خلال هذا العام على وقف لإطلاق النار لكن القصف والقتال استمرا. واستقال غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة لليبيا في آذار (مارس) ولم يتفق مجلس الأمن الدولي بعد على تعيين مبعوث جديد مما عقد جهود السلام بدرجة أكبر.
وزاد التدخل الأجنبي في ليبيا من مخاطر القتال مع تدفق أسلحة أكثر قوة من أي وقت مضى. وقالت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي إن روسيا نقلت 14 طائرة مقاتلة على الأقل لقاعدة تابعة للجيش الوطني الليبي في وسط البلاد.

محاولة فرنسا

وتحاول فرنسا استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية في ليبيا حيث تنخرط قوى إقليمية بشكل أكبر يوماً بعد يوم، فيما تواجه اضمحلال نفوذها بعد اتهامها بدعم المشير خليفة حفتر، وفق ما يرى محللون.
ورغم نفيها لذلك علناً، يعتقد أن باريس تراهن على رجل شرق ليبيا القوي، وبعد فترة من الجمود امتدت لأشهر على جبهات القتال، سجلت القوات الموالية لحفتر مؤخراً سلسلة هزائم عسكرية. وتنظر فرنسا بقلق لتدهور الوضع ميدانياً نظراً لأن التحديات المستقبلية لا تتعلق بالمستقبل الليبي وحده.
ومن بين العديد من القوى الإقليمية المنخرطة في النزاع الليبي، تدعم الإمارات العربية المتحدة وروسيا معسكر حفتر، بينما تدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني.
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأسبوع الماضي عن أسفه للتدخل المتزايد لموسكو وأنقرة في النزاع.
وقال لو دريان «لا يمكن أن نتخيل حالة مماثلة من المنازعات، شبيهة بـ «نموذج النزاع السوري»، على بعد 200 كيلومتر من السواحل الأوروبية»، متحدثاً عن وجود مرتزقة سوريين في كلا المعسكرين.
وأجرى وزير الخارجية الفرنسي مشاورات مع السراج تناولت «ضرورة» إعادة فرض وقف إطلاق النار في ليبيا، ووقف «التدخلات الخارجية» في هذا البلد، خلال أول اتصال رسمي بين باريس وطرابلس منذ شهور.

«موازنة علاقاتها»

وحول ما إذا كانت تساور فرنسا شكوك بشأن خليفة حفتر بسبب انتكاساته العسكرية الأخيرة، يقول الباحث في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة جيمس دورسي، «سأكون حذراً للغاية بشأن فكرة عدول فرنسا» عن دعمها له.
وأضاف «من المنطقي جداً أن تواصل فرنسا دعم حفتر»، مشيراً على وجه الخصوص إلى أن هذا الدعم من شأنه الإسهام في الحد من أشكال عمليات التهريب كافة التي تغذي التنظيمات الجهادية في الساحل وبحيرة تشاد، الواقعة على الحدود الجنوبية لليبيا.
واعتبر الباحث في قسم السياسة والعلاقات الدولية في أكسفورد سامويل راماني من جهته أنه «مع ضعف موقف حفتر، تحمي فرنسا ظهرها وتحاول موازنة علاقاتها» مع أطراف النزاع الليبي.
ويرى أن فرنسا تسعى بالدرجة الأولى إلى تحقيق الاستقرار، موضحاً «أنها ترى أن أفضل فرصة لتحقيقه تكمن في تعزيز سلطة رجل قوي مثل حفتر».
ويشير آخرون إلى أن باريس يجب أن تقاتل من أجل ضمان استمرارها في التأثير على هذا الصراع الذي يفلت من يديها. واجرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون السبت مشاورات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تدعم بلاده حفتر، حول «تعزيز التنسيق بين البلدين» حول الملف الليبي.

خطر التهميش

ويشير خبير في الملف من باريس إلى أن «الإشكالية تتحول إلى ملف إقليمي أكثر فأكثر، وهذا ما يثير القلق، لكنه يفتح في الوقت عينه المجال أمام طرح مبادرة سياسية».
وأضاف «أن فرنسا قلقة للغاية. قد تصبح ليبيا مركزاً جديداً للجهاد وهناك مصالح كبيرة على المحك».
ولا يتوقع باسكال أوسيور، مدير مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية، حدوث تحول فوري في الموقف الفرنسي. واعتبر أن أحد المخاوف في باريس يكمن في «تزايد تدخل الجهات الخارجية لدرجة التوقف عن طلب رأيها».
وأوضح «كلما زاد عدد اللاعبين البارزين على الأرض مع وجود مجموعات مقاتلة وطائرات وصواريخ مضادة للطائرات وحتى قوات، كلما قل تأثير فرنسا»، متحدثاً عن اتفاق تم التفاوض عليه مباشرة بين موسكو وأنقرة، لا يصب في صالح فرنسا، في هذا البلد الذي تعمه الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011.
ويُرجح أن تكون تركيا وروسيا، التي تدعم كل منهما طرفاً في النزاع كما هو الحال في سوريا، اتفقتا على تقاسم النفوذ على أساس المناطق التي يسيطر عليها كل من حكومة الوفاق وحفتر.
كما لا ترغب فرنسا بتشكل إسلام متشدد في ليبيا مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، القريب من القطريين والأتراك على حد سواء.
ويرى أوسيور «أن معضلة فرنسا تكمن في عدم السماح لمحور السراج وإردوغان وقطر بنشر فكر الإخوان المسلمين المناهض لأوروبا وبالتالي التخفيف من تدخله (في النزاع)، دون أن تجد نفسها، آلياً في معسكر لا يمكن الدفاع عنه».
ويختلف إردوغان صاحب الطموح، مع الأوروبيين حول العديد من القضايا. ويشير العسكري الفرنسي السابق إلى أنه «عندما يكون إردوغان في طرف، فإننا نميل تلقائياً إلى النظر في الاتجاه الآخر».

رويترز/ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق