رئيسيسياسة عربية

لبنان نحو الكارثة… إنشاً إثر إنش!

ثمة من المراقبين من يرى ان استدامة الحرب الاهلية السورية تعني حكماً استدامة معاناة لبنان، لا بل تُعرض استقراره الهش الى خطر مزمن، مع عجز الحكومة اللبنانية عن وضع مقاربة علاجية لهذا الملف الضاغط، ومع رغبة افرقاء لبنانيين في توظيف هذه المسألة في سياق الصراعات الضيقة.

تتوسع الاختراقات الامنية بتشعب المجموعات المسلحة التي باتت تفترش مساحات واسعة من مدن لبنان واحيائه. مع هذا التوسع، تتشعب القراءات الديبلوماسية الغربية للواقع ولما سيكون عليه مستقبل اللبنانيين في ضوء تفرّع التحديات وتناسلها، من الفتنة الداخلية الكامنة على خطوط التماس الديمغرافي، الى الحرب السورية الآخذة في الاستعار نزيفاً وتحديات لبنانية كبيرة، في مقدمها مسألة اللاجئين التي باتت تؤرق مجموعات عمل وتفكير دولية تسعى الى الحد من مخاطرها، من خلال وضع المقاربات البحثية التي من شأنها ان توفر حلولاً مؤقتة في ظل غياب اي نية لدى المجتمع الدولي لايجاد الحل النهائي لهذه المعضلة التي تهدد دول اللجوء بمصير بائس، نظراً الى الالتباسات الديموغرافية والمذهبية التي تنذر بها ازمة اللاجئين الآخذة في التوسع بلا افق.

الالعاب القاتلة
يرى تقرير ديبلوماسي ان لبنان «لا يحسد على مصيره، بعدما بات مساحة للألعاب القاتلة التي يمارسها جيرانه. اما ما يجعله عرضة للمخاوف ومطامع الدول المجاورة، فهو تأثير الغرباء ومكائدهم التي تصيب التوازن الدقيق بين الجماعات العرقية والدينية اللبنانية: المسيحيون الموارنة، المسلمون السنة، المسلمون الشيعة والدروز، وغيرهم. الجماعات الثلاث الأولى كانت، ولا تزال، ذات أهمية خاصة. وليس من المبالغة القول إن مستقبل لبنان يتوقف على ترتيبات دستورية وربما غير رسمية لاعادة توزيع السلطة بشكل يوفر التمثيل لكل الطوائف وينبذ منطق الغلبة. هذا، نظرياً، ما على الافرقاء السياسيين في لبنان العمل عليه. لكن الممارسة العملية من شأنها ان تعقد ترتيبات دستورية مماثلة، بما ان اللبنانيين دفعوا تكلفة كبيرة نتيجة قبول جماعاتهم السياسية بأن يكونوا رهينة قوى خارجية. ولا يمكن التنبؤ بخطوات هذه الجماعات التي غالباً ما خرجت عن سيطرة الحكومة المركزية الضعيفة. هذا الواقع أنتج تآزراً دامياً بين الداخل اللبناني والخارج، بفعل أن هذه الجماعات السياسية قوية برعاتها من الخارج».

الرعاية الخارجية
يضيف التقرير: «تاريخياً، سبق ان كان للموارنة رعاية إسرائيل، والشيعة إيران، وأحياناً، نظام الأقلية العلوية في سوريا (على رغم ان النظام كان صديقاً متقلباً). اما راعي السنّة فغالباً كان ائتلافاً من الدول العربية. ولاحقاً كانت هناك الجماعات المسلحة التي تدفقت إلى لبنان بعدما هزم الجيش الاردني الفلسطينيين في العامين 1970 و1971 بناء على أوامر من الملك حسين، الذي خلص في حينه إلى أن هذه الجماعات أصبحت تشكل تهديداً لحكمه. وبالطبع، شكل هذا التدفق الكبير من الفلسطينيين، وخصوصاً ان بعضهم كانوا مصممين على استخدام لبنان مسرحاً جديداً للمعركة ضد إسرائيل، سلسلة معقدة من الأحداث التي أدت إلى جر لبنان إلى حرب أهلية مروعة بين العامين 1975 و1990. وقد حاربت الميليشيات المارونية الفلسطينيين، بمساعدة من الإسرائيليين الذين اتبعوا استراتيجية السيطرة على بيروت بعد جنوب لبنان. وتحول الشيعة من التعاطف مع الفلسطينيين إلى العداوة لهم، بمجرد أن أصبح واضحاً لهم أن الفصائل الفلسطينية لم تكن ببساطة تسعى الى ملاذ آمن ولكن تصميمها كان اكثر توسعاً وطموحاً، في اتجاه اقامة الوطن البديل. ورحب الشيعة في البداية بتحرك إسرائيل في الجنوب لهزيمة الميليشيات الفلسطينية، ولكن ذلك تغير بمجرد أن أدرك الشيعة أن الاسرائيليين يريدون الجنوب محمية لهم. وكانت النتيجة حرباً شرسة خاضها حزب الله ضد إسرائيل. وصار الجنوب في النهاية، فيتنام جديدة لإسرائيل، وتمكن حزب الله من الظهور كقوة لا يستهان بها».

لعبة سورية معقدة
ويشير التقرير الى «ان سوريا، من جانبها، لعبت لعبة معقدة، اذ عمدت الى دعم مجموعة معينة، ثم انتقلت لدعم مجموعة منافسة للاولى. لكن ظل الثابت السوري واحداً: السعي الى الهيمنة على لبنان، الى ان صار التأثير في حياة اللبنانيين ملعوناً. اذ في العام 2005، وبعد ما يقرب الثلاثة عقود، سحبت سوريا كل القوات التي أرسلتها عند بداية الحرب الأهلية. واستغرق لبنان، الذي عرف بـ «سويسرا الشرق الأوسط»، اعواماً عديدة من أجل ان يخرج من جحيم نتج عن حرب أهلية مزقت النسيج الاجتماعي وهدمت البنية التحتية الحضرية، وقضت على اكثر من 120000 لبناني.
ويلفت الى ان لبنان نهض نسبياً حتى الآن من تحت الرماد، وظل تحت وطأة نظام سياسي متوازن بدقة متناهية، على الأقل بالمقارنة مع الماضي المروع. لكن هذا الانجاز بات راهناً مهدداً بخطر حقيقي، في ما ينذر بإستعادة زمن الحرب الأهلية».

الخطر الاكبر
ويتحدث التقرير عما يسميه «الخطر الاكبر» الذي يتهدد لبنان، فيوضح ان «الديناميات بين الداخل اللبناني والخارج صارت مختلفة هذه المرة. اذ شكلت سوريا، خلال الحرب الأهلية، تهديداً للبنان بحكم قوتها، الا انها باتت راهناً تشكل تهديداً له بفعل ضعفها. فالحرب بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد والجماعات السنية من الثوار والمتمردين، ذات الحضور القوي في شمال سوريا وشرقها، قضت منذ ربيع عام 2011. على نحو 80،000 سوري. لكن المخاطر المترتبة على لبنان كانت كبيرة جداً، اذ انه وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، اصبح ما يقرب من 497،000 سوري لاجئين في لبنان أو في انتظار تسجيل اسمائهم، من اصل مليون وسبعمئة الف هو العدد الإجمالي للاجئين في دول الجوار السوري. وطرحت هذه الموجة مشكلتين ضخمتين:
الأولى أنها مكلفة للغاية بالنسبة إلى لبنان من حيث تأمين المأوى والرعاية والغذاء. والمؤسف ان المجتمع الدولي، حتى الدول التي تدين بصوت عال آلة القتل، اقدمت على فعل أقل بكثير مما في وسعها فعله لمساعدة لبنان (وجيران سوريا الآخرين) في ملف إدارة عبء اللاجئين.
الثانية، الأكثر خطورة، هي أن معظم اللاجئين في سوريا هم من السنة، ووجودهم المتزايد يثير القلق لدى غير أهل السنة في لبنان، وخصوصاً الشيعة. وتتشابك بشكل اكثر احكاماً العوامل الديموغرافية والسياسية في لبنان مما هي عليه في معظم البلدان الأخرى. ويؤدي استمرار الحرب في سوريا الى بقاء اللاجئين السوريين في لبنان الى فترة اطول، وهو الواقع الاكثر سوءاً الذي يمكن التكهن به للبنان المهدد بسلامه».

الحضور الايراني
ويتحدث التقرير عن «قوى أكثر خطورة»، في اشارة الى إيران وحزب الله، «الحلفاء الاقرب للرئيس السوري، والعازمون على إنقاذ نظامه. ووفق رؤيتهم، الحرب الأهلية السورية هي جزء من صراع أوسع بين السنة والشيعة، وان الدول العربية قررت إسقاط الأسد كجزء من هدفهم الأكبر الكامن في إضعاف إيران، الراعي الرئيسي للحزب وهي تعتمد على سوريا كقناة لتوريد الدعم اليه. وتأسيساً على هذا الواقع، ليس مستغرباً الحضور الايراني المباشر في سوريا، من منطلق مساعدة طهران جيش الأسد والقوات شبه العسكرية. كما ارسل حزب الله مقاتليه لمساعدة الأسد، وللسيطرة على القصير التي تربط دمشق بالساحل السوري، معقل العلويين التاريخي بين اللاذقية وطرطوس. وفي حال اقتنع الأسد وأتباعه بأنهم لا يستطيعون هزيمة التمرد في كل أنحاء سوريا، فسينتقل الى الخطة الرديفة التي تقوم على توطيد سيطرته على المناطق الوسطى والساحلية. والمساعدة من إيران وحزب الله هي أمر حاسم لهذه الاستراتيجية، كذلك الدعم من روسيا التي تواصل تسليح الاسد وتوفير غطاء ديبلوماسي له في مجلس الامن الدولي».

نحو الهاوية
ويعتبر التقرير الديبلوماسي ان «إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله عبر سوريا هي شيء لا يمكن إسرائيل التغاضي عنه، لذلك سبق ان شنت هجمات ترمي الى توجيه رسالة الى النظام السوري والحزب في آن. وثمة من يترقب ما سيكون عليه موقف تل ابيب في حال سلمت روسيا الاسد نظام الدفاع الجوي “S-300“. اما المؤكد فهو ان لبنان سيكون، كما في الغالب، مساحة للتجاذب والحروب بالوكالة.
ويشير الى أن لبنان يتم جره وسحبه ببطء، إنشاً اثر إنش، نحو الهاوية بخطى ثابتة وواثقة. اما ما الذي يمكن عمله لإنقاذ ذلك فليس كثيراً، على ما يبدو، اذ ان الغرب يمكن أن يسلح المتمردين السوريين، غير ان إيران وحزب الله وروسيا تورطت جداً، وباتت مصالحها على المحك، ومن غير المتوقع ان تنكفىء. الى جانب ذلك، تعاني المعارضة السورية انقساماً كبيراً على نفسها، على رغم احتفاء الغرب بها. ويدرك الاميركيون والاوروبيون، بخشية، أن الراديكالية الاسلامية هي أقوى فصائل التمرد. ويمكن للولايات المتحدة ولحلفائها إقامة منطقة حظر الطيران، لكن من دون تفويض من الأمم المتحدة، بالنظر إلى أن روسيا، وربما الصين، ستستخدمان حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار مماثل. في أي حال، تمثّل الغارات التي تشنها الطائرات والمروحيات التابعة للجيش السوري النظامي نسبة ضئيلة من مجموع القتلى المدنيين. علاوة على ذلك، يتعيّن ان يتم تدمير او عزل منظومات الدفاع الجوي العائدة الى قوات الأسد، قبل أن يتم تحديد منطقة حظر الطيران فوق سوريا. لكن، خلافاً لما حدث في ليبيا، لن يكون الامر هيّناً، فالغرب يريد تدخلاً انسانياً صرفاً، وليس ذلك الذي يمكن أن يؤدي الى قتل المزيد من الجنود ويغرق دول الغرب وحكوماته في مستنقعات لسنوات كثيرة».
ويخلص الى ان «التوقعات بالنسبة الى لبنان الحزين، تعيسة وليست جيدة. ففي حال بدأ البلد بالانهيار، يصبح اللبنانيون مهددين مرة اخرى بظلمة خانقة وقاتلة. وستصبح الحرب الأهلية السورية التي تم تدويلها، بالتآزر مع الفوضى في العراق حيث العنف بين الشيعة والسنة على قدم وساق، اكثر المحطات اللبنانية القاتلة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق