رئيسيسياسة عربية

مظاهرات عارمة بمدينة خراطة الجزائرية تخليداً للذكرى الأولى للحراك الشعبي: ماذا تحقق؟

شهدت مدينة خراطة بولاية بجاية شرق العاصمة الجزائرية الأحد مظاهرات عارمة شارك فيها الجزائريون من مختلف ولايات الوطن احتفالاً بالذكرى الأولى للحراك الشعبي الذي انطلقت شرارته بالمنطقة لتنتقل بعدها إلى العاصمة، رفضاً للعهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ومطالبة بدولة قانون وديمقراطية.
خرج آلاف الجزائريين الأحد في مظاهرات عارمة بمدينة خراطة (ولاية بجاية) شرق العاصمة الجزائرية لإحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ عام.
وبدأت هذه الاحتجاجات التي صارت أسبوعية بالعاصمة وكبريات المدن الجزائرية، لرفض ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة وللمطالبة بدولة قانون وإصلاح شامل للنخبة الحاكمة ووضع حد للفساد وانسحاب الجيش من السياسة.
وتمكن الحراك الجزائري من دفع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة في نيسان (أبريل) بعد عشرين عاماً في الحكم، لكن تحديات كبيرة لا تزال تواجهه مع استمرار مطالبته بإسقاط «النظام» الحالي رغم أن البلاد شهدت انتخابات رئاسية فاز فيها عبد المجيد تبون.

عام على بدء الحراك

يوم الجمعة 22 شباط (فبراير) 2019، وفي شكل غير متوقع في بلاد ظنّ الجميع أنها استسلمت لمصيرها، انطلقت حركة احتجاجية غير مسبوقة في الجزائر ما زالت حيّة الى اليوم، ولكن هذا الحراك يواجه العديد من التحديات فيما يستعد لاطفاء شمعته الأولى.
بعد أقل من ستة أسابيع، تمكن المتظاهرون، الذين ازدادت أعدادهم كل يوم جمعة، من دفع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الى الرحيل بعد ان قضى 20 سنة في الحكم.
ورغم سقوط بوتفليقة، وبعد مرور عام، يؤكد المتظاهرون ان «النظام» السياسي الذي رفضوه لا يزال قائماً.
واستعاد الجيش السيطرة على الوضع وخلف بوتفليقة أحد أوفيائه بعد انتخابات رئاسية في كانون الأول (ديسمبر)، قاطعها غالبية الناخبين، لكن الحراك فشل في منع حصولها.
وأوضحت كريمة ديريش المتخصصة في شؤون المغرب العربي المعاصر أنه «مع الانتخابات الرئاسية، انتقلنا إلى الفصل الثاني، مع كل ما يحمله من عدم اليقين وعدم الاستقرار».
وأضافت المؤرخة لوكالة فرانس برس «هذا يتسق مع ما يقوله الجزائريون منذ عام: كل شيء يتحرك ولا شيء يتغير».
ولكن إذا لم تتمكن التظاهرات الأسبوعية من التفوق على «النظام» فإن الحراك قد غير الوضع السياسي بشكل عميق.

«وعي»

وتقول داليا غانم الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الاوسط في بيروت ان «بعض النتائج الملموسة تحققت فعلاً» مثل رحيل بوتفليقة وحبس رجال أعمال فاسدين، «حتى لو كان المطلب الرئيسي لتغيير النظام بعيد المنال».
لكن النجاح الأكبر للحراك، كما قالت، «هو في الحقيقة وعي الجزائريين ورغبتهم في العودة إلى العمل السياسي بدون أن يخافوا (…) من سيناريو الحرب الأهلية» بين الجيش والمجموعات الإسلامية المسلحة والتي قُتل فيها 200ألف شخص في تسعينيات القرن الفائت.
هذه «المأساة الوطنية» كما تسمى رسميا في الجزائر استغلها بوتفليقة لتثبيط أي إرادة احتجاج بشكل جعل سيناريو 22 شباط (فبراير) غير مرجح تماماً.
فقبل بضعة أسابيع من ذلك، وضع الجهاز السياسي – العسكري الواثق بنفسه، كل التحضيرات لخوض معركة الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في نيسان (أبريل).
وكان يفترض أن يكون ذلك إجراء شكلياً لرئيس الدولة المنتهية ولايته، رغم شلله وعدم قدرته على الكلام وعدم ظهوره للعلن إلا نادراً منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013.
وفي برجه العاجي معزولاً عن المواطنين، شعر النظام بأن الغضب يتزايد لكنه قلل من شأنه.
ولم يعد الشباب (54٪ من السكان يبلغون أقل من 30 عامًا) الذي يعانون البطالة، يتحملون تمثيلهم في نظر العالم من خلال شخص فاق ثمانين سنة مشلولا على كرسي متحرك، ويثير السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي في أي ظهور له.
وبلغ شعور الإذلال أوجّه عندما عندما خاطب مسؤولو الحزب الرئاسي صورة الرئيس بما انه لا يستطيع الحضور. وتزايدت الدعوات للتظاهر في 22 شباط (فبراير) على شبكات التواصل الاجتماعي. لكن قلائل صدقوا ان الاحتجاج سيندلع ويستمر، خصوصاً في الجزائر العاصمة، حيث تُمنع جميع التجمعات منذ عام 2001.

ماذا بعد؟

لاحظت كريمة ديريش أن «المواطن في الشارع أصبح قوة احتجاج، الامر الذي لم يكن موجوداً من قبل» في بلد يغيب فيه حزب معارض أو نقابة حقيقية.
وبحسب جان بيير فيليو، أستاذ العلوم السياسية في باريس، فإن «الحراك قاد لمدة عام مساراً مزدوجاً لإستعادة التاريخ الوطني والفضاء العام من خلال السيطرة على الشارع لمدة زمنية طويلة وبشكل سلمي، فقد أعاد الحراك قواعد اللعبة السياسية في الجزائر، والتي كانت اتسمت حتى الآن بالغموض والعنف».
كما أظهر الحراك التحولات العميقة في المجتمع الجزائري والتي يقودها شبابه – وخصوصاً النساء – المتخرج من الجامعات والنشيط على مواقع التواصل الاجتماعي، من اجل إسماع صوته.
واعتبرت ديريش أن على الرئيس الجديد عبد المجيد تبون (74 عاماً) «التعامل مع هذ الواقع في حكمه ، فلن يكون قادرًا على فعل ما فعله الآخرون من قبل، هذا غير ممكن».
وبعد مرور عام من المؤكد ان حشود المتظاهرين أقل كثافة مما كانت عليه في ربيع 2019، لكن التعبئة ما زالت قوية. ويريد الحراك التأثير على التغييرات التي وعد بها الرئيس الجديد، لكنه يكافح من أجل هيكلة نفسه والاتفاق على الطريق الواجب أن يسلكه.
وأشارت داليا غانم إلى أن «الحراك سيحتفل بسنته الأولى في 22 شباط (فبراير) والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: ماذا بعد؟ ماذا نريد؟ ماذا نطلب وكيف نحاول تحقيق نتائج ملموسة؟».

فرانس24/ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق