صحة

انه السكري… انتبهوا الى عيونكم!

إذا كانت رؤية النجوم تجعلنا نحلم فإن الإكتئاب يجعلنا نفقد رؤيتنا. وبين الحلم واللاحلم، بين النجوم والإكتئاب، يبقى النظر وسيلةَ تألقٍ في حياة من ليس له فيها «نظر» يتعثر!
وإذا كانت هذه حال «البصيرة» فماذا عن حال «البصر»؟ ماذا عن ضعف البصر الناتج عن داء السكري؟ سؤالٌ طُرح في لقاءٍ ضمّ عشرات أطباء العيون والجواب أتى حاسما: وجدنا العلاج…

نطمئن؟ لماذا؟ ماذا في جديد العلاجات؟ ماذا في شكل المعالجة؟ أسئلة وأسئلة صدحت في أرجاء القاعة التي ضجت، بدعوة من «باير»، بحراكِ أطباء العيون في لبنان الذين هم أكثر من يعلمون أن لا شيء يؤذي العينين بقدر ما يعبث فيهما السكري… فهل هناك حلّ؟

علاج جديد؟
لنبدأ من الآخر، من النتيجة: وافقت وكالة الأدوية الأوروبية والوكالة الأميركية للغذاء والدواء على استخدام حقن جديدة، كل واحدة سعة 2 ملغ، لمعالجة «الوذمة البقعية السكرية»، على أن تُحقن العين مرة واحدة في الشهر، خلال الأشهر الخمسة الأولى، ثم مرة واحدة كل شهرين، ثم سيشهد النظر تحسناً هائلاً…
نُصدق؟ نشك؟ ما يجعلننا نطمئن عملياً، بحسب إختصاصي طب العيون الدكتور هيثم سلطي، هو أن أكثر من ثلاثين دولة في العالم باتت تعتمد هذه التقنية في علاج آثار داء السكري على البصر. والدراسات التي جرت حتى الآن أثبتت فعالية هكذا علاج في تحسين البصر.
لاحت بارقة أمل في عيونكم؟ نتمنى هذا…
سؤالٌ آخر يُطرح: كيف يؤثر السكري عادة على العينين؟
ما عاد سراً أن السكري يؤثر على كل شرايين الجسم وهو، كما تعلمون، داء مزمن يحدث حين لا يعود الجسم قادراً على إنتاج ما يكفي من الأنسولين، أو حين لا تعود الخلايا قادرة على الإستجابة للأنسولين الذي يتم إنتاجه. والأسوأ من كل هذا أنه على الرغم من محاولات مرضى السكري عادة الحؤول دون تفاقم الداء، عبر تنفيذ النصائح ومراقبة معدلات الداء وتناول العلاج الصحيح، يستمر حدوث بعض التقلبات في الجسم بسبب الداء ينتج عنها ضرر في الاوعية الدموية الصغيرة في شبكة العين وتُسمى هذه الحالة في اللغة الطبية: شبكية السكري. وهذه الأوعية المتضررة تسمح بتشرب السوائل والدهون في المنطقة الوسطى من شبكة العين المعروفة بالبقعة وتتسبب بحدوث البقعة الوذمية السكرية. الحرصُ إذاً واجب مطلوب، وملح في الوقاية أولاً وفي المراقبة ثانياً وثالثاً ورابعاً… فالسكري، مثل الحرامي، قد يُفاجئنا بأمور كثيرة!

داء تورم البقعة
ثمة أسباب مختلفة قد تؤدي الى ضعف النظر غير أن «البقة الوذمية السكرية» أو لنسمها «تورم البقعة» هي السبب الأكثر شيوعاً لضعف البصر لدى مرضى السكري الذي قد يؤدي الى فقدان البصر. وهناك، في النسب، نحو ثلاثة في المئة من مرضى السكري حول العالم عرضة لاعتلال البصر الناتج عن هذا الداء بالذات، داء تورم البقعة، الذي يعد سبباً شائعاً لفقدان البصر لدى الراشدين في منتصف العمر. وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأميركية بالذات نرى أن فيها نحو 26 مليون مصاب بالسكري بينهم أكثر من 560 ألف مصاب بالوذمة البقعية السكرية.
في كل حال، تحدث الوذمة في ذاك الجزء من العين المسؤول عن الرؤية المركزية الأكثر وضوحاً التي تسمح لنا بأن نقرأ أو أن نتعرف على الوجوه. ولا يترافق حدوثها مع إحساس بالألم بل جلّ ما قد يشعر به المصاب، خصوصاً في المرحلة الأولى، هو عدم وضوح في الرؤية أولا ثم تغير ألوان الأشياء المحيطة، ولعلّ العلاج السريع، في الوقت المناسب، يمنع ظهور «التغيرات التنكسية» التي لا يعود ممكنا بعدها تصحيح العيب وقد تؤول، مع تقدم الداء، الى فقدان الرؤية تماماً.

قبل استفحال الداء…
وتشير دراسة الى أن نحو 45 في المئة من المصابين بالوذمة البقعية المرافقة للسكري كانوا يجهلون أن السكري قادر على أن يفعل ما فعله في عيونهم وهناك نحو ثلاثين في المئة منهم فقدوا الرؤية في العين المصابة قبل أن يدركوا هذا! ما معنى هذا؟ أننا بحاجة الى كثير من التوعية لنتعامل مع الداء قبل إستفحاله. ومعنى هذا أيضاً أن هناك أطباء ما زالوا يتعاملون مع مرضاهم كأرقام لا كبشر، فمن حقهم عليهم أن يشرحوا لهم بالورقة والقلم كل ارتدادات السكري على كل شرايين الجسم وخلاياه ولا سيما على شبكية العين!
في كل حال، كلما طالت معاناة مريض السكري مع الداء كلما ارتفعت إحتمالية الإصابة باعتلال الشبكية السكري، وهذا ما يواجهه لسوء الحظ مرضى النوع الأول من السكري، الذين يُصابون كما تعلمون باكراً جداً، من طفولتهم غالباً به. وقد تبين أن نحو ستين في المئة ممن مضى على إصابتهم بالسكري مدة تصل الى عشرين عاماً يعانون من درجة معينة من اعتلال الشبكية. لا مناص إذاً من الإصابة بعد وقت طويل لذا التركيز هنا، في هذا الإطار، يبقى على العلاج المجدي من أجل التأقلم مع الواقع بأقل ضرر ممكن وذلك عبر أمرين: فحص مريض السكري عينيه سنوياً والحرص على إبقاء السكر في الدم تحت السيطرة، والسؤال عن العلاج في حال شعر بأي اضطراب في بصره أو تغيير في الألوان وبضباب يلوح في مقلتيه.
يبدأ مرض البصر ذو العلاقة بالسكري بضعف جدران الأوعية الدموية في الشبكية وبروز نتوءات صغيرة جداً في جدران الأوعية يُطلق عليها طبياً تسمية «التكيس الخارجي»، وتبدأ هذه الأورام بالإرتشاح فيصل السائل والدم الى الشبكية فتظهر، تدريجياً، علامات تلف أخرى، وقد يبقى المريض، في كل هذه المراحل، محتفظاً بقدراته البصرية، غير أن المشكلة الأكبر تنجم عن الداء الذي نتكلم نحن عنه، عن الوذمة البقعية، التي تحدث كما سبق وقلنا عند إنغلاق الأوعية الشعرية، ما يُخفض تدفق الدم الى البقعة فلا تعود قادرة على إتمام عملها فيتضاءل البصر المركزي فيما يبقى البصر الجانبي عادة طبيعياً.
مريض سكري؟ السكر في دمك مستقر؟ تزور طبيب الغدد والسكري في انتظام؟ تأكل صحّ؟ تتصرف صحّ؟ تمارس الرياضة؟ لا تدخن؟ تزور طبيب العيون مرة في السنة؟
ممتاز، لكن السؤال يبقى: متى عليك أن ترفع هاتفك في الحال وتطلب موعداً سريعاً من طبيب العيون؟ أي تغيير مفاجىء مهما كان بسيطاً عند مريض السكري يفترض أن يؤخذ في عين الإعتبار، خصوصاً إذا دام أكثر من يومين أو ثلاثة، أو في حال ظهر احمرار في العين وإذا شعر مريض السكري بما يُشبه الأضواء التي تومض وتشع في عينيه. ولا حاجة، نذكر، الى الشعور بالألم حتى يأخذ المريض قرار التوجه حالا الى طبيب العيون.
نجيب محفوظ، الكاتب الكبير، قال: «أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري». البصر إذاً نعمة والبصيرة ثبات ومن أراد أن يتقدم عليه أن ينظر دائماً الى الأمام، أن يكون له بكلام آخر، بعد نظر. وبُعد النظر عند مرضى السكري قد يُنجيهم من فقدان النظر. وماذا بعد؟ أمنية بدوام «البصر» و«البصيرة»…

نوال نصر 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق