الحركة الاحتجاجية في العراق: «أمل التغيير» يمر عبر الشارع؟
يعيش العراق حركة احتجاجية كبيرة منذ نحو أسبوع ووجهت بعنف كبير من قبل قوات الأمن التي أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين، ما خلف أكثر من مئة قتيل. ودعا الرئيس العراقي برهم صالح الاثنين إلى وقف التصعيد وبدء حوار وطني، فهل هي بداية حل الأزمة؟ أم أن شرارة الاحتجاجات ستظل متواصلة؟
في أول «امتحان شعبي» لها منذ تشكيلها قبل نحو عام، تواجه حكومة عادل عبد المهدي احتجاجات شعبية سرعان ما تحولت إلى مواجهات دامية منذ الثاني من الشهر الجاري، ازدادت توسعا مع مرور الأيام، لتنتقل من العاصمة بغداد إلى مناطق أخرى من البلاد. المظاهرات السلمية غير المسبوقة لم تنطلق بدعوة من حزب أو زعيم ديني كما تجري العادة في بغداد، قتل فيها أكثر من مئة قتيل. الرئيس برهم صالح دعا مساء الاثنين إلى وقف التصعيد والحوار.
لماذا نزل العراقيون إلى الشارع للتظاهر؟
رفع المتظاهرون منذ بداية الاحتجاجات شعارات مناوئة للحكومة ومطالبة بمحاسبة الفاسدين الذين يفوتون على البلاد فرص التنمية ومكافحة البطالة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد بدائل اقتصادية قادرة على استيعاب العاطلين عن العمل خصوصاً وسط الشباب.
ويقول الخبير في الشأن العراقي صباح باهي، في اتصال مع فرانس24 بأن المظاهرات جاءت نتيجة «الاختناق السياسي والمجتمعي»، بسبب «السياسات العامة التي انتهجت منذ 2003»، معتبرً أن «النظام أغرق المجتمع بالحشود العسكرية، ولم يدرك أن الديمقراطية تتطلب التداول على السلطة».
ويعتبر باهي أن هذه الحركة الاحتجاجية وإن كانت في الظاهر «ثورة جياع»، فهي تخفي جانباً سياسياً مهماً، بل «هي سياسية بالأساس»، تحتج ضد «فشل نظام» في وضع البلاد بكل قطاعاته على السكة الصحيحة للتنمية والديمقراطية.
وبالرغم من الطائفية المتوغلة في الحياة السياسية للبلاد، فهذه المظاهرات وحدت جميع الشباب باختلاف انتماءاتهم المذهبية، وكان الشعار الأكبر لها مطالبة الحكومة بضمان الحق في العيش الكريم، والدفع في اتجاه محاربة الفساد الذي ينخر البلد منذ سنوات.
إجراءات الحكومة لتهدئة الأوضاع
كانت المقاربة الأمنية، التي اعتمدتها الحكومة العراقية منذ البداية في مواجهة الاحتجاجات، بدون فعالية، بل «كارثية» على حد تعبير باهي، أسفرت عن خسائر كبيرة في الأرواح، وأججت أكثر الاحتجاجات، ما زاد من تعقيد الوضع أكثر.
وفي محاولة منها لتهدئة الأوضاع، طرحت الحكومة بدائل اجتماعية البعض منها، كان على لسان رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الذي تعهد بتخصيص رواتب شهرية للأسر الفقيرة، موضحاً «لدينا مشروع سنقدمه إلى مجلس النواب خلال الفترة القصيرة، لمنح راتب لكل عائلة، لا تمتلك دخلاً كافياً، بحيث يوفر حداً أدنى للدخل يضمن لكل عائلة عراقية العيش بكرامة».
كما قررت الحكومة اعتبار الضحايا من المتظاهرين والأجهزة الأمنية «شهداء وشمولهم بالقوانين النافذة ومنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة على ذلك، وتوفير الخدمات العلاجية للجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية وتوفير كامل الاحتياجات على نفقة الحكومة»، إضافة إلى «مجموعة من القرارات لدعم أصحاب الدخل المحدود والعاطلين وتوفير فرص عمل للخريجين ومحاربة الفساد وإجراء إصلاحات سياسية وإدارية واسعة».
كيف الخروج من الأزمة؟
انسداد الأفق وعدم الثقة بالوعود التي قطعتها الحكومة، لا يوحي بعودة الشارع العراقي إلى حياته الطبيعية خلال أيام. «فهؤلاء الشباب الذين يواجهون الرصاص بصدورهم العارية»، ينظرون إلى الإجراءات الحكومية مجرد «حلول ترقيعية»، لا تغير في واقعهم المعيشي أي شيء، حسب باهي.
وأضاف الخبير العراقي في السياق عينه أن «النظام هو نفسه منذ اطاحة الرئيس السابق صدام حسين، والمفروض عليه اليوم أن يغير نفسه من الداخل، لتجاوز هذه المرحلة بدون سفك المزيد من الدماء»، على أن تطال المحاسبة رموز الفساد منذ سنوات، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة الحالية عادل عبد المهدي، كان وزيراً سابقاً، وليس بشخصية سياسية جديدة على الحكم، ما لا يعطي الكثير من المصداقية لتعهداته.
كما أن المقاربة الأمنية الدامية التي اختارتها الحكومة العراقية في مواجهة المتظاهرين، ووجهت بالكثير من الانتقادات في الداخل والخارج. واعتبرت أنها لا تزيد الوضع إلا تعقيداً. ويعتقد الخبير في الشؤون العراقية صباح باهي أن من أولى الأولويات «وقف العنف، لأنه لا يقود إلا للعنف».
ووجدت الحكومة العراقية نفسها اليوم أمام جيل جديد من الشباب، لم يعش فترة قمع الحريات خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، وهو «جيل راكم الكثير من الوعي، لكونه تربى في عالم منفتح بفضل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي»، يقول باهي، «شباب بلا عمل، وبلا أمل في التغيير»، ويراهنون اليوم على الشارع.
تجدد المظاهرات
أصدرت الحكومة العراقية حزمة ثانية من الإصلاحات الاجتماعية المقترحة الثلاثاء في محاولة لتلبية مطالب المحتجين المناهضين للحكومة.
وأعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خطة مؤلفة من 13 نقطة تركز على الدعم والإسكان للفقراء بالإضافة إلى مبادرات لتدريب وتعليم الشبان العاطلين.
من جهته، ناقش البرلمان، الذي عقد أولى جلساته الثلاثاء منذ بدء الأزمة، هذه الخطوة وخطط الإصلاح التي تهدف إلى تهدئة المتظاهرين.
ونشر عبد المهدي الإصلاحات على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب اجتماع للحكومة.
وقُطعت الإنترنت وسبل الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي عن الكثير من العراقيين لأيام عدة. لكن المحتجين يرون في خطة الإصلاح الحكومية مجرد وعود جاءت متأخرة.
احتجاجات جديدة ليلاً
وعادت الاحتجاجات ليلا إلى شوارع مدينة الصدر بالعاصمة العراقية بغداد حيث قُتل أحد أفراد قوات الأمن، في حين بدت معظم أنحاء البلاد أكثر هدوءاً مما كانت عليه على مدى الأسبوع المنصرم في الوقت الذي سعى فيه الساسة لوضع حد للانتفاضة.
وأبلغت مصادر في الشرطة أن قوات الأمن بدأت اعتقال محتجين بعد حلول ليل الثلاثاء في المناطق الشرقية والشمالية الغربية ببغداد. وتحمل الشرطة صور المحتجين التي التقطت في الأيام الماضية للتعرف عليهم واعتقالهم.
وقال الجيش العراقي الثلاثاء إن شرطياً قُتل وأصيب أربعة آخرون إثر هجوم من مسلحين في مدينة الصدر حيث قتل 15 شخصا في الليلة السابقة في أعمال شغب.
وقالت الشرطة إن المحتجين أشعلوا النيران في إطارات أمام مبنى مجلس البلدية والمحكمة في ميدان مظفر. وأضافت أن إطلاق النار الذي استهدف قوات الأمن جاء مصدره من أحد الحشود.
لكن المحتجين قالوا إنهم تعرضوا لهجوم من قوات الأمن باستخدام الذخيرة الحية طوال الأسبوع.
وقالت المفوضية العراقية السامية لحقوق الإنسان شبه الرسمية إن نحو 800 شخص اعتقلوا الأسبوع الماضي وأفرج عن 500 منهم بالفعل.
ا ف ب/فرانس 24/ رويترز