رئيسيسياسة عربية

تونس: الثورة تستعين بـ «ارث بن علي» في القضايا الامنية

خلافاً لادبيات الثورة التي تتقاطع تماماً مع انظمة ادارة الحكم في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بدا واضحاً ان اجهزة الدولة في تونس تقترب من حد الالتصاق باساليب ادارية كانت سبباً في انطلاق الثورة واطاحة اركان الحكم السابق. وبدا واضحاً ايضاً ان الدولة بنسختها الجديدة بدأت الاستعانة بـ«ارث» النظام السابق وتحديداً في القضايا الامنية، ومن خلال استعارة انظمة وقوانين كانت مطبقة في تلك الحقبة، وكانت توصف بـ «القمعية».

النظام الجديد الذي يتزعمه اسلاميون، والذي يواجه اخطار تشدد اسلامي ايضاً، استعار قوانين وانظمة من اجل التعامل مع حالات تطرف رأى انها تشكل خطراً على الامن والسلامة العامة، وتهدد بنيان الثورة، وتضيف عناصر خلافية عديدة الى ما هو قائم بين الاركان المتحالفة ضمن الاطار الجديد.
من ذلك، اعلان الحكومة التونسية عن قرارها تطبيق قانون الطوارىء الذي كان نافذاً في عهد بن علي، مع ادخال تحسينات عليه، والتأكيد بأن تلك التحسينات تتميز بقدر من «الصرامة» سواء في المضمون، أو في المجالات التطبيقية. واعلانها ايضاً عن توجه لوضع قانون جديد لمكافحة الارهاب، وهو القانون الذي كان محل تحفظ في العديد من الدول التي اعتمدته في مراحل سابقة للربيع العربي.
في هذا السياق، أعلن وزير الدفاع التونسي الجديد رشيد الصباغ، أن بلاده ستطبق في الفترة المقبلة قانون الطوارىء بكل صرامة، وشدد على ان الاجهزة الامنية لن تتساهل مستقبلاً مع كل من يخرق هذا القانون. وهو القانون الذي طبق – شكلياً – منذ اطاحة الرئيس بن علي. والذي يعتبر امتداداً لحقبة الرئيس المطاح. الا ان النسخة الجديدة منه جاءت متشددة بشكل واضح.
وقال الوزير في تصريحات صحافية، ان الامور في تونس لا يمكن ان تستمر بهذا الشكل وانه لن يقع التساهل مستقبلاً مع كل الخروقات، أياً كانت حتى وان لزم الامر التدخل بالقوة لفرض احترام القانون.
واكد أن الوضع الامني الحالي في البلاد يفرض الاستمرار في حالة الطوارىء. وان قانون الطوارىء مطبق – الان – بشكل جزئي. وكشف النقاب عن لقاء لمجلس الامن الوطني، الذي يتشكل من رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس التأسيسي (البرلمان)  لبحث الخيارات الامنية الواجب اتباعها خلال الفترة المقبلة، وعن اتفاق على ان تكون الخيارات حازمة وصارمة.

مواجهة السلفيين
تتقاطع هذه التصريحات مع اعلان سابق لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الذي قال انه سيعمل على رفع حالة الطوارىء. الا ان محللين اشاروا الى ان الخطوة الاخيرة تهدف الى مواجهة التيار السلفي الذي رفع من مستوى المواجهة مع الجيش والاجهزة الامنية.
الى ذلك، ومع اندلاع المواجهة بين سلطات تونس الانتقالية والسلفيين الجهاديين، عاد جدل قوانين مكافحة الارهاب ليطفو على السطح من جديد، وسط معلومات رسمية عن الشروع في اعداد قانون جديد للإرهاب يكون بديلاً عن القانون الحالي الذي يجري تطبيقه رغم انه مقر منذ عهد الرئيس المعزول زين العابدين بن علي. والذي تم اقراره رسمياً في 10 كانون الاول (ديسمبر) 2003 والذي يتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والذي قامت حكومة المرزوقي باستخدامه في احالة عدد من المتهمين السلفيين الى القضاء، رغم وصفه بانه يتقاطع مع ثوابت حقوق الانسان.
ويشتكي حقوقيون من مواصلة العمل بهذا القانون الموصوف بانه «ذو السمعة السيئة»، بينما تطالب المنظمات الحقوقية بحذفه والاستغناء عنه فيما تعمل وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية على إعداد قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وتصرّ وزارة الداخلية على اعتماده وإحالة المشتبه فيهم بمقتضاه، وتطالب النقابات بتفعيل وتطوير هذا القانون.
وفي مسار مواز، أنهى المجلس التأسيسي التونسي الذي يسيّر شؤون البلاد منذ رحيل الرئيس بن علي، صياغة الدستور الجديد. وسيرفع الدستور والتقرير العام الخاص به الى رئيسي الجمهورية والحكومة، ثمّ سيعرض بعد 15 يوماً امام الجلسة العامة للتأسيسي للتصويت عليه. ليحل محل دستور 1959 الذي تم تعليق العمل به بعد الثورة ودخول البلاد في مرحلة انتقالية تديرها قوانين مؤقتة عمادها دستور صغير هو النظام المؤقت لادارة اجهزة الدولة. ووقع مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي رئيس لجنة الصياغة، والحبيب خضر المقرر العام للدستور، المشروع النهائي للدستور امام عدسات المصورين والصحافيين قبل اداء النشيد الوطني. وكان المجلس التأسيسي اعتمد في آذار (مارس) جدولاً زمنياً غير ملزم يحدد فيه تاريخ 27 نيسان (ابريل) موعداً لتقديم مشروع الدستور، على ان يتم تبنيه قبل 8 تموز (يوليو).
ومنذ بداية اعمال المجلس الوطني في 15 شباط (فبراير) 2012 تم وضع ثلاث مسودات للدستور التونسي الجديد في آب (اغسطس) وايلول (سبتمبر) 2012 وفي آذار (مارس) 2013. وكانت الاحزاب السياسية الرئيسية في تونس التزمت بمدة عام واحد اعتباراً من تاريخ انتخاب المجلس التأسيسي في 23 تشرين الاول (اكتوبر) 2011 لصياغة مشروع الدستور الجديد غير ان اعمال المجلس التأسيسي تقدمت ببطء شديد بسبب غياب التوافق حول طبيعة النظام السياسي الجديد وصلاحيات رأسي السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

مشروع الدستور
يحتاج مشروع الدستور ليتم تبنيه الى اصوات ثلثي اعضاء المجلس التأسيسي الـ 217. وكانت المسودة الاخيرة لمشروع الدستور التي نشرت في نيسان (ابريل) انتقدت بشدة من معارضين ورجال قانون اعتبر بعضهم ان النص غامض جداً خصوصاً بشأن مكانة الدين وحقوق الانسان والمساواة بين الرجل والمرأة. ووعد رئيس الحكومة والقيادي في النهضة علي العريض بتبني الدستور الجديد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية 2013.
ومن جهة ثانية، عاد قانون العزل السياسي ليطفو من جديد على سطح الجدل السياسي، حيث تحاول حركة النهضة الاسلامية وحليفها حزب المؤتمر، تمرير قانون تحصين الثورة لعزل فلول النظام السابق سياسياً. لكن معارضي النهضة يرون في القانون محاولة لإقصاء حزب الباجي قائد السبسي الذي يعتبر المنافس الأبرز للإسلاميين. وطالب نواب مجموعة من الكتل رئيس المجلس التأسيسي بعرض مشروع قانون تحصين الثورة – العزل السياسي – في أجل لا يتجاوز الأسبوع المقبل مهدّدين باستعمال كل الصلاحيّات المخوّلة لهم قانونياً لمنع ما اعتبروه «كل محاولة للالتفاف على إرادة نوّاب الشعب» بما في ذلك عملية سحب الثقة منه. الخطوة التي اعتبرها محللون بانها مشروع تأزيم جديد قد يرفع من منسوب التوتر في اركان الدولة.

تونس – «الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق