الاتفاق على المجلس السيادي في السودان يجنّب البلاد خطر الانزلاق إلى الفوضى
جنّب الاتفاق الذي توصّل إليه قادة المجلس العسكري والحركة الاحتجاجية في السودان خطر الانزلاق إلى الفوضى أو حتى الحرب الأهلية، إلا أن تساؤلات كثيرة لا تزال مطروحة حول آلية التطبيق.
وبموجب اتفاق وُقّع الأحد إثر وساطة قادها الاتحاد الإفريقي وإثيوبيا، سيتولى مجلس سيادي غالبية أعضائه من المدنيين قيادة السودان خلال فترة انتقالية مدّتها ثلاث سنوات.
ويقول المحلل السوداني خالد التيجاني، رئيس تحرير صحيفة إيلاف إن "هذا الاتفاق ليس الأمثل ولكنه أفضل من عدم التوصل إلى اتفاق".
ويضيف أن الأمور «كانت قد تؤدي إلى حرب أهلية أو أن ينزلق السودان في فوضى لذلك هو اتفاق… متوازن وعقلاني».
ويشهد السودان أزمة سياسية منذ كانون الأول (ديسمبر) حين بدأت الاحتجاجات ضد حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، واستمرت بعد إطاحته احتجاجاً على تولي مجلس عسكري الحكم.
وجاء توقيع الإعلان الدستوري الأحد بعد محادثات شاقة عُلّقت مراراً بسبب أعمال العنف ولا سيّما عملية فضّ الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلّحة في الخرطوم.
ويقول المحلل مجدي الجزولي من معهد «ريفت فالي» إن الاتفاق «هو انعكاس لتوازن القوى».
لكنّه يشير إلى كثرة المشككين فيه نظراً إلى أنه «تسوية بين فريقين متنافسين غالباً ما تكون مصالحهما على طرفي نقيض».
ويضيف الجزولي أن تطبيق الاتفاق «يعتمد بشكل كبير على حسن نوايا» الجيش والحركة الاحتجاجية.
«تسويات على عجل»
يُخضع الإعلان الاستخبارات السودانية التي تم تغيير تسميتها الشهر الماضي إلى جهاز المخابرات العامة إلى سلطة المجلس السيادي والسلطات التنفيذية.
لكن محلّلين يشيرون إلى أن الإعلان لا يحدد آلية تقاسم المسؤوليات.
والهيئة التي كانت تعرف سابقاً باسم جهاز الأمن والمخابرات استخدمها البشير سابقاً وسيلة لسحق المعارضة ولقمع تظاهرات ضده.
ويقول الجزولي إنه «مثال على التسويات الرسمية التي أقرت على عجل لتفادي الخوض في قضايا شائكة».
ويضيف «من دون أي سلطة على ميزانيتها وتشكيلها من غير الواضح كيف يمكن ضبط هذه القوات في إطار ديموقراطي».
كذلك تُطرح تساؤلات حول مفاعيل الاتفاق على قوات الدعم السريع.
واتهمت قوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو الذي كان من أعمدة نظام البشير، بالتورط في فضّ الاعتصام أمام مقر القوات المسلّحة في الخرطوم في 3 حزيران (يونيو).
وبحسب لجنة الأطباء المركزية المقرّبة من المحتجين قُتل 127 شخصاً في عملية فض الاعتصام.
وتؤكد اللجنة أن أكثر من 250 شخصاً قتلوا في أعمال عنف مرتبطة بالتظاهرات منذ انطلاقتها في كانون الأول (ديسمبر).
وينص الإعلان على تقديم القوات تقاريرها للقيادة العامة للقوات المسلّحة، فيما سينظّم قانون قائم علاقتها مع السلطة التنفيذية.
ويقول إريك ريفز خبير شؤون السودان في جامعة هارفرد إن الوضع لطالما كان على هذا النحو «هناك فعلياً جيشان (أحدهما قوات الدعم السريع) بإمرة قائد الجيش».
وكانت قوات الدعم السريع تتمتع بنوع من الاستقلالية بقيادة دقلو المعروف بحميدتي.
ويقول ريفز إن دقلو ضمن «عدم المس بقواته» في الإعلان الدستوري.
ويضيف أن «احتفاظ حميدتي بقيادة قوات الدعم السريع بوضعها الحالي يجعله قادراً على التهديد باي تحرّك في حال رفض قادة الجيش تلبية مطالبه».
«لعبة ابتزاز»
وكشف توقيع الاتفاق الأحد وجود تصدّعات في معسكر الحركة الاحتجاجية حيث أبدى عدد من الفصائل تحفّظات.
وأكد الحزب الشيوعي السوداني أن الإعلان «كرّس هيمنة العسكر».
كذلك أعلنت الجبهة الثورية السودانية التي تضم عدداً من الحركات المسلحة في أقاليم عدة رفضها وثيقة الإعلان الدستوري لأنها تضع «عراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق سلام»، كما اشتكت من إقصائها من المحادثات.
ويقول ريفز إن رفض المتمرّدين «نذير شؤم» ويجب أن يعالَج لضمان السلام في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويحذّر الجزولي بأن عدم معالجة هذه الهواجس سيستدرج قادة المتمرّدين إلى «لعبة ابتزاز» بين المجلس العسكري وقادة الحركة الاحتجاجية.
وتشكل هذه الخلافات داخل تحالف قوى الحرية والتغيير مؤشراً إلى صعوبات إبقاء الجبهة موحدّة.
وضمنت قوى الحرية والتغيير غالبية في المجلس التشريعي تبلغ 201 من أصل 300 مقعد في المجلس، لكن التيجاني يؤكد أن «لا شيء يضمن بقاء هذا الأمر على حاله».
وتبقى العبرة في مدى التزام كل طرف بتعهّداته.
ويقول التيجاني إن «السودان لديه تاريخ من عدم الوفاء بالعهود والمواثيق»، ويضيف «السؤال هو إلى أي مدى هذا الاتفاق سيخالف ما كان معروفاً من هذه الممارسة».
ا ف ب