سياسة لبنانية

عودة التوتر السياسي من باب «القلمون»

لم يدع الأمين العام لحزب الله مجالاً للشك في أن المعركة يمكن أن تلغى ويتم صرف النظر عنها، وإنما أكد أن أمر المعركة محسوم والوضع في القلمون يحتاج الى حل جذري أمام عدوان فعلي ومحقق وقائم وليس أمام تهديد مفترض… وحزب الله لن ينتظر إجماعاً لبنانياً حول هذه المعركة وإنما يذهب إليها بتكليف ديني وأخلاقي وإنساني…
ما كاد نصرالله ينهي كلمته التي اتسمت بهدوء في النبرة والأسلوب وتشدد في الموقف والمضمون، حتى تصدى له الرئيس سعد الحريري جرياً على عادة اتبعها منذ أشهر. وجاء رد الحريري عنيفاً وحاداً، فلم يقتصر على رفض معركة القلمون وعدم الاستعداد لإعطاء أي نوع من التغطية السياسية لها عبر الحوار والحكومة، وإنما ذهب الى استعمال لغة تحذيرية واتهامية. فقد وجه الحريري لحزب الله الذاهب الى معركة ا
لقلمون اتهاماً مزدوجاً: الأول أنه يخدم الأجندة العسكرية لبشار الأسد ويتورط في حرب لا وظيفة لها سوى حماية الظهير الغربي للأسد في ظل الانهيارات العسكرية لجيشه… والاتهام الثاني أن حزب الله يستدعي مرة أخرى الحرائق السورية الى الداخل اللبناني…
 وأما تحذيرات الحريري فإنها ركزت على ثلاث مسائل:
– الخطر المحدق بسلامة العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة».
– ارتدادات مشاركة حزب الله على القرى الحدودية اللبنانية.
– الموقف الحرج الذي ستواجهه الدولة وقواها العسكرية في حال تعرضت مناطق لبنانية لهجمات عسكرية وقصف مضاد.
المواجهة العلنية بين زعيمي حزب الله والمستقبل كان حدث شيء مشابه ومماثل لها على طاولة الحوار بين وفدي الحزبين في الجلسة الأخيرة قبل أيام التي استهلكها موضوع القلمون والاستعدادات التي يقوم بها حزب الله لشن هجوم. هذا الموضوع فرض نفسه على جدول الأعمال في ضوء الضخ الإعلامي الكثيف عن معركة قريبة جداً وكبيرة جداً… وما أورده الحريري في «تغريداته» على شكل تساؤلات، قاله ممثلو الحريري على طاولة الحوار مسجلين ملاحظات وتحفظات كثيرة تتعلق بدور الجيش اللبناني في هذه المعركة وتداعياتها على الداخل اللبناني، وبمصير العسكريين المخطوفين وردة فعل «داعش» و«النصرة» في حال اندلعت المعركة… كما سأل وفد المستقبل عن توقيت المعركة ومغزاه العسكري والسياسي، وما إذا كان للأمر علاقة بالتطورات الأخيرة على الأرض السورية وخسائر النظام. وسأل أيضا عن تأثير هذه الحرب على الأجواء اللبنانية ومساهمتها في إعادة رفع مسنوب التوتر والاحتقان الطائفي والمذهبي، خصوصاً إذا حصلت هجمات وعمليات تسلل باتجاه الأراضي اللبنانية، أو حدث تبادل قصف مدفعي وصاروخي بين الحزب والمجموعات المسلحة، مع احتمال أن يطاول بلدات بقاعية… ووصل الأمر عند المستقبل الى حد السؤال عن جدوى هذه المعركة وضروراتها اللبنانية بعدما تم ضبط الحدود اللبنانية – السورية وشل قدرة المجموعات الإرهابية على تهديد الأمن والاستقرار في لبنان.
الأوساط السياسية القريبة من حزب الله ترد حملة المستقبل الى أسباب وخلفيات إقليمية، معتبرة أن قيادات المستقبل سادها جو من الوجوم بعد التوصل الى اتفاق إطار في لوزان، ليسودها جو من انتعاش بعد إعلان السعودية «عاصفة الحزم» من جهة، وبعد تعرض النظام السوري لخسائر في شمال البلاد من جهة ثانية كان أبرزها في إدلب وجسر الشغور. وفي رأي هذه المصادر، فإن الحريري  عاد الى الرهان مجدداً على سقوط الرئيس بشار الأسد معطوفاً على رهان آخر يتعلق بقيام توازن استراتيجي جديد في المنطقة… والحريري في ذلك يخلط مجدداً بين ما يتمنى حصوله وبين الواقع الذي يشير الى حصول انتكاسة عسكرية في شمال سوريا ولكنها ليست مقدمة الى تغيير استراتيجي يقلب المشهد رأساً على عقب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق