أبرز الأخباراخبار النجوم

مصر في وداع «نجمة القرن»

بحضور الآلاف من محبي سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وعشاق فنها، وفي جنازة شعبية مهيبة شارك فيها فنانون وسياسيون وشخصيات، ودعت مصر امس الأحد أيقونة السينما المصرية والعربية التي غيبها الموت مساء السبت عن 83 عاماً إثر وعكة صحية مفاجئة، ونعت الجامعة العربية في بيان رحيل «رمز من رموز الفن المصري والعربي الرفيع على مدار عصوره».

أقيمت مراسم تشييع الممثلة الأكثر شهرة في تاريخ السينما المصرية بعد ساعات قليلة من وفاتها في مسجد الحصري في ضاحية 6 أكتوبر (جنوب غرب القاهرة) ثم نقل جثمانها إلى مدافن أسرتها في المنطقة نفسها.
وحضر الجنازة العديد من الفنانين من أبرزهم الممثلان المصريان محمود ياسين وحسين فهمي والممثلة المصرية الهام شاهين.
ومن السياسيين، كان أبرز المشاركين الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي أصدر بياناً نعى فيه إلى «الشعب المصري والشعوب العربية رمزاً من رموز مصر وقوتها الناعمة».
وأضاف «كانت فاتن حمامة سفيرة فوق العادة لمصر، وتراثها وقيمها وللمرأة المصرية، وكانت دائماً تعبر عن أجمل ما فينا، وكانت تنشر الحب والجمال حيثما ذهبت».
ونعى إبرهيم محلب رئيس وزراء مصر الفنانة الراحلة قائلاً «برحيل سيدة الشاشة العربية فقد الفن الراقي أحد أعمدته الأساسية، فقد أثرت الراحلة ذاكرة الفن المصري بل والعربي بأعمالها التي ستظل راسخة في الأذهان».‏
ونعى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربى الفنانة الراحلة قائلاً إنها «سوف تظل رمزاً من رموز الفن المصري والعربي الرفيع على مدار عصوره». وأضاف أنها ساهمت فى تشكيل الوعي العربي والارتقاء به.
وكانت رئاسة الجمهورية في مصر قد نعت مساء السبت الفنانة الراحلة قائلة إن العالم العربي فقد «قامة وقيمة فنية مبدعة طالما أثرت الفن المصري بأعمالها الفنية الراقية،(التي) ستظل بإطلالتها الفنية وعطائها الممتد وأعمالها الإبداعية رمزاً للفن المصري الأصيل وللالتزام بآدابه وأخلاقه».
وتعتبر فاتن حمامة من قبل الكثيرين علامة بارزة في السينما العربية حيث عاصرت عقوداً من تطور السينما في مصر وساهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام لدور المرأة العربية من خلال أعمالها الفنية منذ بدأت مسيرتها في السينما في العام 1940 قدمت خلالها أدوارا بارزة في كثير من الأفلام التي أصبحت من كلاسيكيات السينما العربية.

من هي فاتن حمامة؟
ترك رحيل الممثلة المصرية فاتن حمامة لدى محبيها من جموع الملايين عبر الأجيال شعوراً بغياب جزء من تاريخ الفن أسهم في تشكيل الوجدان العربي بالدرجة نفسها التي تركها رحيل الروائي نجيب محفوظ عام 2006.
وكان محفوظ ملكاً للقارىء العربي وللمشاهد الذي رأى أعماله عبر أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية وكذلك كانت فاتن حمامة التي حملت عن جدارة لقب «سيدة الشاشة العربية»، وكلاهما عاش حياة هادئة أخلص فيها للفن وحده.
والمفارقة أن محفوظ أنتجت له السينما أكثر من 60 عملاً لم يجمعه بفاتن حمامة أي فيلم وهي مفارقة مثيرة للاهتمام حيث تناولت أعمال محفوظ هموم وتحولات الطبقة الوسطى التي كانت إلى حد كبير محور اهتمام الممثلة الراحلة.
ورحلت فاتن من بلدتها في محافظة الدقهلية الشمالية إلى القاهرة ثم تربعت على قمة فن التمثيل مستندة إلى موهبة فطرية طاغية وعابرة للأجيال ومغرية للمخرجين الذين اعتبروها أيقونة تضمن نجاح العمل الفني.
ولدت فاتن أحمد حمامة في السابع من أيار (مايو) 1931 وكان أبوها موظفاً في وزارة المعارف (التعليم) وبدت ميولها للسينما منذ السادسة حين اصطحبها أبوها لمشاهدة فيلم من بطولة الممثلة اللبنانية آسيا داغر. وفي ما بعد قالت إنها تعلقت بالسينما منذ ذلك اليوم إذ شعرت أنها هي المقصودة بالتصفيق الذي نالته بطلة الفيلم.
وفازت فاتن في مسابقة أجمل طفلة في مصر فأرسل أبوها صورة لها إلى المخرج محمد كريم (1896-1972) الذي كان يبحث عن طفلة تشارك محمد عبد الوهاب فيلم (يوم سعيد) عام 1940 وأعجب كريم بموهبتها ووقع مع أبيها عقدا للمشاركة في أفلام تالية.
وفي عام 1944 منحها كريم دوراً أمام عبد الوهاب في فيلم (رصاصة في القلب) وبعد عامين التحقت بالمعهد العالي للتمثيل ولكنها لم تكمل الدراسة بسبب توالي العروض وانشغالها بالعمل حيث جذبت انتباه الفنان يوسف وهبي الذي اختارها للقيام بدور ابنته في فيلم (ملاك الرحمة) عام 1946 وكانت أصبحت فتاة أحلام رأى فيها المخرجون أنها مناسبة للقيام بأدوار الميلودراما.
وفي وقت قصير صارت الفتاة التي لم تتجاوز العشرين نجمة محبوبة بفضل حسن اختيارها للأدوار فضلاً عن ظهور مخرجين جدد اختاروها لبطولة أعمالهم الأولى ومنهم يوسف شاهين في فيلمه الأول (بابا أمين) 1950 والثاني (ابن النيل) 1951 وكمال الشيخ في فيلمه الأول (المنزل رقم 13) 1952.
وأجادت فاتن حمامة في الأداء رغم ميل كثيرين من المخرجين إلى حصرها في قالب الفتاة المظلومة أو السيدة الجادة التي تواجه الاضطهاد بالصبر. وحين جربت أن تقوم بدور مختلف في فيلم (لا أنام) الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1957 فشل الفيلم تجارياً.
وقامت حمامة في هذا الفيلم بدور فتاة شريرة مصابة بعقدة تجاه والدها فلا تحتمل فكرة أن تستمر معه زوجة حيث كانت تسارع إلى تدبير المكائد لزوجات أبيها. واحتشد الفيلم بأكبر عدد من النجوم الذين لم يتح لفيلم آخر أن يجمع بينهم في تاريخ السينما المصرية ومنهم عمر الشريف ويحيى شاهين ورشدي أباظة وعماد حمدي وهند رستم ومريم فخر الدين.
وأرجع النقاد فشل فيلم (لا أنام) إلى دهشة المشاهدين أو صدمتهم في نجمتهم المفضلة التي عودتهم على نمط محدد لا يخلو من براءة ويبدو حتى من عناوين أفلامها السابقة ومنها (ملاك الرحمة) و(نور من السماء) و(اليتيمتان) و(أنا بنت ناس) و(ست البيت) و(ارحم دموعي) و(أشكي لمين) و(ظلموني الناس) و(حب ودموع).
وتزوجت فاتن حمامة عام 1948 من المخرج المصري عز الدين ذو الفقار (1919-1963) في نهاية تصوير فيلمه (خلود) الذي قام ببطولته أمامها. وبعد طلاقهما وزواجها من الممثل المصري عمر الشريف أخرج لها ذو الفقار أفلاماً منها (موعد مع السعادة) وشاركتها في بطولته ابنتهما نادية عز الدين ذو الفقار و(طريق الأمل) و(بين الأطلال) و(نهر الحب) وقام عمر الشريف ببطولة الفيلم الأخير.
والتقت فاتن والشريف – الذي كان اسمه ميشيل شلهوب – للمرة الأولى عام 1954 في فيلم (صراع في الوادي) لشاهين. وتزوجا عام 1955 بعد قصة حب توجت بقبلة شهيرة في المشهد الأخير من فيلم (صراع في الميناء) الذي أخرجه شاهين 1955. وللشريف وفاتن ابن واحد هو طارق عمر الشريف.
وارتبطت فاتن بأعمال أدبية لأدباء بارزين منهم ليو تولستوي مؤلف (آنا كارنينا) التي أصبحت فيلماً عنوانه (نهر الحب) وعميد الأدب العربي طه حسين في فيلم (دعاء الكروان) وإحسان عبد القدوس في أكثر من عمل ويوسف إدريس في فيلم (الحرام) الذي أخرجه بركات عام 1965.
وفي العام التالي غادرت مصر بحجة تعرضها لضغوط سياسية «ومضايقات أمنية» كما صرحت في ما بعد وعاشت بين بيروت ولندن وبلغها آنذاك أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر طلب من بعض الكتاب والسينمائيين إقناعها بالعودة إلى مصر باعتبارها «ثروة قومية» حيث كان يؤمن بموهبتها ومنحها وساماً في بداية الستينيات.
ولكن فاتن لم تعد إلا عام 1971 حيث قامت في ذلك العام ببطولة فيلم (الخيط الرفيع) لبركات ولكنها كانت قد غادرت مرحلة الشباب وأدوار الفتاة المظلومة فأدركت أن أدواراً أخرى تنتظرها وهي الأم التي تتحمل مسؤولية أسرة في فيلم (إمبراطورية ميم) 1972.
وعملت فاتن مع معظم مخرجي السينما ابتداء من محمد كريم في (يوم سعيد) وانتهاء بخيري بشارة في (يوم مر.. يوم حلو) عام 1988 وداود عبد السيد في آخر أفلامها (أرض الأحلام) عام 1993.
كما وقفت أمام معظم نجوم التمثيل والغناء في مصر ابتداء من يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وانتهاء بمحمود ياسين ومحمد منير ويحيى الفخراني.
وفي استفتاء حول أفضل مئة فيلم مصري اجري بمناسبة مئوية السينما عام 1996، جاءت فاتن حمامة في المرتبة الأولى حيث تضمنت القائمة أكبر عدد من الأفلام التي شاركت في بطولتها متقدمة على غيرها من الممثلات المصريات في القرن العشرين.
ومن بين أفلامها في تلك القائمة: ابن النيل، المنزل رقم 13، صراع في الوادي، دعاء الكروان، الحرام، إمبراطورية ميم، أريد حلاً.
وقدم فيلم (أريد حلاً) نقداً لاذعاً لقوانين الزواج والطلاق في مصر وبعد الفيلم قامت الحكومة المصرية بإلغاء القانون الذي يمنع النساء من تطليق أزواجهن وبالتالي سمحت بالخلع.
وقامت حمامة ببطولة عدد محدود من المسلسلات التلفزيونية ومنها : حكاية وراء كل باب، ضمير أبلة حكمت، وجه القمر.
نالت فاتن حمامة جوائز في مهرجانات عربية وأجنبية منها جائزة من مهرجان طهران عام 1977 عن فيلم (أفواه وأرانب) وجائزة أحسن ممثلة من مهرجان قرطاج عن فيلم (يوم مر.. يوم حلو) عام 1988 كما كرمت عن مشوارها الفني في مهرجانات عربية ومنها المهرجان الدولي الأول لفيلم المرأة بالمغرب عام 2004.
ومنحت الجامعة الأميركية في بيروت‏ فاتن حمامة عام 2013 شهادة الدكتوراه الفخرية. أما آخر تكريم لها فكان في عيد الفن المصري في 14 اذار (مارس) 2014 حيث كرمها الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور.
كما منحت جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد المصريين عام 2000، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.
وكانت فاتن حمامة تعزف عن الظهور ونادراً ما تجري مقابلات تلفزيونية وكان آخر ظهور لها في ايار (مايو) 2014 ضمن وفد لإعلاميين وفنانين مصريين ذهبوا للقاء المشير عبد الفتاح السيسي في أحد لقاءاته ضمن حملته الانتخابية حين كان مرشحا للرئاسة. وقطع السيسي حديثه وذهب لمصافحتها وسط تصفيق الحاضرين.

رويترز – أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق