افتتاحية

سقطت الذرائع… فلماذا لا تجرى الانتخابات النيابية؟

هل تجرى، لن تجرى، سيطرأ ما يمنع اجراءها، بلى ستجرى الا اذا وقع حادث امني كبير. هكذا كانت الشائعات تسري كالنار في الهشيم، على مدى الشهرين اللذين سبقا موعد اجراء الانتخابات البلدية، التي كذبت كل الشائعات وسلكت طريقها الديمقراطي الصحيح.
نصف الاستحقاق البلدي انقضى وتم بجو من الامن والطمأنينة والديمقراطية اللهم باستثناء بعض التجاوزات والرشاوى التي بقيت ضمن اطارها المألوف والعادي كما في كل انتخابات، واثبتت القوى الامنية وعلى رأسها الجيش اللبناني انها ممسكة بالوضع من جميع جوانبه، وانها قادرة على مواجهة كل المطبات والعراقيل التي يمكن ان تظهر في طريقها، واثبتت بما لا يقبل الشك عدم صحة الحجج والذرائع التي وصفها النواب وشاركت فيها الحكومة تحت ضغوط معينة، للتمديد للمجلس النيابي اولاً، وثانياً والنواب يتربعون على مقاعدهم بصورة مخالفة للقوانين والدستور، ولم يعودوا يمثلون الشعب لان بقاءهم لا يتم بموافقة الناخبين. فالمدة انتهت وكان عليهم ان يغادروا الى منازلهم منذ اكثر من ثلاث سنوات والعودة الى الشعب لاختيار ممثليه، فان اعاد انتخابهم يصبحون شرعيين والا عليهم الرحيل.
والانتخابات البلدية في بيروت كشفت عن قرف الناس من السياسيين ومن فسادهم الذي عبقت به الاجواء، فلزموا منازلهم في الجولة الاولى ولم تستطع كل المغريات حثهم على التوجه الى صناديق الاقتراع. لذلك جاءت نسبة الاقتراع بهذه الضآلة وخصوصاً في العاصمة بيروت، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 20 بالمئة اي خمس الناخبين، رغم ان الناس متعطشون لممارسة حقوقهم الديمقراطية، التي حرمهم منها السياسيون على مدى سنوات طويلة، فسدوا باب الانتخابات بتمديدهم لانفسهم مرتين متتاليتين دون اي مسوغ قانوني او دستوري، سوى ادعائهم بان الاوضاع الامنية في البلاد لا تسمح بتنفيذ الاستحقاق الكبير الذي يتيح للمواطنين قول كلمتهم والمشاركة في القرار. وها هي الانتخابات البلدية تكذب كل هذه الادعاءات وتفضح زيفها. اما عمليات التشطيب والانتقال من معسكر السياسيين الى المستقلين فتدل بوضوح على ان هذه الطبقة السياسية لم تعد مقبولة عند الشعب الذي لم يعد يتقيد بما يقرره الكبار عنه. فبدأ يرفضها بشكل واضح. واذا كانوا يريدون حلاً معيناً للبلاد عليهم اختيار التجديد، والاتيان بشباب نظيفي الكف يتمتعون بثقافة عالية وليس لهم اي ارتباط لا من قريب ولا من بعيد بهذا الطقم السياسي العفن.
ففي العاصمة بيروت كان من الممكن ان تفوز لائحة بيروت مدينتي لولا خوف الكثيرين من الا تكون مستقلة، وان تكون هناك جهات معينة تقف وراءها وتدعمها حتى اذا وصلت استغلتها وعملت من وراء الكواليس، واستخدمتها لمصلحتها الخاصة. وما يقود الى هذا الاعتقاد، الحركات المدنية التي انطلقت العام الماضي وسار وراءها عدد كبير من اللبنانيين المتعطشين الى التغيير، وسرعان ما خفت بريقها بعدما تبين ان هذه التحركات غير مستقلة، وان هناك قوى خفية تقف وراءها وتساندها وتحاول استخدامها، فانكفأ المؤيدون وعادوا يجرون وراءهم اذيال الخيبة، بعدما كانوا علقوا الامال العريضة عليها.
ولكن وعلى الرغم من فوز لائحة البيارتة المدعومة من الاحزاب، الا ان النتائج زعزعت زعامات كبيرة، اولاً بسبب عدم ثقة الناخبين بتوجيهاتها، وثانياً لان نسبة النجاح كانت متدنية جداً، ونسبة المشاركة في الاقتراع مخيبة للامال. فلو توفر للناس قيادات لا يرقى الشك الى تصرفاتها ونظافتها، وتعمل لمصلحة البلاد العليا دون اي مصلحة اخرى، لانقلبت الموازين رأساً على عقب، ولسقطت زعامات كثيرة لها اليد الطولى في هذا الفساد المستشري في البلاد. لذلك لا يستطيع زعيم واحد من الذين فازت لوائحهم ان يتباهى بالنصر، لانه نصر مشوب بالمرارة والخيبة، وهذا ما يمهد الطريق عاجلاً ام آجلاً امام ظهور زعامات نظيفة الكف ومتجردة من المصالح الخاصة، ولو ان اعضاء بيروت مدينتي وضعوا الاصبع على الجرح ودلوا على الاخطاء والفساد ولكن الشعب بقي حذراً متخوفاً من ان يلدغ من الجحر مرتين.
كذلك كشفت الانتخابات البلدية في بيروت ان الناس بدأوا نوعاً ما يفيقون من سباتهم العميق، فلم يعودوا يسيرون وراء هذا الزعيم او ذاك كقطيع الغنم ولذلك لم يتقيدوا بتوجيهات زعمائهم.
اما الان وقد قطعت الانتخابات البلدية شوطاً واصبحت في منتصف الطريق، لم يعد لا للحكومة ولا للمجلس الدستوري ولا للنواب حجة لعدم اجراء الانتخابات النيابية. فقد اثبتت الدولة وبكثير من الوضوح انها قادرة على اجراء الانتخابات بدون اي عقبات، فلماذا لا يتحرك المعنيون؟
المجلس الدستوري اعلن في قرار رفض الطعن الذي تقدم به بعض النواب، ان على الحكومة وفور انتهاء الظروف الاستثنائية، ان تسارع الى اجراء الانتخابات النيابية، وهو اصلاً لم تكن هناك ظروف استثنائية، بل ذريعة اتخذها المجلس الدستوري مرغماً لرفض الطعن، فماذا ينتظر اليوم ان يتحرك ويوصي باجراء الانتخابات النيابية فوراً؟ وماذا تنتظر الحكومة، وما هي حجتها للامتناع عن الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية؟
لقد بات واضحاً ان هذا المجلس متقاعس غير منتج، مضت سنتان ونيف على الفراغ الرئاسي وهو عاجز، يقف متفرجاً على البلاد تنهار والمؤسسات تتعطل وكل ما في الدولة مشلول، فليرحل هؤلاء النواب غير مأسوف عليهم، ولينتخب الشعب نواباً جدداً شرط ان يتحلى هذا الشعب بالحكمة والتعقل فلا يبقى منقاداً وراء الزعماء ولتكن له حرية الرأي والاختيار وعندها فقط يصبح بامكاننا ان نأمل بالتغيير.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق