الأسبوع الثقافيثقافة

بعد الرحيل… حلم أم الرواية اللبنانية يتحقق في (بيت طيور أيلول)

بعد ستة أشهر من رحيل الأديبة اللبنانية إميلي نصرالله أطلت روحها في قرية الكفير بجنوب لبنان لتحقق حلماً طالما راود المبدعة الراحلة بتحويل منزل طفولتها إلى مزار ثقافي وملتقى للكتاب والأدباء.
وجاء افتتاح (بيت طيور أيلول) المبني من التراب والطين على الطراز اللبناني منذ حوالى مئة سنة ليخلد ذكرى «أم الرواية اللبنانية» كما يصفها النقاد.
البيت المحاط بالطبيعة الخلابة تربت فيه نصر الله في كنف جدتها روجينا التي تهديها كتابها (المكان) الصادر عن دار قنبز والذي تزامن صدوره مع افتتاح البيت.
في هذا البيت الواقع قبالة جبل الشيخ الشامخ الذي كان حاضراً في أدب نصر الله واستوحت منه كثيراً من صلابتها وتعلقها بالأرض والكتابة عن الوطن والانتماء والهجرة، درست الطفلة الصغيرة المنحدرة من عائلة اختارت الهجرة طريقاً للخلاص ومن ثم أصبحت فكرة أدبية عالجتها إميلي في رواياتها وقصصها ونقلتها الى العالم.
وعندما يصل الزائر الى البيت بعد طريق طويل يدوم حوالي ساعتين ونصف الساعة من بيروت، يشعر كأنه يعرف البيت جيداً خصوصاً إذا قرأ روايات إميلي، يشعر أن في كل زوايا غرفه الضيقة التي تزدان اليوم بصور إميلي منذ طفولتها حتى مماتها، حكايات عن الأرض والحب والبساطة ولبنان والزرع والزيت والزيتون.
وفي البيت يزودك العاملون بخريطة لأبرز محطات إميلي في القرية، وهي المدّ (أرضية تحت البيت تستخدم مخزناً للمونة او زريبة للحيوانات)، النافذة، المصطبة، الكنيسة، مدرسة البنات التي درست فيها، دزينة الستة (سطح الكنيسة حيث كانت تدق الجرس دزينة أي 12 مرة من أجل صلاة العصر، وهي مهمة توكل للرجال عادة)، الخشخاش (المقابر).
هناك أيضاً «صخرة القرقار» العالية الاكثر قرباً من جبل الشيخ حيث كانت تجلس إميلي وتتأمل الطبيعة الخلابة التي لا يمكن لأحد أن يسكن فيها من دون التأثر بها لناحية الإبداع أو التنسك.
أما المحطة الأخيرة فهي ساحة السوق. وفي كل محطة وضع تعريف بالمكان ونص كتبته إميلي بنفسها مأخوذ من مذكراتها في كتاب (المكان).
هذا البيت الحميم الصغير «أرادت إميلي قبل وفاتها أن يُرمّم ويفتتح للعامة كملتقى ثقافي مخصص للإقامات الفنية والأدبية ولمن يريدون البحث والعمل والكتابة حول ثيمة (موضوع) الهجرة التي شغلت إميلي» مثلما قالت ابنتها المعمارية والأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت لرويترز.
إذن هذا الصرح الثقافي هو مبادرة من نصرالله قبل رحيلها، أي مبادرة خاصة، اشترته بنفسها قبل وفاتها، وتولت ابنتها مهى ترميمه وحافظت على روح البساطة والحياة القروية فيه، من دون أن تمس أو تشوه أي عنصر معماري أو جمالي فيه.
اختار أولادها وعلى رأسهم مهى التي اهتمت بترميم البيت بعدما اشترته إميلي بنفسها قبل وفاتها ودار قنبز التي تولت أيضا فكرة تنفيذ وإخراج كتابها الاخير (المكان) أن يُحتفى بإميلي وكتابها وبيتها في أيلول (سبتمبر) نظراً لرمزية هذا الشهر في حياة الكاتبة وأدبها. فأهم كتبها هو (طيور أيلول) الذي يعالج قضايا الهجرة، وفي أيلول يعود المهاجرون إلى بلدانهم بعد الاصطياف في لبنان.
وتتولى إدارة (بيت طيور أيلول) جمعية تحمل الاسم ذاته وسيضم لاحقاً مكتبة عامة مفتوحة طوال السنة.
وقالت أمال أبو عسلي وهي صديقة إميلي نصر الله منذ الطفولة خلال الافتتاح «إميلي كانت امرأة محبة وكريمة ورزينة مجبولة بهذه الارض، نحن نفتخر بها ونتباهى بأن قريتنا خرجت أديبة عالمية».
وأضافت «خطوة تحويل البيت الذي تربت فيه في كنف بيت جدها لأمها، هو مهم لذكراها ولنا كأهالي المنطقة. سيصبح معلماً سياحياً وثقافياً يحرك المنطقة ويجذب السياح والمثقفين لزيارتها».
وسبق افتتاح البيت إطلاق كتاب (المكان) في الجامعة الأميركية مع الإعلان عن صدور طابع بريدي يحمل صورة إميلي نصر الله بريشة الفنان جان مشعلاني.
ومن مخطوطة أصلية نثرت على صفحاتها إميلي نصرالله ما اختزنته ذاكرتها من عوالم الطفولة في قريتها الكفير تشكل كتاب (المكان) وضمت الكاتبة بين دفتيه وللمرة الأولى سيرتها الذاتية، فكانت هي، بقلمها الشفاف، تروي سِير أفراد عائلتها وتشق خطوط هجراتهم.
وقالت الناشرة نادين توما لرويترز «هذا العمل كان هدية بالنسبة الى دارنا عندما طلبت منا مهى ابنة إميلي أن ننفذه ونتولى رؤيته. وقد استمر العمل عليه ثلاثة أشهر بشكل مكثف، قبيل رحيل الكاتبة لأنها كانت تريد أن يطبع وتراه قبل الرحيل، وهكذا حصل».
توفيت إميلي نصرالله في 13 آذار (مارس) الماضي عن عمر ناهز 87 عاماً.

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق