عون: عازم بالتعاون مع الحريري على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة حكومة جامعة دون تهميش اي مكون
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن الجيش يظل المرجعية الأكثر ثباتاً عند الأزمات»، متعهداً بأن «يكون دوماً إلى جانبه وجانب قيادته في سعيها إلى تحصينه، وتطوير قدراته القتالية، وتسليحه بأحدث العتاد والمعدات والتجهيزات».
ووجه الرئيس عون في كلمة ألقاها في خلال ترؤسه حفل تخريج ضباط دورة «فجر الجرود» في الكلية الحربية تزامناً مع عيد الجيش الثالث والسبعين، تحية إلى شهداء عملية «فجر الجرود»، معتبراً أن «العملية العسكرية النوعية التي قام بها الجيش للقضاء على الإرهابيين، والتي أجمع العالم بأسره على حرفيتها ودقتها، أكدت على أهلية مؤسستنا العسكرية واكتسابها ثقة دولية».
وفي ما يلي النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية:
«أيها الضباط المتخرجون،
مع رفع يمينكم وتلاوة قسمكم، تبدأ مرحلة جديدة في حياتكم، الأولوية فيها دوما للوطن، ستبذلون خلالها الكثير من العرق وربما الدماء، وستقدمون الكثير من التعب والتضحيات؛ فهذه رسالتكم، وهذا قدر الأبطال.
لقد اخترتم أن تحمل دورتكم اسم «فجر الجرود»، وفي رمزية هذا الاسم عبر ومسيرة حياة. فتلك الجرود التي خيم عليها ليل الإرهاب طويلاً وسالت على أرضها دماء وسقط شهداء وعانى مخطوفون حتى الشهادة، وبكى أهل وأحبة، قد بزغ فجرها في النهاية بسواعد أبطال، وقرار قيادة، وبسالة تضحيات حررت الأرض وطهرتها من الإرهاب فصانت كل الوطن.
وقد أكدت العملية العسكرية النوعية التي قام بها الجيش للقضاء على الإرهابيين، والتي أجمع العالم بأسره على حرفيتها ودقتها، على أهلية مؤسستنا العسكرية واكتسابها ثقة دولية، وإيمان أبنائها بدورهم الجوهري في الدفاع عن وطنهم، وبأنهم في النهاية خشبة الخلاص له وسط العواصف والاضطرابات.
فتحية من على هذا المنبر، إلى شهداء «فجر الجرود» وهم ساكنون دوماً في بالنا ووجدان الوطن، ولا سيما العسكريين الذين تمت استعادة جثامينهم بعد اختطافهم على أيدي أبناء الظلام، ليحتضنها تراب الوطن أيقونة للبطولة والحرية.
أيها العسكريون،
تؤكد الأحداث والأيام والحقبات، أن الجيش يظل المرجعية الأكثر ثباتاً عند الأزمات. ففي أوقات الحرب، يحفظ الحدود، ويصون الأرض والكرامة والسيادة، ويرمم التصدع في جدار الوحدة والعيش المشترك. وفي السلم، له الفضل في حفظ الأمن ومكتسبات الاستقرار، وتطلعات اللبنانيين.
وعهدي للجيش أن أكون دوماً إلى جانبه وجانب قيادته في سعيها إلى تحصينه، وتطوير قدراته القتالية، وتسليحه بأحدث العتاد والمعدات والتجهيزات، ليكون على الدوام على قدر المهمات التي يقوم بها والتي تنتظره في المستقبل، بالتوازي مع ورشة العمل والمهمات التي تنتظر الحكومة العتيدة، في معركة بناء الوطن.
فلا يمكن الانتصار في هذه المعركة إن لم تلتق كل الارادات على هدف واحد، تبذل لأجله التضحيات. فلا انتصار في معركة ضاع فيها الهدف وبدأ ضرب النار داخل الخندق. وهدفنا اليوم وفي المرحلة المقبلة، هو النهوض بالوطن والاقتصاد، وقطع دابر الفساد، وقيام الدولة القوية والقادرة، وإغلاق ملف النازحين بعودتهم الآمنة إلى بلادهم، لا سيما وأن مطالبنا المتكررة في هذا المجال، قد لاقت صداها الايجابي أخيراً في دول القرار، التي نشهد تحولاً أساسياً في مواقفها لتصبح متناغمة مع التوجه اللبناني ودعوتنا إلى إعادة النازحين إلى أرضهم.
ولا بد في هذا المجال من التعبير عن امتنان لبنان للمبادرات التي تهدف إلى اعتماد اجراءات عملية تؤمن عودة آمنة للنازحين. وعلينا ملاقاتها بجهوزية تامة بما يحقق الهدف المنشود منها.
كل هذه الأهداف المذكورة يمكن تحقيقها إذا صدقت النوايا وتضافرت الإرادات وانخرط كل مواطن في ورشة الإصلاح والتنمية، وبات خفيراً وحسيباً لأداء من أوكلهم شؤون حياته، وحلم العبور بلبنان إلى ضفة الحداثة والتطور.
أيها الضباط المتخرجون، أيها اللبنانيون،
تحقق في الفترة الأخيرة إنجاز انتظرناه لسنوات، وهو إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون عصري توافق عليه اللبنانيون، وفي أجواء ديمقراطية وسلمية مشهود لها. وأفضت هذه الانتخابات إلى التعبير عن صوت الشعب الذي اختار ممثليه، فعكست نتيجة اقتراعه إرادته الحرة، وعليه الآن أن يراقب أداء من أوصلهم إلى قبة المجلس النيابي، ليطابق أفعالهم على وعودهم وبرامجهم.
وصوت اللبنانيين الذي تمثل في مجلس النواب، يجب أن ينعكس أيضاً على تشكيل الحكومة العتيدة. وكلنا تصميم في هذا الإطار ألا تكون فيها الغلبة لفريق على آخر، وألا تحقق مصلحة طرف واحد يستأثر بالقرار أو يعطل مسيرة الدولة. فعزمنا واضح، وهو أن تكون هذه الحكومة جامعة للمكونات اللبنانية، دون تهميش أي مكون، أو إلغاء دوره، ودون احتكار تمثيل أي طائفة من الطوائف.
وإذا كان بعض المطالب قد أخر حتى الآن تشكيل الحكومة، في مرحلة دقيقة ومليئة بالتحديات بالنسبة إلى لبنان، فأود هنا أن أجدد تأكيد عزمي، بالتعاون مع دولة الرئيس المكلف، على إخراج البلاد من أزمة تأخير ولادة الحكومة، مراهناً على تعاون جميع الأطراف وحسهم الوطني، لأن أي انكفاء في هذه المرحلة من تاريخنا المحاطة بالأعاصير وصفقات القرن، هو خيانة للوطن وآمال الناس الذين عبروا في صناديق الاقتراع عن خياراتهم وتطلعاتهم. وأنا ملزم بحكم مسؤولياتي كرئيس للجمهورية، على احترامها وعدم السماح بالتنكر لها.
أيها الضباط المتخرجون،
تذكروا أن لباسكم العسكري هو قوة اطمئنان لشعبكم واهلكم، ومصدر الثقة والأمان لكل اللبنانيين، إن ضاع دوره ضاع الوطن. فحافظوا على قدسية بزتكم ولا تسمحوا أن يشوهها أي إغراء. ولتكن حياتكم العسكرية تجسيداً عملياً للقسم الذي تتعهدون به اليوم، القيام بالواجب كاملا طوال ما أعطى الله من حياة، دفاعاً عن الوطن ارضاً وشعباً.
أيها العسكريون،
ما زال دوركم كاملاً في حماية جنوبنا من أطماع إسرائيل، بالتعاون الكامل والمنسق مع القوات الدولية. وقد ساهمتم في الحفاظ على التزامات لبنان، ولا سيما في تطبيق القرار الدولي 1701، فيما اسرائيل لا تزال تنتهك هذا القرار، وتحتل قسماً من أراضينا. لكن، كل محاولاتها لن تحول دون عزمنا على المضي في الاستفادة من ثروتنا النفطية، وقد بتنا على مشارف مرحلة التنقيب، التي ستدخل لبنان في المستقبل القريب إلى مصاف الدول النفطية.
أيها الضباط المتخرجون،
كونوا القدوة بأخلاقكم وسلوككم والتزامكم وانضباطكم، فبالانضباط والمناقبية تصان المؤسسات، تماماً كما يصون الالتزام بالقوانين المجتمعات.
وإلى أهلكم اقول: يحق لكم اليوم أن تفخروا وأنتم ترون أبناءكم يتسلمون الأمانة، أمانة الحفاظ على الأرض والذود عن الوطن مهما غلت التضحيات.
أشارككم الفخر والعنفوان، واشاركم أيضاً الآمال المعقودة على أبطال جيشنا كما على كل شبابنا، فهؤلاء هم لبنان الاتي، وبهمتهم سيبزغ فجر الوطن. عشتم، عاش الجيش، وعاش لبنان».