رئيسيسياسة عربية

نازحون من الغوطة الشرقية قرب دمشق يتخذون من منازل عفرين الخالية ملجأ لهم

بعد تهجيرها من الغوطة الشرقية، وضعت أميمة الشيخ نصب عينيها البحث عن الأمن والهدوء، فانتقلت وعائلتها الصغيرة الى مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية على بعد مئات الكيلومترات شمالاً لتقيم في منزل نزح مالكوه بفعل المعارك.
وفرّ معظم أهالي مدينة عفرين من بيوتهم قبل دخول القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في آذار (مارس) الماضي، من دون أن يتمكنوا بغالبيتهم من العودة حتى الآن.
وتقول أميمة (25 عاماً)، شابة منقبة وأم لطفلين، «لا أحد يحب أن يسكن في منزل ليس ملكه، ويستخدم أغراضاً ليست ملكه. نحب أن نكون في بيوتنا، لكن الظروف أجبرتنا على أن نعيش في منزل ليس ملكنا».
قبل أسابيع، خرجت أميمة مع زوجها فراس (28 عاماً) وعائلتهما من الغوطة الشرقية بموجب اتفاق إجلاء للفصائل المعارضة والمدنيين الراغبين اثر حملة عسكرية واسعة لقوات النظام، وقصف عنيف اعتاد عليه سكان هذه المنطقة لسنوات.
انتقلت العائلة أولاً إلى محافظة ادلب (شمال غرب). وخشية من عملية عسكرية، سارعت للبحث عن مكان أكثر أمناً. وتروي أميمة «لم نعد قادرين على التحمل. ما رأيناه في الغوطة صعب للغاية، قررنا أن نريح أولادنا من القصف والعذاب».
تسكن هذه العائلة حالياً في حي الأشرفية في مدينة عفرين حيث لا تزال الأبنية المدمرة شاهدة على القصف العنيف خلال الهجوم التركي. وبدلاً من المقاتلين الأكراد الذين سيطروا على المدينة بعد اندلاع النزاع، تنتشر في عفرين حالياً قوات تركية وفصائل سورية موالية لها.
واتخذ حوالي 35 ألف شخص من الغوطة الشرقية من مدينة عفرين ومحيطها ومخيمات فيها مسكناً لهم، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أفاد أيضاً عن انشاء مقرات عسكرية في المنطقة لفصائل تم اجلاؤها من الغوطة.
ويتهم مسؤولون أكراد أنقرة بفرض «تغيير ديموغرافي» في شمال سوريا عبر إخراج المواطنين الأكراد من عفرين والسماح لآخرين عرب بالسكن مكانهم. ولم تسمح القوات التركية حتى الآن بعودة سكان عفرين إليها، بينما نجح عدد قليل منهم بذلك.

«يجب أن نتحمل»
وتقول أميمة «قد يسكن آخرون في المنازل التي تركناها»، مضيفة «هذه الظروف فرضت على أهل سوريا كلهم وليس علينا فقط، يجب أن نتحمل».
بعد خروجه من الغوطة، وجد أحمد البوري (19 عاماً) نفسه في مدينة غريبة، عليه أن يبدأ فيها حياته من جديد. تقدم بطلب للانضمام إلى الشرطة المحلية التابعة للفصائل العاملة فيها ليكسب رزقه.
ويقول الشاب ذو البشرة السمراء «ساعدتنا فصائل للسكن في عفرين.. جئت لأنها مناطق تركية محمية (…) تعبنا جداً من قصف النظام ونريد أن نرتاح قليلاً».
طوال سنوات الحرب وبعكس الغوطة الشرقية، بقيت عفرين بمنأى عن المعارك والقصف وكانت أولى المناطق التي فرض فيها الأكراد إدارتهم الذاتية. لكن المشهد تغير العام الحالي مع تمكن تركيا من طرد المقاتلين الأكراد منها، وهي التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً على حدودها.
يسكن فراس مع عائلته في حي المحمودية وسط سكان محليين من عفرين. ويوضح باستغراب «هم أكراد صحيح لكنهم يتكلمون العربية ونفهم على بعضنا».
وفي حال عاد أصحاب المنزل، يقول «لا نعرف ماذا يجب أن نفعل، علينا أن نخرج من البيت، لا خيار آخر امامنا، قد نبحث عن منزل آخر أو نذهب الى المخيمات».
وحذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ناقوس الخطر من تلك الظاهرة مشيراً إلى أنه «في وقت يدفع البعض ثمن الإيجار، تتواصل التقارير عن نازحين يعيشون في منازل خالية من دون الحصول على إذن صاحبها».
ويعيش أيضاً وفق الأمم المتحدة عشرة آلاف شخص في مخيمات المنطقة.
يبحث مهدي حيمور وطفله الصغير عما يمكن إنقاذه من تحت ركام منزل دمر القصف أجزاء منه، يعثران على وسادتين كساهما التراب ثم يتجهان إلى الداخل.
ويقول حيمور «أجبرتنا الظروف على الخروج من الغوطة، أتينا إلى عفرين مجبرين لنسكن في بيوت مدمرة أو غاب أصحابها».

«أنا صاحب الأرض»
ويخشى سكان لم يتركوا منازلهم في عفرين عدم عودة أقربائهم وجيرانهم ويتساءلون عن مصير المدينة، وإن كانوا يبدون تعاطفاً مع سكان الغوطة الذين عانوا مثلهم جراء الحرب.
ويقول محمود حسن، فلاح في الـ 58 من العمر، «هناك عائلات غريبة سكنت في حارتنا. أهل الغوطة جيدون، ونتفاهم معهم (…) لكن إذا سكنت في منزل ثم أتى صاحبه فعليك أن تغادره».
ويشرح «سكن أشخاص غريبون في بيت ابن خالي، ولا يخرجون منه. نصحته أن يشتكي عليهم».
وفرّ أكثر من 137 ألف شخص من عفرين، وانتقلوا إلى مناطق قريبة تحت سيطرة قوات النظام أو أبعد من ذلك نحو مناطق سيطرة الأكراد في شرق سوريا. وبقي من أهل منطقة عفرين 135 الفاً في منازلهم وفق الأمم المتحدة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن «حرية التنقل لا تزال محدودة بالنسبة الى النازحين من منطقة عفرين» ما يمنعهم من العودة إلى منازلهم.
لا يخفي عثمان خليل (57 عاماً) قلقه من الوضع الحالي في مدينة بدأت مطاعم دمشقية تفتح أبوابها فيها على غرار مطعم «ست الشام» للشاورما المعروف في العاصمة ومحيطها.
ويقول الرجل ذو الشارب الكثيف «أتت عائلات من الغوطة إلى حارتنا، نتكلم معهم. هم دخلوا المدينة بينما أبناؤها لا يُسمح لهم بالعودة».
ويتابع معلم الألمينيوم «بقيت في عفرين خلال الاشتباكات، حتى اللحظة لا أريد الخروج منها، أنا ابن البلد وصاحب الأرض».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق