فلسطين: لماذا رفضت «الجهاد» دعوة «حماس» لمشاركتها الحكم؟

اي دور سيسند الى «حركة الجهاد الاسلامي» في فلسطين في الفترة المقبلة، واي موقع يمكن ان يشغله هذا التنظيم على ساحة متحولة؟ هذا السؤال يطرح بالحاح بين الفينة والاخرى، وبالتحديد مع اي تحول او تطور على الساحة الفلسطينية، ولا سيما ما يتصل منه بالحركة الاسلامية الاخرى الاكثر حضوراً وقوة على هذه الساحة وهي «حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين» المعروفة بحركة «حماس».
بناء على هذه الوقائع والتجارب طرح اسم «حركة الجهاد الاسلامي» بقوة اخيراً في ثلاث محطات اساسية:
الاولى: ان الحركة نظمت مسيرة حاشدة خلال الاسبوع الماضي في خان يونس في قطاع غزة، تضامناً مع المسجد الاقصى في مواجهة انتهاكات الاسرائيليين حوله بشكل متكرر في الاونة الاخيرة.
ليست المرة الاولى التي تنظم فيه هذه الحركة تظاهرة تحت عنوان الدفاع عن احدى المقدسات الاسلامية البارزة في فلسطين المحتلة، ولكن اللافت الحجم الكبير للمشاركين في هذه التظاهرة، اذ ضمت الالاف، فبدا ذلك في نظر راصدي الشأن الفلسطيني وكأنه بمثابة «تحد ضمني» لحركة «حماس» التي تحكم بيد من حديد غزة وقطاعها منذ اعوام عدة، وخصوصاً ان «حماس» تعمل في الاونة الاخيرة على «خيط» تحركات القوى والفصائل في قطاع غزة، وتبدو ايضاً مع جملة الانتهاكات المتكررة للمسجد الاقصى من جانب المستوطنين والمتطرفين الصهاينة في موقع اللامبالي او اللامتحمس والمنصرف الى قضايا وملفات اخرى.
وهذا الامر ليس جديداً، فالمعلوم ان «حماس» ومنذ سقوط حكم الاخوان المسلمين في القاهرة في نهاية آب (اغسطس) الماضي، وهي تعيش في حالة ارتباك و«حصار» ولا سيما بعدما فتح النظام المصري الحالي ابواب المواجهات معها، باعتبارها حليفة «الاخوان المسلمين» في السياسة من جهة، وشريكة القوى والمجموعات المتطرفة التي دخلت في حرب استنزاف حقيقية مع الجيش المصري في صحراء سيناء من جهة اخرى، ولذلك صارت هدفاً دائماً للاعلام المصري.
رفض دعوة حماس
الثانية: ان «حركة الجهاد الاسلامي» اعلنت علانية رفضها طلباً من حركة «حماس» بأن تكون لها شريكة في ادارة الوضع في قطاع غزة. وهذا الرفض كان لافتاً لاعتبار اساسي وهو ان «حماس» فشلت في اقناع الحركة الاقرب اليها من حيث العقيدة والتوجه في تقديم خدمة تسعى اليها «حماس» منذ زمن ليس بالبعيد، وبالتحديد منذ ان وجهت قيادة الحركة الاسلامية الاقوى في الساحة الفلسطينية نداء الى الفصائل والقوى الفلسطينية عنوانه العريض دعوتها الى مشاركتها في تحمل المسؤوليات معها في غزة التي تسيطر عليها منذ عام 2007 بعدما اجلت منها بالقوة حركة «فتح».
«حماس» اطلقت يومها هاتيك الدعوة التي تعرف صعوبتها وتعقيداتها، في اطار بحثها عن طريق لمواجهة عاملين ضاغطين عليها، وهما: التهمة التي تحاصرها منذ زمن وهي الاستفراد في حكم هذا القطاع اي الجزء الفلسطيني الوحيد المحرر تماماً من الوجود الاحتلالي العسكري الاسرائيلي، وبالتالي ممارسة نظام حكم «الحزب» الواحد على غرار ما تفعله الانظمة الشمولية.
اما العامل الثاني فهو: ان «حماس» تريد الخروج من «الحصار» السياسي – الامني المحكم الذي عاشته ومن اخفاقات رهاناتها السياسية بعد خروج قيادتها من دمشق اثر انفجار الاحداث الامنية هناك، وما تلا ذلك من ضياع في خضم الصراعات والتجاذبات العربية الحادة.
الثالثة: ان «حركة الجهاد الاسلامي» تجانب في رفضها دعوة «حماس» لها فرصة كبرى لتعزيز حضورها السياسي والسلطوي داخل الساحة الفلسطينية وتفضل ان تبقى في الموقع المحاط بهالة من السرية والالتباس منذ نشأتها العلنية في اواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وهو الموقع الذي يجعلها دوماً بمنأى عن ارتباطات او تعهدات او اعباء سلطوية تجعلها وجهاً لوجه مع الجمهور العريض، وان تظل في موقع «الاحتياطي» الكامن لمواصلة المواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي.
ولم يعد خافياً او جديداً القول ان «حركة الجهاد الاسلامي» ولدت ونشأت في الحاضنة والبيئة السياسية والفكرية عينهما التي نشأت فيهما حركة «حماس». ففي النصف الثاني من عقد الثمانينيات كانت القيادة الفلسطينية التقليدية بما فيها الفصائل المعروفة، في حال من الهزال والضعف السياسي وتشوش الخيارات وسقوط الرهانات، ولا سيما انه لم يمر زمن طويل على هزيمتها المدوية في بيروت اثناء الاجتياح الاسرائيلي في عام 1982 والذي اضطرها الى سحب جسمها العسكري المقاتل، ليتشتت في خمس دول عربية هي: سوريا واليمن وتونس والجزائر والسودان، فيما الافق السياسي موصد بإحكام.
ولادة الحركة
في ذلك المناخ من اليأس والقنوط، ولدت «حركة الجهاد الاسلامي» مع حركة «حماس» كتعبير عن تقدم الاسلام السياسي الفلسطيني الى واجهة الفعل بعدما ظل فترة طويلة متوارياً عن الانظار او واقفاً موقف الراصد المراقب.
واللافت ان ابرز مؤسسي «الجهاد» وفي مقدمهم فتحي الشقاقي (قتلته المخابرات الاسرائيلية في مالطا في اول عقد التسعينيات من القرن الماضي) والامين العام الحالي رمضان عبدالله شلح، هما من المنشأ الفكري والعقيدي والمؤسسي لـ «حماس» عينه اي المنبت الاخواني المصري. فالجميع تعلموا في جامعات مصر وتأثروا بمناخاتها الاسلامية الصاعدة بسرعة في عقد الثمانينيات، لكن مؤسسي «الجهاد» اختاروا سلوك طريق مستقل ومنفصل كلية عن الطريق الذي سارت عليه حركة «حماس» لاعتبارات وحسابات متعددة ابرزها:
1- ان مؤسسي «حركة الجهاد الاسلامي» تحللوا كلياً من اي ارتباط سابق مع فكر الاخوان المسلمين واي شكل من اشكال الارتباط التنظيمي مع تنظيم الاخوان، كما اختارت «حماس».
2- ان «الجهاد» اختارت منذ البداية مد جسور تحالف وثيق مع القيادة الاسلامية في ايران، لدرجة ان طهران والسائرين في خطها، تعاملوا مع «الجهاد» معاملة متمايزة عن تعاملهم مع «حماس» او سواها من الفصائل.
3- ان «حركة الجهاد الاسلامي» اختارت ان تكون منذ البداية تنظيماً عسكرياً مغلقاً ومتماسكاً او بمعنى آخر يركز اكثر ما يكون على جانب الحشد والتعبئة العسكرية اكثر من سواه، اي على غرار النهج الذي اتبعه «حزب الله».
4- ان «حركة الجهاد الاسلامي» لم تبد استعداداً للامساك بسلطة او بأداء دور معين، او فتح بازار مساومة مع جهات في السلطات الفلسطينية نفسها او جهات خارجية.
تباين وتفاصيل
وبناء على كل هذه المعطيات، فإن علاقة «الجهاد» بـ «حماس» رغم اندراجهما في حقبة زمنية معينة في اطار محور واحد هو محور الممانعة والمقاومة، الا ان المراقب لهما يجد ان ثمة نقاط تباين وتفاضل بينهما كانت تصل احياناً الى حدود الخلاف المعلن حول الخيارات والحسابات.
وبناء على كل هذه المعطيات، فإن ثمة من وجد ان كل هذه المميزات التي حافظت قيادة «الجهاد» عليها، جعلتها في وضع افضل واكثر راحة واستقلالية في خياراتها وحراكها بعد ما صار يعرف بـ «الربيع العربي» والتحولات الجذرية التي فرضت نفسها على كل الوضع العربي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تضطر قيادة «الجهاد» الى ان تغادر مقرها الاساسي في دمشق على غرار ما فعلته حركة «حماس» بعد مضي نحو 6 اشهر على اندلاع المواجهات في الساحة السورية بين النظام ومعارضيه، ولان لـ «الجهاد» موقعها التحالفي المميز مع طهران ودمشق و«حزب الله»، ولانها غير مرتبطة تنظيمياً مع جماعة «الاخوان المسلمين» التي اخذت موقفاً متشدداً في عدائها للنظام في سوريا ومنحازاً الى جانب مجموعات المعارضة لهذا النظام، فإن «حركة الجهاد الاسلامي» لم تكن مجبرة على اخذ مواقف علنية تجعلها تبدو مربكة امام الجمهور الفلسطيني العريض او امام حلفائها، كما انها لم تعش «ازمة» اخفاقات الخيارات والحسابات السياسية، فهي تظل موجودة في دمشق وفي بيروت ومع «حزب الله» او في طهران، وايضاً في الشارع الفلسطيني نفسه الذي عاش حالة تذبذب وارتباك حيال الحدث السوري وقبله الاحداث في مصر وتونس وليبيا، انعكس ولا ريب وبشكل مباشر على اوضاع الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حركة «حماس» التي ابدت انحيازاً علنياً ضد النظام في سوريا، وتعاطفاً مع معارضيه، وكذا في مصر نفسها حيث بدت «حماس» على صلة وثقى مع حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي.
المحافظة على الصورة
لا ريب في ان بعض المراقبين للشأن الفلسطيني تعاملوا مع «الجهاد» وكأنها ستكون بديل محور «الممانعة والمقاومة» على الساحة الفلسطينية بعد خروج حركة «حماس» من هذا المحور والدوران في فلك محور آخر، وتكرس هذا الطرح بعدما بادرت «الجهاد» في غزة، الى اجراء سلسلة عروض للقوة هناك، والى الدخول في سجالات كلامية مع «حماس» حول الكثير من القضايا.
لكن ذلك على اهميته لم يجعل «حركة الجهاد الاسلامي”» تخرج عن حدود دورها المألوف ولم تبد كأنها في وضع القادر والمستعد لوراثة حركة «حماس» او الدخول معها في مواجهات لزيادة «ازمة» الحركة الاسلامية الام في الساحة الفلسطينية التي ظهرت بوضوح وجلاء في اعقاب الاحداث الاخيرة في الساحة المصرية.
وظلت «الجهاد» في المشهد الفلسطيني فأمينها العام شلح، حضر في حفلات المصالحات الفلسطينية التي رعاها مرسي في القاهرة في اطار انجاز المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.
وفي كل الاحوال، اظهرت التطورات والتحولات المتسارعة في فلسطين وسواها من الساحات العربية، ان «حركة الجهاد الاسلامي» لا تريد ان تتخطى صورتها المألوفة ولا تبغي ان تلعب ادواراً كبرى على ساحتها، فهي ستظل الفصيل العسكري المغلق المصر على انتهاج خط المقاومة، وليس في وارد لا تغطية حركة «حماس» ولا المضي بعيداً في انتهاج خط معاد لها او السعي للحلول محلها في اي موقع كان.
ا. ب