صحة

كي لا تتحول الابرة الى… آفة!

الابرة قد تكون كلمة وقد تكون وخزة! والعلاجُ قد يكون ناجعاً وقد لا يكون، وبين أن يكون أو لا يكون، قد يتمُ ما ليس في الحسبان ويتحول الدواء الى داء! الابرة التي تحمل في بطنها العلاج قد تتسبب، في الاتجاه الآخر، بداء… كيف هذا؟ لماذا هذا؟ ومتى هذا؟ الحقنة غير الآمنة تُشكل هاجساً طبياً عالمياً مقلقاً… فماذا يُقصد بها؟ ومتى لا تعود الابرة آمنة؟ وهل يُصيب اللاأمن المريض والممرض في آن؟ وهل من حلول؟

أمورٌ كثيرة تبدلت. الهواء لم يعد، في أحيان كثيرة، عليلاً، والعلاقات الاجتماعية باتت أصعب، والقدر أصبح أقسى، وحتى الحقنة بات يُحسب لها ألف حساب! فالحقنة، (الإبرة)، جمعت في قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، برعاية «بيكتون دكنسون» المصنعة للأدوات الطبية ووكيلتها في لبنان «ساراميد»، مئات العاملين في الشأن الطبي ومن يهتمون في هذا الشأن. الجمع إذاً غفير والسؤال: هل تستحق إبرة كل هذا الحشد؟
القاعة امتلأت. والممرضات جئن بأثوابهن البيضاء والزرقاء! ألم نقل أن أموراً كثيرة تبدلت حتى في لون ثياب العاملين في القطاع الصحي؟! الهواتف الذكية احتلت الأكف لكنها عجزت عن إلهاء المشاركين عن عنوان الندوة الجذاب: «الحد من إصابات الإبر والأدوات الطبية الحادة». المركز الطبي في الجامعة الأميركية هو من نظم المؤتمر. مدير عام وزارة الصحة وليد عمار حضر. نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون كان هناك. مدير المركز الطبي في الجامعة الأميركية الدكتور عدنان طاهر شارك. محاضرون، معنيون، مهتمون، محاضرات، محاضرات، محاضرات… والزبدة؟ المحصلة؟ اليكم سبل الاستخدام الآمن للأدوات الحادة…

الاكثر تعرضاً
أكثر البشر تعرضاً للإصابات هم العاملون في المستشفيات ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة، و75 في المئة من الإصابات سببها وخز الحقن! النسبة إذاً، بحسب دراسة أعدها مستشفى جامعي لبناني، عالية جداً فكيف تحصل الإصابة؟ وماذا عن سبل الحماية؟
يبدو أن أحد أبرز المخاطر التي يواجهها العاملون في مجال الصحة تتأتى عن وخز الجلد أو خدشه بمواد حادة ملوثة مثل الإبر أو الزجاج المكسور الملوث بسوائل المرضى ودمائهم، ما قد يؤدي الى أمراض فيروسات الدم لا سيما منها الايدز وتليف الكبد.
في بريطانيا، في دراسة شملت العاملين في عشرة مراكز صحية في مانشستر، تبين حصول 2646 إصابة في سبع سنوات… ماذا عندنا؟
لا احصاءات دقيقة للأسف في هذا الموضوع، ففي لبنان مثلاً بالكاد يتم الإبلاغ عن نصف الإصابات في المستشفيات، ما يُشكل عقبة رئيسية أمام أي برنامج يهدف الى الحد من هذه الإصابات! في كل حال تحصل عادة إصابات الإبر عند القيام بجملة أعمال بينها: إعادة تغطية الإبرة أو ثنيها أو كسرها، إدخال إبرة في أنبوب اختبار أو وعاء يحتوي على عينة، الإصابة المباشرة من شخص يحمل أدوات حادة مكشوفة، ترك الأدوات الحادة في أماكن غير متوقعة في ملاءات الأسرة مثلاً، او عند قيام المريض بحركة سريعة مفاجئة عند حقنه. ويبدو أن 38 في المئة من الإصابات تحدث خلال الاستخدام، بينها نسبة 5 في المئة أثناء خياطة الجروح، بينما تحدث 42 في المئة من الإصابات بعد استخدام الأدوات الحادة.

الحل؟
المسألة إذاً، على بساطتها، صعبة. الإبرة التي يستخدمها العاملون في القطاع الطبي قد تتحول الى أداة خطيرة. والحل؟ اعتماد أساليب علمية محددة. كيف؟ لنأخذ مثلاً عملية تغطية الإبرة بعيد الاستخدام والتي تؤدي الى إصابات جمة. هنا، في هذه الحالة، يُفترض عدم تغطية الإبرة أو ثنيها أو كسرها باليد بل رميها، كما هي، فوراً. أما إذا اضطر أحد العاملين الى طي الإبرة فيجب استخدام الطريقة الآمنة عبر استخدام اليد الواحدة، أي بوضع الغطاء على طاولة مثلاً، ثم إدخال الإبرة داخل الغطاء من دون الاستعانة باليد الثانية، على أن تستخدم اليد الثانية عند إحكام إقفال الغطاء شرط إمساك الغطاء من الأسفل، عند نهاية الإبرة، وليس من رأسه، حيث رأس الإبرة.
عملية صعبة؟ تمرنوا إذا أردتم بقلم حبر، باستخدام بيك، له سدة، انزعوا السدة وضعوها على الطاولة أمامكم ثم امسكوا القلم وضعوه، بيد واحدة، في السدة، ثم استعينوا باليد الثانية لإحكام إقفال السدة شرط إمساك السدة من اسفلها وليس من رأسها المسنن.
طريقة تقديم الأدوات الحادة تحتاج أيضاً الى دراية. فالعاملون في غرف العمليات مثلاً يُفترض بهم تقديم ما يحتاج اليه الجراح بطريقة لا تجعله يتناول الإبرة في شكل خاطىء فيحصل الضرر! يُفترض بمساعد الجراح أن يضع الأدوات الحادة في حوض معقم، آمن، على أن يلتقطها الجراح بنفسه ويعيدها، بعيد استخدامها، الى الحوض. لكن هذه التقنية انتقدت من بعض الجراحين الذين ما زالوا مصرين على أن يقدم لهم المساعد، بيده، ما يحتاجون كي لا يفقدوا التركيز على موقع العملية.

مخلفات الابر قاتلة!
تتعرض نحو 22 ألف ممرضة سنوياً، بحسب تقرير أميركي، الى جروح ناتجة عن استخدام الأدوات الحادة، والعدد، في حال أضفنا اليه الممرضات العاملات خارج المستشفيات، أي في بيوت الراحة والمنازل، قد يتضاعف ليصل الى 48 ألفاً! ومعلوم أن الاحتكاك اليومي للعاملين في المجال الطبي مع المريض ومخلفاته السائلة والصلبة كسوائل الجسم والشاش الملوث والإبر الحادة يجعلهم عرضة لمخاطر صحية جمة. في كل حال يبدو أن الإبر المرمية بلا غطاء رأس في أكياس القمامة تتسبب هي أيضاً بإصابات هائلة، أو لنقل هي تتسبب بالنسبة الكبرى من إصابات الإبر الملوثة الحادة، وتجنب هكذا إصابة يتطلب جملة إجراءات بينها: عدم رمي الإبر في أكياس القمامة مهما كانت الظروف وجمع الإبر في علب بلاستيكية عليها العلامة الدولية للمخلفات البيولوجية على أن تُحرق لاحقاً وتُطمر. ويفترض التعامل دائماً مع مخلفات الإبر والحقن سواء أكانت ملوثة أو لا على أنها مخلفات بيولوجية ذات خطورة كبيرة يمكن أن تتسبب بأمراض قاتلة.
لو كان ما تتسبب به الإبرة الحادة مجرد وخزة وكم نقطة دم لما قلنا: خطر! القلق الكبير من ارتكابات تلك الإبرة يتأتى، بحسب مدير عام وزارة الصحة اللبنانية الدكتور وليد عمار، من تسببها بانتقال بعض الأمراض، بينها مرض نقص المناعة المكتسب الإيدز وفيروس التهاب الكبد «ب» وفيروس التهاب الكبد الوبائي «س». في كل حال، العاملون في المجال الصحي هم معنيون باتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنيب تعريض أنفسهم والآخرين للخطر.
ماذا لو أخذنا كل الاحتياطات لكن الضرر، لسبب قسري، عاد وحصل؟
في حال نتج عن استخدام الأداة الطبية الحادة خدش ما فيفترض وبسرعة غسل الجرح بالمياه والصابون والضغط من أجل إخراج الدم من الموقع المصاب على الا يتم هذا الفعل بقوة كي لا يؤدي الى تلف الأنسجة. ويفترض تبليغ وحدة مكافحة العدوى بما حصل. التبليغ إذاً ضروري جداً. ويجب أن يُقوّم اختصاصي في مكافحة العدوى طبيعة الإصابة عبر إجراء فحص فيروس الالتهاب الكبدي «ب» وفيروس الايدز للتأكد من عدم وجود إصابة قديمة، ومراقبة من تعرض الى الخدش، عبر تكرار التحاليل، من أجل التأكد لاحقاً من أن لا ارتدادات خطيرة تأتت عن الإصابة الجديدة.
هي إبرة ووخزة وشتان ما بين وخزة ووخزة! والاحتياط في كل الحالات يبقى واجباً وإلا أصبحتم، في لحظة، من حيث لا تدرون، في دائرة الشك المرضي!.

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق