تشكيل

الوان شوقي شمعون تعصف في كل الاتجاهات

طاقة استثنائية عكستها المجموعة الاخيرة للفنان شوقي شمعون التي شكلت معرضه في مركز بيروت للمعارض في شهر اذار (مارس) الجاري. طاقة  اعتبرها الفنان «غير معهودة» في سباقه مع الوقت، شعر بها وترجمها بممارسته حرية مطلقة  في لوحاته العملاقة والكبيرة. حرية مطلقة نتلمسها من خلال مجموعة كبيرة شديدة التنوع تضم اعماله من العام 2006 الى اليوم، حرية تخطت حدوده الشخصية على حد قوله.

اهم ما في جديد شوقي شمعون انه ليس على تناقض او طلاق مع قديمه بل ان نصه الفني الذي كتبه بكثير من التأني والتمايز تطعم بالقديم دون الوقوع في التكرار: فنرى ان تأثير الصحراء لم يزل جلياً عنده فالرمال التي يحملها كرذاذ على القماش الرطب والتي يمزجها مع الوانه الخلفية لتشبه الواقع  لم تزل متواجدة بقوة. والصحراء تعني الكثير لشوقي شمعون فالصحراء هي قصة هؤلاء الرجال في الماضي او الحاضر او المستقبل. الصحراء هي الخيمة وهي ايضاً الحلم  للفنان بأن هناك حضارة مستقبلية هي  اليوم في مراحل مستقبلها. ورسوماته هنا هي في صدد التقاط جوهر الصحراء بكليتها وبمكوناتها الثقافية وتأثيراتها في عينه، عقله  ومشاعره، كما يقول  شوقي شمعون.

اشكال بشرية
هذه الصفوف من الاشكال البشرية المتحدة والمتلاحقة التي تشكل القاسم المشترك  في اسفل لوحاته والتي تعتبر فانتازيا، تعطي اعماله جمالية اضافية، فماذا ينتظر هؤلاء الذين يطلون على المشهد العام للوحة وكأنهم على اهبة السفر؟ ينتظرون مصيرهم مستقبلهم ام ماذا؟ ان مجرد النظر اليهم يأخذ الزائر في رحلة تأمل ممتعة.
اما الوانه فتبدو للناظر وكأنها تعصف في كل الاتجاهات  بمعنى انها تفعل فعل العاصفة حين ترتطم بالمساحة البيضاء للقماشة، او كمثل امواج البحر العاتية حين تنفلش بقدرية على الصخور والشاطىء تاركة رغوتها البيضاء على سجيتها. هكذا هي الوانه كما نلاحظها في لوحات تستوقفنا ونذكر على سبيل المثال «عاصفة الابيض» التي تعبر خير تعبير عما  نقول، كما لا تشبع عين الزائر من تأمل الاجواء الشاعرية التي تضفيها لوحة «ليلة القمر الذهبي» وهي اللوحة التي يسيطر عليها الذهبي والاصفر ويتوسطها في القسم العلوي القمر ببهاء واشعاع وتتخللها مربعات صغيرة ملونة بالاحمر والازرق والاخضر. والامر نفسه ينطبق على  لوحة «غياب الشمس على ارض عذراء» ولا ننسى جمال الاصفر المنسكب بعبقرية في لوحة «ارض الليالي» التي تظهر اهتمام الفنان بالجانب التزييني ايضاً من خلال الحبات الملونة على اطراف اللوحة.
كما اسلفنا  فان لوحات كثيرة تستوقف الناظر وتدعو الى التأمل مثل لوحة «الذكريات» العملاقة بمجموعة الالوان الزرقاء بالاسلوب التجريدي ولوحة «وكانت الكلمة» التي تعبر بالاسود الحالك اللماع عما يشبه ولادة معقدة او حتى لكأننا نشهد مخاض ولادة الكلمات واللغة ككل حيث نلاحظ حركة عنيفة في اللوحة.

حرية مطلقة
اذاً الحرية تجلت في هذا المعرض في الاسلوب والمواد، فالتجريد يتغير من تجريد تام الى نصف تجريد حيث يظل المنظر مرئياً ومفهوماً ليصل الى الانطباعي في بعض الاحيان والمواد المستخدمة تركزت  على الاكريليك وعلى القماش وصولاً الى مواد مختلفة ايضاً على القماش وبلغت حد استعمال الاسمنت  للتعبير عن الجدران الكثيرة المتاحة  كما في لوحة صغيرة عنوانها «انتظار وجدران».
وتجدر الاشارة الى ان شوقي شمعون سجل في مزاد كريستيز – 2007 رقماً قياسياً في مبيعات الاعمال بالنسبة الى فنان لبناني حي وصنفته ارت برايس بين الفنانين الـ 25 الاوائل الذين تم عرض اعمالهم في المزادات العالمية. وفي العام 2011 برز في استطلاع عام لمجلة ارابيان بزنس كواحد من اقوى 500 شخصية عربية تأثيراً في العالم.
ولد شوقي شمعون سنة 1942 درس الفنون، عاش وعمل بين بيروت ونيويورك، حقق اكثر من 35 معرضاً فردياً منذ العام 1975 اذ عرض في بيروت، نيويورك ومدن اخرى في الولايات المتحدة واوروبا، كما في العالم العربي والشرق الاقصى، وشارك في اكثر من 55 معرضاً جماعياً وبيينال منذ العام 1968 بين متاحف ومراكز فنية في بيروت والعالم.

كوثر حنبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق