سينما

«تونس الليل»… تشريح المجتمع التونسي قبل الانتفاضة دون نكء جراح الماضي

ببساطة ودون اللجوء للرمزية أو المواربة يقدم المخرج إلياس بكار في أحدث أفلامه (تونس الليل) تشريحا للمجتمع التونسي قبل انتفاضة 2011 استعرض فيه الخلافات والتوترات والإحباطات والضغوط السياسية دون أن ينكأ جراح الماضي.

تبدأ القصة من رب الأسرة يوسف بن يونس المذيع بالإذاعة الوطنية والذي يقدم منذ 25 عاماً برنامجاً باسم (تونس الليل) الذي يتخذ الفيلم اسمه. يصادف آخر يوم عمل له في الإذاعة اندلاع الانتفاضة بإشعال الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه بمدينة سيدي بوزيد.
الأب مناضل سابق له تاريخ في الدفاع عن الحرية والديمقراطية والحقوق التي انتهكت في ظل نظام زين العابدين بن علي لكنه محبط ويكتفي ببث أفكاره عبر برنامجه المسائي مما يكسبه المشاكل مع رؤسائه.
ينتقل المخرج بعد ذلك إلى الأم (أمل) وهي الشخصية الخاضعة الخانعة التي ابتليت بمرض السرطان واضطرت بسببه لاستئصال ثدييها. واستغل مخرج الفيلم شخصيتي الأب والأم لتمثيل الجيل القديم المنقسم بين فريق تحطمت أحلامه بالحرية والديمقراطية على صخور الواقع وفريق أنهكه المرض والخوف.
ومن الجيل القديم إلى جيل الشباب حيث الابن (أمين) الملتزم دينيا والذي تحاول جماعات متطرفة استغلال ذلك واستقطابه وفي مقابله الابنة (عزيزة) التي تعيش كامل حريتها فتتعاطى المخدرات وتشارك في فريق للموسيقى وتمارس الحب مع صديقها.
يسير الفيلم في خطوط متوازية تعطي تفاصيل عالم كل من أفراد الأسرة لكنها تتقاطع في النهاية داخل البيت عندما يجتمعون تحت سقف واحد. وتحين لحظة المواجهة فتكون الابنة الصغرى هي القنبلة التي تنفجر في وجه الجميع وتتصادم الاتجاهات الأربعة في مشهد رئيسي في الفيلم ينتهي بمحاولة الابنة الانتحار.
بعد نقلها للمستشفى تهرب الابنة من الملاحظة الطبية لتبدأ الأسرة في البحث عنها وتتوالى الأحداث حتى ينتهي بهم الحال إلى لقاء جماعي آخر لكن هذه المرة تتبدل الصورة وتختلف المشاعر.
الفيلم مدته 91 دقيقة ومن بطولة رؤوف بن عمر وأمال الهذيلي وأميرة الشبلي وحلمي الدريدي ويشارك ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته التاسعة والثلاثين.
وعقدت إدارة المهرجان ندوة صحفية لصناع الفيلم يوم الثلاثاء حضرها المخرج والممثلون ومديرة التصوير والمنتج.
وقال مخرج الفيلم إلياس بكار وهو أيضاً كاتب السيناريو إن الفيلم استغرق إعداده نحو سنة وتم تصويره خلال أربعة أسابيع.
وأوضح أنه وهو يكتب الفيلم كان يضع الشخصيات المرشحة للتمثيل بذهنه فجاءت الأدوار «مفصلة» على أصحابها.
وقال «السينما أكثر من الرمزية، السينما كتابة روحانية، كتابة صورة وصوت، ولا أحب الكتابة بالرموز، لكن إذا أراد المشاهد إسقاط الفيلم على الواقع فيمكن أن يرى الأسرة المقدمة في الفيلم هي تونس البلد».
وأضاف «تونس متشعبة، فيها ناس ماشية في اتجاه وناس ماشية في اتجاه ثانٍ، وبدون توافق وبدون مصالحة لا أظن أننا سنسير في الاتجاه الصحيح”.
الفيلم طرح في دور العرض السينمائي في تونس في أيلول (سبتمبر) الماضي لسبعة أسابيع قبل أن يخوض المنافسة على جائزة الهرم الذهبي بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وقال صناع الفيلم إنه لاقى استحسان الجمهور وشهد إقبالاً كبيراً وهو ما أرجعوه إلى التطرق لكل ما أرادوا قوله من منظور اجتماعي يمس كل مواطن دون الذهاب مباشرة إلى قلب السياسة.
وعن الصعوبات التي واجهت الفيلم قبل خروجه للنور ومراحل الإعداد قال المنتج محمد علي بن حمراء إن فترة التصوير كانت صعبة للغاية إذ صادفت فرض حظر التجوال بعد حادث استهداف حافلة تابعة لأمن الرئاسة في تونس العاصمة عام 2015.
وقال «كنا نصور الفيلم بعد ثلاثة أيام من تفجير محمد الخامس، وهو الشارع الرئيسي في وسط تونس، والمشكلة أن أغلب مشاهد التصوير بالليل، و(عملية) استخراج تصاريح التصوير كانت شبه مستحيلة».
وأضاف «الوضع كان صعباً على الجميع، المخرج والممثلين والتقنيين، حتى عندما كانت هناك مشاهد تصوير داخل الإذاعة حدث وقتها بالصدفة تهديد بتفجير المبنى».
وفيلم (تونس الليل) هو الفيلم العربي الوحيد الذي يتنافس ضمن 16 فيلماً بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي تعلن نتائجها يوم الخميس في حفل اختتام المهرجان بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية.

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق