افتتاحية

التعطيل… سلاح دمار شامل

التعطيل داء فتاك وسلاح دمار، ينتشر بين السياسيين ويستخدم لتحقيق المآرب والغايات ويزدهر اكثر، وسط طبقة تتميز بالفساد، حتى انه يتحول في بعض الاحيان الى جائحة تصيب كل السلطات والادارات وتشل البلد وتقضي على مصالح الناس. وهذا ما يعاني منه الشعب اللبناني اليوم.
في الماضي لم يعرف لبنان التعطيل، فعند كل استحقاق كان السياسيون يسارعون الى التقيد بالدستور والقوانين، ويقومون بواجبهم. الا انه في السنوات الاخيرة لجأت الطبقة السياسية الى سلاح التعطيل، واستخدمته بطريقة عشوائية قاتلة، فاساءت الى البلد والشعب. فانتخاب رئيس للجمهورية اصبح يستغرق اشهراً طويلة، وفي اخر استحقاق سيطر التعطيل على مدى سنتين ونصف السنة، الى ان كان للمعطلين ما ارادوا، واوصلوا مرشحهم الى سدة الرئاسة. وعند تشكيل الحكومات كانت تمر اشهر وصلت في بعض الاحيان الى حوالي السنة. حتى التعيينات والتشكيلات كثيراً ما خضعت للتعطيل.
والمؤلم في الموضوع عدم وجود قوة او وسيلة او قانون يجبر المعطلين على التراجع عن اساءاتهم… وهذا امر طبيعي، لان القوانين والتشريعات هي من صنع الطبقة السياسية، فمن غير المعقول ان تضمنها نصوصاً تعرقل تحركها وتضرب مصالحها. فرئيس الجمهورية مثلاً يمكنه تأجيل اجراء استشارات ملزمة لاختيار شخصية تشكل الحكومة، يمكنه ان يبقى اسابيع او اشهراً قبل ان يفعل وقبل ان يستدعي الشخص الذي نال اكثرية الاصوات، ويكلفه تشكيل الحكومة. وهذا ما شهدناه مراراً في العهد الماضي. والرئيس المكلف يمكنه ان يبقى اشهراً وحتى سنوات دون ان يكون هناك نص قانوني او دستوري يجبره على تنفيذ المهمة الموكلة اليه. والمجلس النيابي يلهو ويلعب بمصير بلد وشعب طالما يحلو له ذلك، قبل ان ينهي الازمة وينتخب رئيساً. وهكذا فان القوانين المعمول بها تشكل حصانة ودرعاً واقية للمتسلطين تمنع اي سلطة او قوة من الوقوف في وجه مصلحتهم وقد اصبحوا فوق كل القوانين. ولذلك علينا الصبر الى ان يقرر النواب انتخاب رئيس للجمهورية وهذا بالطبع ليس وارداً في الدول التي تتبع النظام الديمقراطي الصحيح حيث القانون فوق الجميع.
والتعطيل ليس حكراً على لبنان، بل انه تغلغل في زوايا مجلس الامن الدولي، الذي هو اكبر سلطة رادعة في العالم. ولكن الذين وضعوا قوانينه حصنوا انفسهم بما يسمى بـ «آلفيتو» الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى التي ربحت الحرب العالمية وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين. وهكذا فان اي قرار يريد هذا المجلس ان يتخذه، ولا يناسب دولة من هذه الدول الخمس تلجأ فوراً الى استخدام الفيتو فيتوقف كل شيء. وهنا يصبح التعطيل اقوى من اي قوة في العالم، فيطلق العنان للحروب والتعديات والاحتلالات دودن ان يكون لمجلس الامن القدرة على وقفها.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثلاً، تطلع الى جارته اوكرانيا، فرأى فيها ارضاً خصبة، فقرر غزوها وجر العالم كله الى موقف حرج. فاما مواجهته واشعال حرب عالمية، لا يعرف الا الله مداها ومدى اضرارها وويلاتها، واما الوقوف مكتوف اليدين. لقد حاول عبر مجلس الامن وقف هذه الحرب، فاستخدم بوتين الفيتو وعطل الارادة الدولية وتابع مسيرته المدمرة، فدك مدن اوكرانيا وبنيتها التحتية، وشرد شعبها ولا يزال ماضياً في مخططه. فتسبب بازمة غداء ومحروقات عالمية تعاني منها شعوب العالم، دون ان يكون هناك اي سبب لهذه الحرب، ودون ان تكون امام العالم وسيلة لوقفها. والسبب المباشر الفيتو المعطل. الذي تستخدمه ايضاً الدول الحامية لاسرائيل، وتسمح لها بمواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني وتحول دون قيام دولته على ارضه.
عدلوا النصوص القانونية وصيغوا الدساتير وفق المصالح العامة دون اعطاء امتيازات لاحد، فتستقيم الامور وتنجو البلدان التي يدمرها التعطيل.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق