تقنية-الغدتكنولوجيا

«تليغرام» في قلب الخطة الإعلامية لتنظيم «داعش»

يحارب تنظيم الدولة الإسلامية خصومه على جبهات عدة، وإحدى هذه الجبهات جبهة رقمية.

ويضع تنظيم الدولة الحرب الإعلامية عل قدم المساواة مع المعركة على الأرض، وغالبا ما يمجد «شهداء الإعلام»، الذين قتلوا خلال قيامهم بإنتاج فيديوهات أو مضامين رقمية أخرى لصالح التنظيم.
ومثل جماعات أخرى مشابهة، يعد تنظيم الدولة، الذي يعرف إعلامياً باسم داعش، مستخدماً نشطاً لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، إذ يذيع مواد دعائية عن نجاحاته ويستخدمها كوسيلة للتجنيد.
وعلى الرغم من أن التنظيم يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي منذ وقت طويل، إلا أن أنشطته تلك شهدت تحولاً مهماً في أيلول (سبتمبر) 2015، حينما تحولت وسيلة إعلام التنظيم الرسمية إلى تطبيق تليغرام للرسائل الفورية.
وجاء هذا التحول نحو خدمة الرسائل المشفرة بعد نزاع طويل مع موقع تويتر، الذي أغلق مراراً حسابات لتنظيم الدولة على الموقع، وكذلك بعد بعض التجارب مع منصات أقل شهرة طُرد منها التنظيم أيضاً.
وكان ذلك التوقيت مهماً، لأنه صادف وقت تأسيس تليغرام لخاصية تدشين قناة للمستخدم (على غرار موقع يوتيوب)، ما يسمح للمستخدمين بالبث لعدد غير محدود من المستخدمين الآخرين، وهي أداة سارع إلى استغلالها الكثير من المتطرفين.
لكن انتقال التنظيم إلى تليغرام لم يمر مرور الكرام، واختفى التنظيم من على التطبيق في آب (أغسطس) عام 2016، بعد حظر حساباته الرسمية بشكل متكرر.
لكن النشطاء الإعلاميين لتنظيم الدولة أسسوا الكثير من القنوات المثيلة المنفصلة، التي كررت أو عكست ما ظهر على القناة الرسمية للتنظيم.
وتبث هذه القنوات بالتزامن مواد أنتجت من جانب غرفة عمليات الإعلام المركزية للتنظيم، بما في ذلك ما يسمى بوكالة أنباء «أعماق»، وتوصف هذه القنوات بأنها تكرس جهدها لنشر أخبار التنظيم الرسمية.
ومن أبرز القنوات المثيلة تلك المسماة وكالة أنباء «ناشر»، التي حُظرت مراراً أيضاً.
وللتحايل على الحظر، فإن مديري تلك القنوات يستخدمون أساليب مسترقة، بحيث ينشئون حسابات لمستخدم أو قناة ويجعلونها تحوز متابعة كبيرة، قبل أن يحولوها فجأة إلى مرآة عاكسة لأخبار التنظيم وتحمل اسمه. وتروج هذه القنوات لبعضها البعض، وتدعو مؤيدي التنظيم إلى نشرها بأكبر قدر ممكن.
وبعض هذه القنوات، التي تُحظر موادها الترويجية على منصات الإعلام الاجتماعي، مُصمَمَة لإبقاء حسابها أقٌل جذبا للأضواء، بهدف تجنب الحظر. وهذا يمكنهم من جذب عدد مهم من المتابعين، لكن تلك القنوات عادة ما يتم حذفها قبل أن يزيد عدد متابعيها عن ألف شخص.
لكن مثل هذه الأرقام تكفي لتوصيل رسالة داعش عن طريق مؤيديه عبر شبكة الإنترنت. ويبث مؤيدو تنظيم الدولة البارزين المواد الدعائية للتنظيم إلى جانب محتويات أخرى. لكن السمات الصارخة لإعلام داعش تجعل مواد التنظيم سهلة التمييز، مقارنة بغيرها من المحتويات.
ولا يسمح تطبيق تليغرام بالبحث الشامل في المحتويات المنشورة للعامة، ما يعني أنه لا يمكن التنبؤ بعدد المستخدمين المؤيدين لداعش بشكل دقيق.
وفي منتصف نيسان (أبريل) الماضي، بثت وكالة أنباء «ناشر» ملصقاً، هنأت فيه نفسها على تأسيس مئة حساب مثيل. ويُقال إن عدد تلك الحسابات الآن فاق 130 حساباً.
كما أطلقت الوكالة بعد ذلك بوقت قصير حملة تحتفل بمرور 12 شهراً على بدء عملها. وكجزء من الحملة، دعت الوكالة المعجبين والقارئين إلى إرسال مواد وصور تشيد بعملها، وهو ما فعله عدد كبير من المستخدمين.
ويبدو أن تلك الحملات الدعائية ترمي لرفع الروح المعنوية بين مؤيدي التنظيم، الذين يستمتعون بحرية نسبية في نشر المواد على تليغرام.
وطلبت بي بي سي من تليغرام التعليق على الأنشطة المرتبطة بداعش على خدمتها، لكننا لم نتلق رداً.
ومنذ كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، دأب تطبيق تليغرام على الإعلان عن نشاطه اليومي الرامي لحجب القنوات الموالية لتنظيم الدولة.
وفي خطوة أخرى حديثة، تحولت وكالة أنباء «ناشر»، من مجرد كونها الناطق باسم تنظيم الدولة، إلى حث متابعيها على تليغرام على نشر محتواها عبر تويتر وفايسبوك.
وأعلنت الوكالة، التي أُغلقت مراراً، عن حساباتها عبر منصتي تويتر وفايسبوك. وأطلقت الوكالة حسابات على منصة إنستغرام، وأنشأت بثاً باللغة الإنكليزية لأول مرة.
وتنشر الوكالة حاليا ًمواد تنظيم الدولة الإسلامية باللغة العربية وترجمتها إلى الإنكليزية عبر بثها الرئيسي، وهي خطوة حديثة ضمن مبادرتها للنشر باللغة الإنكليزية، التي بدأت عقب هجوم ويستمنستر، الذي وقع في الثاني والعشرين من آذار (مارس) الماضي.
وجاءت تلك الخطوات من جانب وكالة «ناشر» لتوسيع جمهور المتلقين، عقب انتقادات من جانب مؤيدي تنظيم الدولة على تليغرام بأن القنوات الموالية للتنظيم توجه جهودها لإقناع من هم مقتنعون بالفعل بأفكاره، وأنها يجب أن تكثف من جهدها على المنصات الأخرى.
ويسعى تنظيم الدولة إلى زرع الانتماء في جنوده الافتراضيين، عبر إبراز أهميتهم في حربه. ويُقر تشارلي وينتر، من المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، بالنجاح الذي حققه التنظيم عبر تطبيق تليغرام.
ويقول إن تحرك إدارة التطبيق ضد القنوات الموالية للتنظيم «يبدو غير منظم بالمرة».
وذكرت وزيرة الداخلية البريطانية، أمبر رود، منصة تليغرام من بين الشركات التقنية التي يجب عليها أن تتخذ نهجاً أكثر صرامة ضد المستخدمين الموالين للتنظيمات المتطرفة.
ويقول وينتر إن جهود تنظيم الدولة لتوصيل موادها الدعائية إلى جماهير أوسع، عبر منصات أخرى أكثر شعبية، تلقى الآن نجاحاً أقل بكثير.
وأضاف أن التنظيم ربما ينشر بشكل منتظم محتوى مصمماً خصيصاً لموقع تويتر، لكن هذه المحاولة «للتوسع» لم تعد ناجحة الآن.
ولا يزال التنظيم أكثر نجاحاً على منصة تليغرام. لكن اعتماده عليها ربما يصبح ذا أثر سلبي إذا ما اندفع مؤيدوه إلى التطبيق، بدلاً من أن ينشروا رسائل التنظيم إلى مزيد من الجماهير على منصات أخرى.

بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق