رئيسيسياسة عربية

تونس: ازمة الثقة تتفاقم ومشاورات اختيار الرئيس تتعثر

هل هي ازمة ثقة متبادلة؟ ام تواطؤ من قبل حركة النهضة؟ ورغبة منها بادامة التوتر لاغراض مصلحية؟ سؤال، أو كم من الاسئلة، يتردد صداها في اروقة مختلفة على الساحة التونسية التي باتت تضيق ذرعاً بما يجري هناك، وترى ان استمرار حالة التوتر لا تخدم عملية الانتقال الديمقراطي التي كانوا ياملون بترسيخها والتي يتمنون ان تكون واحدة من ابرز نتائج الثورة التي اطاحت زين العابدين بن علي.

الشارع التونسي، الذي تشعر غالبيته العظمى بأنه وقع في مجال سوء الاختيار عندما انحاز الى حركة النهضة، ومكنها من الحصول على كم من الاصوات يعطيها الحق في الائتلاف مع حركات أخرى وصولاً الى الحكم، بدأ يضيق ذرعاً بما يجري على الساحة. فإضافة الى حالة عدم الثقة التي تحكم العملية السياسية برمتها، بدا واضحاً ان المزاج التونسي العام يميل الى اتهام حركة النهضة بتوفير الاجواء المناسبة لتعميق التوتر اعتقاداً من قياداتها بأن ذلك يمكنها من استمرار الحكم لفترة اطول، ويعطيها فرصة اطول من اجل تثبيت وجودها في سدة الحكم، وهامشاً للمناورة بصورة افضل.
التهمة لم تأت جزافاً على مستوى الشارع، وانما استندت الى تصريحات مسؤول أمني تونسي كبير، كشف خلالها عن ترابط وثيق بين ما يجري من تدهور أمني بفعل العمليات الإرهابية المتنامية في البلاد، ودور – يعتقد انه لم يعد خافياً – لحركة النهضة الحاكمة في دفع مقاتلي تيار أنصار الشريعة نحو خلق المزيد من الفوضى في البلاد لخلط الأوراق السياسية والتمسك بالسلطة لأطول فترة أخرى ممكنة.
فقد أكد كاتب عام نقابة الأمن الجمهوري وليد زروق، أنه سمع من احد وزراء الحكومة اثناء لقاء سابق معه قوله: «إن كنتم 50 ألف أمني فنحن نملك 100 ألف انتحاري وهم جاهزون لكسر شوكة قوات الأمن»، مفسراً، ما يحدث من عمليات إرهابية بانها قد لا تخرج عن إطار ما اعتبره «هذه التهديدات».

ازمة ثقة
وفي خطوة وصفها محللون بانها ازمة ثقة عميقة، ومرحلة تقترب من «كسر العظم»، كشف المسؤول الأمني أن هناك جناحاً سياسياً يخطط وينفذ في هذه العمليات الإرهابية وقام باختراق المجموعات السلفية وجندهم لحسابه الخاص، في إشارة إلى حركة النهضة التي تربطها بالجماعات السلفية الجهادية علاقات اعتبرها «أخوّة وثيقة».
واضاف ان العملية الانتحارية التي استهدفت نزلاً في مدينة سوسة السياحية اكدت أن تنظيم القاعدة الذي كثيراً ما نفى حكام تونس الجدد وجوده في البلاد قد «حرك» خلاياه النائمة لتنفيذ عمليات نوعية داخل المدن بعد أن ضاق عليه الخناق في المناطق الجبلية الحدودية مع الجزائر خصوصاً بعد الضربات العسكرية الموجعة التي تلقاها خلال الفترة الأخيرة.
الى ذلك، تشير القراءات الشعبية الى ان العملية الانتحارية التي نفذت في «سوسة» تمثل تحولاً خطيراً في تصاعد وتيرة العمل الإرهابي. كما تمثل مرحلة متقدمة، وفي الوقت نفسه  تعد مؤشراً على أن تنظيم القاعدة قرر خوض حرب التفجيرات ضد الدولة والمجتمع اللذين يصفهما بـ «الطاغوت»، مستفيداً – بحسب مسؤولين امنيين – من دعم لا محدود لحركة النهضة الحاكمة.
وبالتزامن، كشف زروق أن الخلايا الإرهابية النائمة تواصل تحركاتها على أرض الميدان، محذراً من عمليات تفجير مرتقبة تستهدف منشآت حيوية ومؤسسات حكومية وفضاءات تجارية كبرى قد تشارك فيها «منقبات» تم تجنيدهن خلال الأشهر الماضية.
ولا يتردد الأمنيون في المجاهرة بأن حكومة النهضة خذلتهم في التصدي للإرهاب وأنها كثيراً ما تساهلت وتسامحت مع خطر داهم. وفي شهر نيسان (أبريل) الفائت توصلت الأجهزة الأمنية إلى معلومات موثوقة بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي رسم خطة لتنفيذ سلسلة من العمليات في تونس تتضمن هجمات على وحدات من قوات الأمن والجيش والحرس في مرحلة أولى والقيام بتفجيرات انتحارية في مرحلة ثانية ثم القيام بتفجير سيارات مفخخة في مرحلة ثالثة. كما توصلت الأجهزة الأمنية إلى أن تنظيم القاعدة سيعلن عن تواجده رسمياً في تونس بالتزامن مع تنفيذ خطة ذات اضلاع ثلاثة.
وفي لهجة لا تخلو من الاتهام، يقول الأمنيون إنهم وضعوا بين يدي الحكومة ملفاً متكاملاً عن تحركات تنظيم القاعدة وعزمه على تحريك خلاياه إلا أن رئيس الحكومة علي العريض لم يتعامل مع الملف بما يستحقه من اهتمام. وتزامنت تحذيرات الأجهزة الأمنية التونسية مع تحذير القائد الأعلى للقوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، الجنرال كارتر هام، الذي أعلن أن تنظيم القاعدة «يسعى إلى التواجد في تونس».

صعوبة الاتفاق
في تلك الاثناء، وضمن اطار ازمة الثقة، تواجه المعارضة والاسلاميون الحاكمون في تونس صعوبة في الاتفاق على رئيس الوزراء المستقل المقبل الذي يفترض ان يكون قد تم الاعلان عن اسمه منذ ايام، والذي ستكون مهمته اخراج البلاد من ازمة سياسية تغذيها اعمال عنف خطيرة. واعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، ان الطبقة السياسية قررت تشكيل لجنة جديدة للمفاوضات في محاولة لفرز المرشحين المتنافسين من اجل تشكيل حكومة مستقلين.
واجتمعت اللجنة في محاولة لحسم المسألة بمشاركة الامين العام للمركزية النقابية حسين عباسي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وزعيم حزب النهضة الاسلامي راشد الغنوشي والمعارضين الباجي قائد السبسي واحمد نجيب الشابي واحمد ابرهيم وهمة حمامي وكامل مرجان الوزير السابق في عهد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
كما اعلن الاتحاد وقف المفاوضات للسماح باجراء مشاورات بين اطراف الازمة.
وقال ممثلون لاحزاب سياسية لوسائل الاعلام التونسية ان المفاوضين لم يتمكنوا من الاتفاق على احد مرشحين هما محمد الناصر، واحمد المستيري، وهما سياسيان مخضرمان شغلا مناصب وزارية في عهد الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة.
الى ذلك، اعدت الحكومة الانتقالية مشروع قانون جديد لمكافحة الارهاب. وبحسب تقارير حكومية يتضمن القانون الجديد معالجات شاملة لأسباب الإرهاب، والتصدي له وفق مقاربة أمنية وحقوقية وقضائية متكاملة. وعقدت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، مؤخراً، مؤتمراً دولياً حول «مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب» الذي  سيعوض قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003 وذلك بمشاركة خبراء أمميين ودوليين وحقوقيين ونشطاء من المجتمع المدني. واكد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي في المؤتمر، أن «تفشي ظاهرة الإرهاب في تونس يعود إلى تداخل عوامل خارجية عدة وأخرى داخلية أبرزها الخلل الذي تعانيه المنظومة التربوية الدينية بالإضافة إلى فشل سياسات التنمية.

تونس – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق