سينما

«محبس»… تعقيدات العلاقات اللبنانية السورية على الشاشة الكبيرة

يقترب الشاب السوري سامر من والدة حبيبته اللبنانية غادة ليلقي عليها التحية في أول لقاء بينهما، ويقول بابتسامة عريضة وباللهجة السورية «شلونك خالة؟»، لكنه لا يلقى جوابا، بل ترتسم الصدمة على وجه تيريز.

بهذا المشهد تبدأ قصة فيلم «محبس» للمخرجة اللبنانية صوفي بطرس الذي يختصر عقوداً طويلة من العلاقات بين اللبنانيين والسوريين سادتها فصول من التوتر والاحداث الدامية، وصولاً الى مأساة النزوح الاخيرة من سوريا الى لبنان المجاور.
وقدم الفيلم في مهرجان دبي السينمائي مساء الاحد في أول عرض عالمي قبل نزوله في صالات السينما في آذار (مارس) المقبل.
لم تكن تيريز تعرف ان سامر سوري، فسارعت الى الطلب من زوجها وابنتها بأن يعود الشاب وعائلته «من حيث اتوا»، بينما تقول أم العريس لابنها «يبدو ان حماتك عنصرية».
وفقدت تيريز شقيقها في قذيفة أطلقتها قوات سورية إبان الحرب الاهلية في لبنان (1975-1990). ومنذ ذلك الوقت، تكن مشاعر عداء وكراهية لسكان البلد الذي تواجد جيشه على مدى حوالى ثلاثين عاما في لبنان، ومارست سلطاته هيمنة واسعة على كل تفاصيل الحياة السياسية فيه.
وتقول بطرس لوكالة فرانس برس وهي تقف على السجادة الحمراء في مدينة جميرا، «ولدت فكرة الفيلم قبل أربع سنوات مع مراقبتنا للمجتمع حولنا»، مشيرة الى ان المشكلة التي يتحدث عنها «مبنية على تاريخ ليس جميلاً جداً بين اللبنانيين والسوريين إبان الحرب اللبنانية».
وتضيف انها «مراقبة لشيء حقيقي واجبنا أن نلقي الضوء عليه. (…) لا نريد أن نعالج المشكلة لكننا نريد ان نطرحها فقط».
ويقوم ببطولة الفيلم ممثلون لبنانيون وسوريون. ويعالج الفيلم، ومدته ساعة ونصف، ضمن إطار كوميدي درامي وبسيناريو غني بالعبارات الجريئة، مشاعر الخصومة المتبادلة بين بعض شرائح الشعبين.

«عنصر في المخابرات»
ويأتي الفيلم، وهو من تأليف بطرس والمنتجة الاردنية ناديا عليوات، في وقت تمر العلاقات اللبنانية السورية بإحدى أدق مراحلها مع تدفق مئات الاف السوريين الهاربين من حرب دامية تمزق وطنهم منذ 2011 الى لبنان.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان أكثر من مليون، اي حوالي ربع عدد سكان لبنان (اربعة ملايين)، يعيش معظمهم في ظروف بائسة للغاية. ويشكو اللبنانيون من العبء الاقتصادي الكبير الذي يشكلونه على البلد الصغير ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة.
كما ينعكس النزاع السوري مزيداً من الانقسام بين اللبنانيين المنقسمين أصلاً بشكل حاد بين مدافعين عن النظام السوري ومتعاطفين مع المعارضة. ونددت منظمات مدافعة عن حقوق الانسان خلال السنوات الماضية بتصرفات «عنصرية» ضد السوريين في لبنان، مثل تعرضهم للضرب والاهانات، حتى من عناصر قوى الامن، واتهامهم بالسرقات والمطالبة برحيلهم.
وتقول الممثلة اللبنانية بيتي توتل التي تقوم بدور خالة العروس «الشعوب تكره بعضها احيانا بسبب السياسة رغم اننا جميعاً ضحايا هذه السياسة. أهمية هذا الفيلم انه يظهر اننا ضحايا مسائل لا نريدها بل اننا نتورط بها لا شعورياً».
وترى ان «توقيت الفيلم مناسب بسبب الحساسيات التي نراها حالياً».
في العام 2005 وبعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي وجهت اصابع الاتهام فيه الى دمشق، انسحب الجيش السوري من لبنان، بعدما خاض خلال الحرب الاهلية معارك عدة ضد أطراف مختلفة.
وفي «محبس»، ترد عبارات كثيرة يستخدمها اللبنانيون والسوريون وترتكز غالباً على افكار مسبقة اجتماعية وسياسية.
فتقول تيريز مثلاً (الممثلة اللبنانية جوليا قصار) «إما انا، وإما ذاك السوري»، في تعبير فوقي واضح. وتعليقاً على أب العريس رياض الذي يطرح اسئلة كثيرة في محاولة للتودد، تنظر تيريز الى صورة شقيقها المتوفي وتسمعه يقول «يبدو انه عنصر في المخابرات» السورية.
اما من جهة عائلة سامر، فتبدي والدته (الممثلة نادين الخوري) امتعاضها من إقدامه على الزواج من غادة منذ انطلاقها مع ابنها وزوجها من الحدود السورية نحو منطقة جبلية في لبنان. وعندما تعرف ان غادة (الممثلة سيرينا الشامي) وجهت رسالة الى حبيب سابق رغم انها كانت على علاقة مع سامر (الممثل جابر جوخدار)، تقول «كل الفتيات اللبنانيات هكذا»، مضيفة «ستديره وكانها تحمل جهاز تحكم عن بعد».
ويبلغ الفيلم ذروته عندما تقول غادة لسامر ان والدتها قبلت به «رغم انك سوري»، فيغادر الشاب المنزل مع عائلته سخطاً.
ويرى المنتح التلفزيوني ايلي عرموني الذي شاهد الفيلم ان بطرس التي تخوض تجربتها السينمائية الاولى «نجحت في الا تكون منحازة لاي طرف (…) وأوجدت توازنا مهما جدا لقصة حساسة مرت في الفيلم بطريقة سلسة يمكن تقبلها من الجميع».
ويضيف رداً على سؤال لوكالة فرانس برس «افضل ما في «محبس» ايضاً هو انه لا يقدم المواعظ، بل يعرض المشكلة كما هي».
وصوفي بطرس هي شقيقة الفنانة جوليا بطرس والملحن زياد بطرس. والعائلة معروفة بالتزامها السياسي من خلال الفن.

«ما يجمعنا اكثر مما يفرقنا»
ولا يكتفي الفيلم بعرض الاوجه السلبية للعلاقة بين اللبنانيين والسوريين، بل يتطرق الى العديد من نقاط التشابه الايجابية بين الشعبين، وبينها الحميمية والغيرة والمأكل والمشرب والموسيقى، مثل المشهد الذي يرفع فيه رياض (الفنان السوري بسام كوسا) كاساً من مشروب العرق فوق مائدة تزخر بالمازات الشامية ويغني بينما يردد الجميع وراءه مقطعاً من أغنية للفنان السوري صباح فخري.
وفي صالة العرض الفخمة التي عرض فيها الفيلم وامتلأت عن آخرها، امتزج تصفيق الحاضرين بالضحك في اكثر من مناسبة.
وقالت زينة السيد وهي تغادر القاعة «الافلام الجيدة هي تلك التي تكون بمثابة مرآة للمجتمع، وهذا ما نجح به «محبس»… الفيلم يجعلنا ندرك ان ما يقربنا الى بعضنا أهم بكثير مما يبعدنا».

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق