سياسة لبنانية

المشنوق في مؤتمر الإطار القانوني للانتخابات: الـ 60 مرفوض علناً ومرغوب سراً

نظم مجلس النواب بالتعاون مع وزارة الداخلية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي، مؤتمراً تحت عنوان «الاطار القانوني للانتخابات البرلمانية» برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري في فندق «فينيسيا». وحضر ممثل رئيس مجلس النواب النائب سمير الجسر، ممثل الرئيس المكلف سعد الحريري النائب عمار حوري، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وزير المال على حسن خليل، وزير العمل سجعان قزي، وزير الشباب والرياضة عبدالمطلب حناوي، وزيرة المهجرين أليس شبطيني، وزير البيئة محمد المشنوق، ممثل وزير الدفاع المقدم عامر بدر، ممثل وزير الاتصالات وسام طنوس، ممثل وزير العدل خالد علوان.
وألقى الوزير المشنوق كلمة اشار فيها الى انه عند قراءته عنوان هذه المناقشة التي تجري اليوم والتي تستمر لجلسات عدة «لفتني أننا لا نقف كثيراً أمام المعاني والإشارات العميقة لعنوان المؤتمر، فنحن نتحدث عن أشياء كثيرة في عنوان واحد يبدو للوهلة الأولى تعبيراً عن مفهوم واحد، وهو ليس كذلك. نحن نتحدث هنا عن الإطار القانوني، أي القانون أولاً، ثم نتحدث عن الانتخابات، أي العملية التقنية الإجرائية لاختيار الممثلين أو أصحاب الوكالة أو الصفة التمثيلية. ونتحدث ثالثا عن البرلمان بما هو ركن رئيسي من أركان مؤسسات النظام السياسي الديموقراطي».
وقال: «الحقيقة أن هذه مفاهيم متعددة ومتفاعلة في ما بينها وليست مفهوماً واحداً. والتفاعل بينها، ومواصفات كل جزء من أجزائها، يحدد «المستوى الصحي» لمجمل الواقع الديموقراطي في لبنان. فهل هو واقع ديموقراطي شكلي؟ نصف ديموقراطي؟ ربع ديموقراطي؟ أم ماذا؟».
أضاف: «شهدتم وشهدنا في شهر أيار (مايو) الماضي إنتخابات بلدية، أردت أن أسميها «حراكاً بلدياً»، حين انتخب مليون ونصف مليون لبناني ولبنانية 844 بلدية و2900 مختار بينما فازت 179 بلدية بالتزكية. وشهدتم وشهدنا في الأسابيع القليلة الماضية إنتخابات رئاسية من خلال تسوية وطنية كبرى كان رائدها الرئيس سعد الحريري وهو ما وضعنا على سكة استكمال النصاب الدستوري من خلال انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد شغور في سدة الرئاسة لسنتين ونصف السنة. ونسعى معه ومع كل الشركاء لإخراج تشكيلة حكومية سيكون بين أولى مهماتها وضع قانون للانتخابات».
وتابع: «في الظاهر، قد يبدو لمراقب بعيد أننا لا نعاني كثيراً على مستوى حضور الإنتخابات في نظامنا السياسي وإن اضطربت مواعيدها وتأخرت أو أجلت أو جرى تمديد للوكالة هنا أو هناك. لكن بمنتهى الصراحة نحن نعاني كثيراً، وكثيراً جداً. وصحة نظامنا الديموقراطي عليلة ليس بمقاييس الانهيار الحاصل حولنا بل بمقاييس التجربة اللبنانية نفسها منذ الاستقلال وحتى اليوم».
وقال: «أعود لعنوان المؤتمر من حيث بدأت. كنت أتمنى أن يكون «الإطار القانوني للانتخابات البرلمانية» هو مشكلتنا، أو مشكلتنا الوحيدة، في حين أن ما نعاني منه هو اضطراب الاطار الوطني العام لكل ما يتصل بنظامنا الديموقراطي بل في بعض الاحيان أشعر أننا أمام محنة، تتعلق بالعقد الإجتماعي بين اللبنانيين، تظهر بين الحين والآخر. لنكن صريحين، ما الحاجة للتأكيد المستمر على الطائف، يقابله التسريب المستمر لأفكار عن مؤتمر تأسيسي أو ابتكار أطر رديفة للمؤسسات، ما لم تكن هناك مشكلة عند البعض في صيغة التعاقد نفسه؟ هذا أولاً.
ثانياً، نحن نخلط خلطاً مريعاً بين الإنتخابات كتقنية، كعمل إجرائي، والديموقراطية كمنظومة قيم ونظام عام يقوم على مبادىء المساواة أمام القانون والتداول السلمي الدوري للسلطة. الإنتخابات لا تصنع ديموقراطية، في حين أن الديموقراطية السليمة تجعل من الإنتخابات آلية لإدارة الشأن العام وتعمل على تطوير هذه الآلية كلما اقتضى الامر. ليس بسيطاً مثلا أن نشهد ما يدور في الولايات المتحدة الاميركية، وهي معبد الديموقراطية الليبرالية في العالم، ليس بسيطاً ما نشهده من سجالات غنية حول آلية الإنتخاب بعد الانتخابات الأخيرة، وكيفية احتساب الاصوات. لكن ذلك يجري في اطار وطني ثابت، متفاهم عليه وفي كنف عملية ديموقراطية اساسها سلامة المؤسسات».
وتابع: «أحببت أن أدخل من هذه الزاوية لأقول ما يعرفه الجميع أو ما يسمونه «الفيل الكبير الجالس معنا في الغرفة ونسعى جميعاً لتجاهله». واسمحوا لي ألا أستخدم العبارات الجاهزة التي نقارب بها الحديث عن الانتخابات. إن أي قانون إنتخابي اليوم، تتم مناقشته لا من زاوية الرغبة بتطوير العملية الديموقراطية بل من زاوية تقرير نتائج الانتخابات سلفاً قدر المستطاع بما يضمن حصة اكبر لهذا الطرف وحصة أصغر لخصومه. وبالتالي نحن لا نخوض في نقاش انتخابي بل في نقاش أبعد من ذلك يتصل بمستقبل الشراكة بيننا كلبنانيين، وبرغبات الغلبة الدفينة عند البعض، اذ سبق أن تم القفز فوق نتائج الإنتخابات وإقصاء رابحين أكيدين عما يستحقون وإحلال من لا يمتلكون الصفة التمثيلية مكانهم. واليوم نسمع ونقرأ حرباً كلامية ونبش ملفات. فهذا الفريق يعير الآخر بأن موقعه وحيثيته منتجة، خلافاً لنتائج صناديق الاقتراع، وذاك يرد بالعكس. هذا كلام يقرأه ويسمعه اللبنانيون اليوم ولا داعي لأن نتجاهله».
وقال: «لنناقش إذاً بعقل وطني مسؤول ومفتوح وبلا مواربات وفخاخ ومكامن. كل كلمة قانونية تستخدم في سياق السجال الانتخابي هي كلمة تعبر عما هو أبعد من الانتخابات كآلية، ومن الديموقراطية كصيغة حكم. فهناك من يريد الدائرة الصغيرة يتحرك وفق حسابات تتعلق بمصيره ومصير موقعه في الوطن أو هكذا يعتقد. وهناك من يتحدث عن الدائرة الموحدة كذلك. ومثلهما من يتحدث عن النسبية أيضا على الرغم من شعبيتها.
كل طرف يطرح فكرته باعتبارها أيقونة الديموقراطية في العالم وهي ليست كذلك. فالنسبية مثلاً ليست هي فضيلة الفضائل التي يتم تسويقها، وبينكم خبراء أعلم مني كثيرا بتفاصيل النقاشات حول النسبية بين من يتمسك بها ومن أسقطها فعلاً من بين قوانين كثيرة حول العالم، بل في أكثر دول العالم ديموقراطية. لا أقول هذا الكلام كموقف سياسي اليوم باسم التيار الذي امثله، وأنا بطبيعتي أميل إلى أن النسبية ممكنة وضرورية وتعبر في بلد مثل لبنان عن الحداثة، لكن لا أرى إمكانية جدية من القوى السياسية – ولا أشير هنا إلى أي من المسؤولين – للوصول إلى نسبية عاقلة وليس نسبية حسابية. فالعقلنة في النسبية هي التي تحقق ما نريد، ورغبات القوى السياسية تعبر عن تطلعاتها السياسية، ولا تعبر على الاطلاق عما تريد النسبية ان تحققه للوطن من صحة تمثيل».
واعلن المشنوق انه «عملياً، نحن اليوم أمام قانون الستين وهذا الموضوع موجود في كل النقاشات وهو مرفوض من كل الناس علناً، وربما مرغوب فيه بشكل سري عند الكثير من القوى، وأؤكد أن هذا هو موقفي وليس موقف التيار الذي أمثل. فقد عاصرت منذ العام 1992 كل العمليات الانتخابية التي حدثت وأستطيع الادعاء انني عشتها من الداخل وليس كمجرد مراقب من الخارج. وشهادتي أنه في كل مرة انتهت الانتخابات قامت كل القوى السياسية، الرابحة منها والخاسرة، لتهاجم القانون الذي على أساسه أجريت الانتخابات، وتقول انه جائر وظالم ويجب إعادة النظر ولا يمثل ولا يعبر ولا يقرر. وليست النتائج التي تحدد دائماً الموقف. بصراحة أعتقد أننا سنبقى إلى فترة طويلة من دون قانون عاقل يحكم العملية السياسية والانتخابية، الا اذا تفاهمنا بشكل حاسم، وأشدد على كلمة حاسم، على صيغة الشراكة بيننا كلبنانيين».
وأعلن أنه «لا يجب الخلط بين قانون الانتخاب والوطنية الجامعة لجميع اللبنانيين. في كل العالم الديموقراطي يجري النقاش ويكون هناك ربح وخسارة لكن لا تكون أبداً مسألة الشراكة أو الوطنية مطروحة على الطاولة. واضح أننا محتاجون إلى نخب جديدة في الاحزاب والمجتمع المدني لأنها وحدها قادرة على نقل العملية السياسية من اطارها المرتبك من عقود إلى إطار جديد».
وقال: «ما نقوم به الآن في موسم سقوط الأوطان في المنطقة هو صيانة الحد الأدنى من صيغ التعايش السياسي، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من كمائن ننصبها لبعضنا البعض ومع كل ما ينطوي عليه ذلك من رغبات دفينة للالغاء والتحجيم هنا والاستحواذ على غير المستحق هناك، ولكم في نقاشات تشكيل الحكومة عبر في ديموقراطيتنا وقيمنا».
أضاف: «ربما يجب الإعتراف أنني من جيل سياسي فشل في مهمة تطوير الاطار الوطني للعملية الديموقراطية، وان كنت من الناس الذين قاتلوا ودافعوا واستمروا ولم يتوقفوا إطلاقاً عن الدفاع عن الصيغة القائمة، بالمواجهة حيناً، وبالتسوية أحياناً كثيرة، لكن الرهان سيبقى على جيل لبناني جديد يأخذ الإطار الوطني والإطار القانوني إلى مستوى جديد يليق باللبنانيين ووحدتهم وسلامة بلدهم».
وتابع: «ربما أطلت عليكم، لكن سأختم بأنني قرأت ورقة عن قوانين الانتخابات في رسالة دكتوراه فضل كاتبها عدم ذكر اسمه. يقول إنه يمكن للمرء أن يحدد أهدافاً خمسة للنموذج الانتخابي اللبناني والتي لن تتم تلبيتها جميعها في ظل النظام الحالي. وهي:
أولاً: الحفاظ على المساعي الهادفة إلى تحقيق الاندماج الوطني وتعزيزها مع تجنب استراتيجيات الحافزية المتمحورة حول الاعتدال، التي يمكن ان تفضي إلى طغيان أو استبداد من الأغلبية.
ثانياً: الاهتمام بهواجس الأقليات السياسية والطائفية المتعلقة بسوء التمثيل، دون التمادي اكثر بتغذية الفصل الطائفي.
ثالثاً: تعزيز التنوع السياسي ضمن الطوائف لنزع الصيغة الطائفية عن النزاعات السياسية.
رابعاً: تشجيع ظهور طبقة إصلاحية سياسية جديدة.
خامساً: إيجاد حد أدنى من المتطلبات لإجراء انتخابات ديموقراطية».
ورأى المشنوق ان «كل البحث وكل قوانين الانتخابات من 1992 إلى اليوم لم تحقق أياً من هذا، بل بالعكس تسببت أكثر وأكثر باشتباكات طائفية وسياسية في الكلام، بدا في بعض الأحيان أن البلاد تشهد انقساماً عميقاً. يجب أن نعترف الآن أن وضعنا أفضل الآن بعدما اختلطت الاوراق ولم تعد واضحة تماما الأشكال القديمة التي كانت موجودة، أياً كانت التسميات، 8 أو 14، وربما هذا سيؤدي إلى جديد سياسي وليس إلى جديد وطني. في التجربة الحكومية تبين أن الاتجاه ليس لخلق مجموعات وطنية بل لخلق حصص حكومية من جهة والتزامات مسبقة لقوى سياسية ليست أكيدة أنها يمكن ان تصل إليها في السلم والهدوء».
وقال: «نحن كوزارة داخلية تعلمنا الكثير من تجربة الانتخابات البلدية، ولدينا مشاكل تثقيفية وإدارية، فكل لجان القيد والموظفين كانوا يحتاجون إلى المزيد من الخبرة والتدريب، لكن إذا عاد الامر لي فأنا أؤيد بالكامل ان ننفذ او نسعى إلى تنفيذ كوتا نسائية متدرجة في قانون الانتخاب. وأنا أرغب وأؤيد وأشد على يد كل من يطرح او يناقش قانون انتخابات جديد ان يأخذ في الاعتبار كل تاريخ أو مخاوف أو هواجس الأقليات السياسية والطائفية المطروحة من مئات السنين في عناوين تاريخية، سواء من أيام السلطنة العثمانية أو الانتداب الفرنسي».
اضاف: «اعود وأؤكد أننا جاهزون في وزارة الداخلية لتنفيذ الانتخابات الآن وفق قانون الستين، وأي كلام آخر ليس منطقياً ولسنا قادرين على تنفيذه، وبالتالي أي قانون جديد يحتاج وقتاً طويلاً، أي أشهراً وليس سنوات، لترتيب الإدارة وتثقيف الناخبين ليعرفوا على أي أساس سينتخبون وفق أي صيغة وفي أي مناطق. وفي وقت إعلان لوائح الشطب وبدء العمل بالآلية المتعلقة بالانتخابات سأقوم بواجبي القانوني بأن أعلن اللوائح وفق القانون الحالي. وبصراحة أكثر، لست متفائلاً بقدرة القوى السياسية على التفاهم حول قانون انتخاب جديد خلال شهر أو شهرين، فما عجزت عنه هذه القوى خلال سنوات لن تستطيع الوصول إليه خلال شهرين».
وتمنى «أن نعالج الكثير من الثغرات والنواقص التي واجهتنا خلال الانتخابات البلدية، سواء لتسهيل انتخاب ذوي الحاجات الخاصة، أو تدريب رؤساء لجان القيد والمراقبين والمندوبين في فترة مبكرة، وهذه مقدور عليها لأن امامنا أكثر من خمسة أشهر، وأرجو في المرة المقبلة أن نناقش قانون الانتخاب في مجلس النواب وليس في قاعة فندق، لاننا أهدرنا سنوات وسنوات. اتمنى الوصول إلى قانون يحقق إطاراً وطنياً جامعاً لكل اللبنانيين ويجيب على كل الأسئلة المطروحة وننتخب مجلس نواب وهكذا نحقق أحلام اللبنانيين وطموحاتهم، ونعبر عن رغبات جيل جديد يريد التعبير عن نفسه، ويكون أكثر اندفاعاً منا وأكثر قدرة على تحقيق طموحات اللبنانيين. وأشكر ختاماً الأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة، خصوصاً التي سهلت هذا المؤتمر، ورعاية الرئيس نبيه بري التي هي دائما رعاية خير لكل لبنان».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق