تحقيق

سوريون يتفقدون منازلهم قرب حلب ولا يجدون سوى الركام

لم يمر يوم على إعلان استعادة الجيش السوري المناطق كافة بمدينة حلب، حتى توجه علاء وزوجته هناء إلى بلدة كفر حمرة لتفقد معملهما لصناعة الشوكولا، لكنهما عادا خائبين بعدما وجداه مجرد ركام.
وعلى غرارهما، توجهت عشرات العائلات في سيارات اكتظ بها الشارع المؤدي إلى ريف حلب الشمالي الغربي، لتفقد ممتلكات ومنازل تركوها قبل سنوات مع توسع الفصائل المعارضة قرب مدينة حلب.
وعند دوار الليرمون المؤدي إلى بلدات شمال غرب حلب، ينهمك عناصر من الجيش بتنظيم السير ومن حولهم عمّ الدمار المباني المحيطة وبينها ما يبدو أنه بقايا مركز تسوق لا يزال يحمل شعارات باهتة لسوبرماركت «كارفور» ومتجر «فيرجين» الشهير.
من خلف مقود، لا يخفي علاء سماني (55 عاماً) خيبته برغم ابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه.
ويقول «ذهبت لتفقد معملي ومحلي ومزرعتي لكن كل شيء مدمر» في بلدة كفر حمرة المحاذية لمدينة حلب من الجهة الشمالية الغربية.
إلى جانبه، تجلس زوجته هناء (40 عاماً) التي تتحسر على معمل الشوكولا، الذي كانت تملكه العائلة وقد تأسس في العام 1923، لكنها تردف قائلة «المهم اننا ارتحنا من القذائف وسنعيش بأمان، لقد تعذبنا من القذائف، وأمضينا أياماً قاسية» خصوصاً أنها فقدت 16 شخصاً من أفراد عائلتها جراء قصف الفصائل لحلب.
وبرغم سيطرة القوات الحكومية على كامل حلب في العام 2016 إثر معارك وحصار استمر أشهراً عدة للفصائل المعارضة في أحيائها الشرقية، بقيت المدينة هدفاً لقذائف هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة الأخرى المنتشرة عند أطرافها والتي أودت بحياة مئات المدنيين.
والأحد، سيطر الجيش السوري على كامل المناطق المحيطة بمدينة حلب من الجهتين الغربية والشمالية، وتمكن بذلك من إبعاد هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة الأخرى عنها.
وفي الليرمون، يقول قيادي ميداني لصحافيين خلال جولة نظمتها وزارة الاعلام «من هنا كانت القذائف تنطلق نحو حلب، والآن اصبحت المدينة آمنة كلياً».

مئات القتلى

وقتل 1204 أشخاص في مدينة حلب جراء القذائف التي كانت تتساقط عليها منذ العام 2016، وفق ما يقول هاشم شلاش، رئيس الطب الشرعي في المدينة.
وطوال سنوات النزاع، تعرضت مدينة حلب، ثاني أبرز المدن السورية والتي كانت تعد عاصمة البلاد الاقتصادية لدمار هائل طاول حتى مواقعها الأثرية الشهيرة.
وعلى امتداد الطريق المؤدي إلى أطراف المدينة، تنتشر حفر واسعة خلفها القصف والمعارك، فيما طغى الدمار على الأبنية الموزعة على جانبي الطريق.
ولم يبق من لوحات إعلانية قديمة سوى هياكل معدنية، ترتفع إلى جانبها لافتة تشير إلى المناطق الواقعة شمال حلب مثل أعزاز وعفرين، التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها.
وبرغم الدمار، تحافظ هناء على تفاؤلها، وتقول «الدولة ستساعد بنسبة معينة الصناعيين والتجار لإعادة تأهيل معاملهم ومصانعهم»، مضيفة «سنحاول قدر الإمكان إعادة الصناعة التي تضررت».
وقدرت الأمم المتحدة في العام 2018 كلفة الدمار في سوريا بنحو 400 مليار دولار. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قال في تصريحات سابقة إن إعادة الإعمار «هي أولى الأولويات في سوريا».

«من الصعب ترميمه»

تتنقل السيارات ذهاباً وإياباً وتتقدم ببطء شديد.
ينتظر عماد (44 عاماً) بفارغ الصبر انتهاء الزحمة للوصول إلى بلدته حريتان شمال حلب. ويقول «لا أعلم شيئاً عن منزلي منذ العام 2013 ، لقد اشتريته وكسيته وفرشته ولكنني لم اسكنه أبداً».
ويأتي تقدم قوات النظام في حلب في إطار هجوم واسع بدأته في كانون الأول (ديسمبر) في منطقة إدلب ومحيطها في شمال غرب البلاد. وتركز الهجوم على ريف إدلب الجنوبي ثم ريف حلب الغربي.
وخلال أسابيع، سيطرت قوات النظام على مناطق واسعة، وتمكنت من تحقيق هدف طال انتظاره بسيطرتها على كامل الطريق الدولي «إم 5» الذي يصل مدينة حلب بدمشق، ويعبر مدناً رئيسية عدة من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
وأكد الأسد الإثنين إن «معركة تحرير ريف حلب وإدلب مستمرة (…) كما استمرار معركة تحرير كل التراب السوري وسحق الارهاب وتحقيق الاستقرار».
في طريق عودته من حريتان، يقول الموظف في شركة اتصالات محمد ازمرلي (42 عاماً) «كانت فرحة وغصة في آن واحد».
ويوضح «انتظرنا بفارغ الصبر عودتنا لرؤية منزلنا بعد تسع سنوات لكنه متضرر ومن الصعب ترميمه».
ويضيف «تنقلنا للعيش في منازل عدة، لكن أملنا كان دائماً بالعودة، لا ندري الآن ماذا سنفعل».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق