رئيسيسياسة عربية

مسيحيون عراقيون يعودون إلى دير دمره «داعش» جنوب الموصل

وضع تنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف المسيحيين العراقيين في المناطق التي اجتاحها في 2014 أمام خيارات ثلاثة: إما المغادرة، وإما دفع الجزية، وإما اعتناق الإسلام، فقررت الغالبية الرحيل. اليوم، وفي سياق حملة استعادة مدينة الموصل، تمكنت القوات العراقية من تحرير مناطق عدة، ما أتاح فرصة العودة لبعض الأهالي.

يقف الكاهن شربل عيسو أمام مذبح مدمر في كنيسة «دير مار بهنام» للسريان الكاثوليك جنوب الموصل، يرفع يديه ويصلي بمشاركة مقاتلي فصائل مسيحية مسلحة، بعد عودته إلى الدير قبل أيام إثر استعادته من تنظيم «الدولة الإسلامية».
واستعاد مقاتلون من قوات الحشد الشعبي الموالية للحكومة الأحد الفائت هذا الدير الواقع في بلدة خضر الياس، على بعد حوالي 30 كيلومتراً جنوب الموصل، بعد أكثر من عامين من سيطرة الجهاديين عليه.
ويعود تاريخ الدير التابع لطائفة السريان الكاثوليك إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وكان صرحاً بطبقات عدة. لكن بعد اجتياحهم المنطقة، أقدم الإسلاميون المتطرفون على تخريب الدير، وحطموا المنحوتات المعلقة على الجدران، وفصلوا رأس تمثال للسيدة العذراء. وفر الكهنة الذين كانوا موجودين في المكان، ولم يعودوا حتى الآن.
وفي زيارته الأولى للمكان، يقول الأب شربل عيسو لوكالة فرانس برس «أنا سعيد وحزين في الوقت نفسه»، ويضيف «سعيد بالعودة إلى هذه الأماكن المقدسة، وبرؤية هذا الدير الذي أمضيت فيه عاماً ونصف عام كرئيس. وفي الوقت نفسه، أنا حزين لرؤيته على هذه الحال، في وضع سيء جداً، مهدم. هذا يؤلم قلبي».
وأمام المبنى الرئيسي للدير، الذي يعتبر أحد أقدم الأديرة والمعالم المسيحية في العراق، تلة من ركام تغطي قبري مار بهنام، القديس السرياني الذي يحمل الدير اسمه، وشقيقته سارة.
في العام 2015، نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» شريطاً مصوراً على الإنترنت يظهرون خلاله وهم يفجرون القبر الذي لم يبق منه حالياً إلا القليل، وجاء ذلك ضمن عمليات تخريب منهجية عدة أقدم عليها التنظيم عندما اجتاح المنطقة.
ودمر عناصر التنظيم أماكن عبادة وفجروا مواقع أثرية، بينها بقايا مدينة نمرود، درة الحضارة الآشورية في العراق، ومدينة تدمر، «لؤلؤة الصحراء» وروعة الحضارة الرومانية في سوريا المجاورة.

«إعادة بناء النسيج الاجتماعي ستكون أمراً بالغ الصعوبة»
 في المناطق التي اجتاحها في 2014، وضع التنظيم المتطرف المسيحيين أمام خيارات ثلاثة: إما المغادرة، وإما دفع الجزية، وإما اعتناق الإسلام، فقررت الغالبية الرحيل.
ويؤكد عيسو أن إعادة بناء النسيج الاجتماعي الآن ستكون أمراً بالغ الصعوبة، مضيفاً «عليك رؤية منازلهم. لقد أحرقت خمسون في المئة منها».
وتعرضت الأقلية المسيحية في العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين لاعتداءات عدة، وأجبرت على مغادرة مناطق واسعة. وكان عدد المسيحيين في العراق أكثر من مليون قبل الاجتياح الأميركي في 2003، وبات اليوم حوالي 350 ألفاً، نصفهم في ولاية نينوى ومركزها الموصل.
ويرى الأب عيسو أن كبح التوترات بين الأديان في هذه المنطقة بعد كل ما حصل يبدو مهمة «صعبة جداً، لكننا متمسكون بالأمل».

«كتائب بابليون»
ويجول عيسو في الدير يرافقه مقاتلون مدججون بالسلاح من فصائل مسيحية، يرتدون صلباناً ويحملون أحزمة رصاص فوق بزاتهم العسكرية.
وينتمي هؤلاء إلى مجموعة «كتائب بابليون»، التي تشكلت من مسيحيين من مختلف أنحاء العراق، لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهم يقاتلون تحت راية الحشد الشعبي الذي يضم مقاتلين ومتطوعين شيعة بغالبيتهم مدعومين من إيران تجمعوا لقتال الجهاديين.
وساهمت «كتائب بابليون» إلى جانب قوات أخرى في عملية تحرير الدير من تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويؤكدون إنهم سيقاتلون حتى طرد الجهاديين من كل المواقع المسيحية التي يحتلونها في العراق، وحتى في سوريا.
ويقول العقيد ظافر لويس «نحن حزينون جداً لرؤية كل هذا الدمار هنا، لكن السعادة بالنصر غمرتنا ونحن فرحون جدا بأن نكون هنا»، ويضيف «آمل في أن يعود المسيحيون إلى هذه المنطقة، وأنا أدعوهم للعودة».
واختتم بالقول «ما قمنا به يظهر أنه حتى لو كنا مجموعة صغيرة فقد استعدنا السيطرة على المكان. ما نحتاج إليه هو قلب مؤمن».

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق