صحة

شتان ما بين بداية «الخبيث» ونهايته!

يشعرُ كثيرون بأعراضه لكن قلة تتحدثُ عنه وكأن «الصامتين» عن الكلامِ به  يتمنون بسكوتهم إبعاد شبحه عنهم! فهل في التجاهل ذكاء أم أن في إلتقاط أولى أعراض الخبيث حكمة؟
سرطان القولون والمستقيم نقرأهما معاً، مرة واحدة، وكأنهما سرطان واحد فهل في ذلك سرّ أم أن وجودهما في الناحية السفلية من الجسد، في محيط تقريباً واحد، جعلهما واحداً؟ وماذا عن سبل الحيطة والحذر والوقاية من هذين السرطانين؟

 

البروفسور جورج شاهين:
أحموا أنفسكم من سرطان القولون والمستقيم!

عيادة رئيس قسم أمراض الدم والسرطان في مستشفى أوتيل ديو البروفسور جورج شاهين تزدحم بالبشر، من كل الأعمار، ممن ينظرون يمنة ويسرة، بعيونٍ غالباً تائهة وبتوقٍ الى سماع كلمة تخفف من قلقهم من خبيثٍ ضربهم مثل حدّ السيف. ما زال «هيداك المرض» شرساً على الرغم من كل التطورات العلمية والطبية في العالم. نجلس في بهو العيادة. نتحدث مع الجالسين. مرضى؟ أهالي مرضى؟ زوار؟ وتنهمر القصص والحكايات كما النهر المتدفق راوية قصصا مؤلمة وآمالاً من رب الكون. ومن بين الموجودين نلتقط قصص ثلاثة أشخاص يعانون من سرطاني القولون والمستقيم ومن قصصهم نفتح بابا على الموضوع: ماذا عن سرطاني القولون والمستقيم؟ وما هي الأسباب التي أدت الى الإصابة؟ وهل كانت الوقاية ممكنة؟ وماذا عن العلاج؟
يُمسكُ البروفسور جورج شاهين بورقة وقلم ويبدأ برسمِ الفارق بين القولون والمستقيم. المستقيم وهو الجزء الذي يخرج منه البراز، عند باب البدن، حتى فتحة الشرج، تحديدا، وهو آخر جزء من الأمعاء الغليظة، أما القولون فهو جزء من الأمعاء يقع في نهاية «السبيل الهضمي» ووظيفته إمتصاص بقايا الطعام قبل أن يتحول الى كتلة برازية شبه صلبة.
ماذا تعني الإصابة؟ وما هي العوامل التي تتسبب بها؟ وهل من أعراض مبكرة تجعلنا «نقبض» على الخبيث الماكر باكراً؟
قد يحدث أحياناً خلل في نمو الخلايا إما في الأمعاء الغليظ أي القولون أو في المعي المستقيم لسبب هو غالباً مجهول، علماً أن الاعتقاد يسود بأن مثل هذه الأنواع من السرطانات تنشأ نتيجة أورام صغيرة تسمى «سلائل» تتحول تدريجياً الى أورام خبيثة، وفي حال إكتشفت تلك السلائل السرطانية باكراً يمكن إستئصالها.
في كل حال، نادراً ما تظهر الأعراض في سرطاني القولون والمستقيم باكراً أما الأعراض التي قد تظهر في مرحلة متقدمة فتشمل: فقدان غير مبرر في الوزن، آلام متكررة في البطن، غازات، مغص حاد، إنتفاخ، شعور بعدم إفراغ الامعاء بعد التغوط وتبدل في العادات الطبيعية للأمعاء مثل الإسهال المتكرر أو الإمساك مدة تزيد عن ستة أسابيع متواصلة من دون وجود سبب واضح أو ظهور دم في البراز أو إرهاق وتقيؤ.

تشعرون بهذه الأعراض؟
 قد تكون مجرد أعراض بسيطة، لا دخل للخبيث بها، لكن قد تكون ربما أعراضاً خطيرة. ثمة سيدة شعرت بدم أسود في البراز وألم شديد لكنها أرادت أن تُكذب نفسها، أرادت أن تقهر الخبيث، وحين ما عاد الألم لا يُطاق اضطرت الى أن تتكلم وكانت قد تأخرت كثيراً. إكتشاف المرض باكراً ضروري وحينها قد يكون العلاج شافياً.
سرطان القولون قد يتأتى عن عامل وراثي ويؤدي الى وجود تدرن في قلب غشاوة القولون. في كل حال، يقول البروفسور شاهين أنه حين نكتشف حالة من هذا النوع في العائلة نكشف على كل الأخوة والأخوات وأفراد العائلة ونعود الى الوراء خمس سنوات من عمر الحالة التي اكتشفت، بمعنى أنه إذا اكتشفنا حالة من هذا النوع في عمر الخامسة والثلاثين نكشف على كل من بلغوا سن الثلاثين من أفراد العائلة.

منظار كل خمس سنوات
في المطلق، لا تزيد نسبة العامل الوراثي في حدوث سرطان القولون عن 10 في المئة في حين أن أسبابا أخرى تتسبب بنسبة 90 في المئة من الحالات الأخرى بينها: عامل العمر حيث أن ظهور هذا النوع من السرطان يزيد بعد عمر الخمسين لهذا يُنصح من بلغوا منتصف العمر في إجراء منظار كل خمس سنوات لأن الدرن تحتاج كي تتحول الى سرطان بين سبع سنوات وعشر سنوات. عوامل أخرى جعلت هذا السرطان يحل في المرتبة الثالثة بين السرطانات المختلفة ويتمثل في تغير طبيعة الحياة حيث بات الناس يتناولون الوجبات الدسمة والسريعة واللحوم والأجبان ويخففون من تناول الألياف. وهناك أيضا عامل البدانة الذي يزيد من خطورة حدوث هذا السرطان، كما أن قلة الحركة قد تتسبب هي أيضاً بحالة إمساك وهذه تؤدي الى مشاكل في المصران. التوتر والقلق «السترس» عامل أيضاً إضافي. تتعدد إذا الأسباب التي قد تؤدي الى الإصابة.

كيف نتأكد من الإصابة؟
توجد فحوصات وتحاليل تحدد الحالة بدقة بينها: التنظير السيني الذي يُنصح به بعد عمر الخمسين مرة كل خمس سنوات. ويجري خلاله إدخال أنبوب مضاء، قصير ومرن، داخل المستقيم يبحث الطبيب عبره عن سلائل وأورام سرطانية. هناك فحص آخر هو «تنظير القولون» ويُنصح بالخضوع له كل عشر سنوات وكون أنبوب الفحص فيه أطول وأكثر رقة ومرونة.

ماذا عن العلاجات؟
يجزم البروفسور جورج شاهين أن الفارق كبير كبير، لا بل هائل بين بداية الخبيث وتطوره وبالتالي تختلف أنواع العلاجات وفقاً لمرحلة تقدم السرطان أي تطور حجمه وموقعه في القولون أو المستقيم وما إذا كان قد انتشر أم لا. في كل حال، تعتمد الجراحة غالباً في مرحلة الإصابة المبكرة يليها العلاج الكيميائي من أجل تخفيض مخاطر معاودة السرطان أما في حال كان الخبيث قد انتشر الى الكبد أو الرئتين فلا تعود الجراحة مجدية ويكتفي الطبيب في العلاج الكيميائي من أجل التخفيف من الأعراض وتحسين نوعية الحياة وإطالة العمر. هناك أيضاً العلاج البيولوجي الذي يساعد على تحفيز جهاز المناعة في الجسم بهدف تثبيط نمو وانتشار السرطان.
نغادر عيادة البروفسور جورج شاهين مزودين بنصيحة: أقبضوا على السرطان في بداياته لأنه شتان ما بين البداية و… الختام!

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق