تحوّلات العاصمة «الجميلة»… وحضور لافت للأطفال على الشاشة
شكّل مهرجان بيروت الدولي للسينما، في دورته السادسة عشرة، فرصة لاكتشاف أعمال قصيرة ووثائقية لمواهب لبنانية شابة، منها ما كان مدرجاً ضمن المسابقتين الرسميتين، ومنها ما أدرج في فئات خارج المسابقة. وبدا لافتاً الحضور الواسع لقصصٍ أبطالُها أطفال في أفلام المهرجان، فيما ركزت أفلام أخرى على التحوّلات التي شهدتها «بيروت الجميلة».
البحث عن الأصول اللبنانية
وشارك فيلمان لمخرجين لبنانيين في مسابقة الأفلام الشرق أوسطية الوثائقية، أحدهما Finding My Lebanon لمارك أبو زيد: قصة رجل ترعرع من دون معرفة أصوله وماضيه وإرثه، وقبل وفاة والده، سأله عن تاريخ العائلة، وللمرة الأولى ظهر ماضيه أمام عينيه من خلال صور وقصص وأفراد عائلة لم يسبق له أن التقى بهم. يعكس الفيلم قصة ثلاثة رجال: الجدّ الذي رحل، الوالد الذي توفي والإبن الذي عاد ليكتشف منزله وموطنه لبنان.
بيروت الجميلة…تغيّرت
أما Robert لغنى عبود، فهو عن حلاّق يُدعى روبير يملك محل حلاقة في منطقة الحمراء وغالباً ما يراه المارّة يعزف على «الغيتار» ويغنّي. وتقول عبود: «عندما تعمّقت في قصة روبير، تبيّن لي آنه عايش بيروت ومنطقة الحمراء بالذات ما قبل الحرب. وأردت عبر روبير الدخول إلى تاريخ بيروت القديمة ورأيت في هذا الرجل رمزاً للمدينة، قبل أن تغيّر الحرب معالمها وحياتها وناسها وأحلامهم أيضاً». وتضيف أن الفيلم الذي تبلغ مدته 26 دقيقة «يركّز على بيروت الجميلة التي لم يعد يوجد منها سوى بقايا»، و«يتمحور على شخص، أو بالأحرى على جيل، عالق في الماضي ولا يتقبّل واقعه الراهن». وتختم: «ثمة أناس يشعرون أنّهم ماتوا لأنّ حلمهم مات في الحرب».
وفي «حياة بيروت» للبناني محمد المنلا، وهو أحد سبعة أشرطة لمخرجين لبنانيين من بين الأفلام العشرين التي شاركت في مسابقة الأفلام الشرق أوسطية القصيرة، قصة رجل بيروتي توقف به الزمن عند العام ١٩٦٠، وعندما دعاه صديقه إلى ملاقاته في ساحة العنتبلي، يتفاجأ بأن كل شيء تغير وأن بيروت لم تعد كما كان يعرفها. ويقول المنلا عن فيلمه الذي تبلغ مدته ثماني دقائق وأسند فيه شخصية الرجل إلى والده وليد: «أنا ابن بيروت، ومتعلّق بمدينتي كما يتعلق أبناء القرى بِقُراهم ولو جالوا في الكرة الأرضية كلها. والرسالة التي أردت التعبير عنها من خلال الفيلم أنّ بيروت تبدّلت. لم نعد نجد فيها هويتها الأصليّة».
الإنحراف عن القضية المحقّة
وفي فيلم The riffle, the jackal, the wolf and the boy لوليد مونس شقيقان في عائلة لبنانية نموذجية، يأخذان البندقية المنزلية من دون موافقة والدهما لقتل الثعلب بعد اختفاء عدد من الدجاجات، لكنّ مغامرتهما تؤدي إلى تداعيات غير متوقعة. ويقول مونّس: «نرى في الفيلم كيف تنكسر الثقة بين الأخوة، وكيف ينحرف الإنسان عن القضية المحقّة التي كان في الاساس يريد أن يحارب لأجلها». ويضيف مونّس الذي يعمل في الولايات المتحدة، وأنتج افلاماً، وأغنيات مصوّرة لأهم النجوم العالميين، وشارك في إنتاج «هولوغرام» مايكل جاكسون: «أردت من خلال هذا الفيلم أن أختبر نمط العمل في لبنان ولو بفيلم صغير. كمخرج، لم استطع الخروج من القصة اللبنانية مع اني اعيش في لوس أنجلس منذ 20 عاماً».
غرام الطفولة… ومغامراتها
وتروي كريستيل قيصر في «أصلاً ما بحبّا» قصة صبيّ في الثامنة من عمره مُغرم بزميلته في المدرسة، فيما هي لا تعيره أيّ أهتمام، وخلال العطلة الصيفيّة التي كان فيها تعيساً، راح يخطّط لرؤيتها. وتقول قيصر: «الفيلم مستوحى من قصّة حقيقيّة ومدّته 15 دقيقة، وهو يعبّر عن قوة الحبّ ولو في هذه السن».
أما «فينو» لاسطفان خطار، فيتناول قصة طفل في الثانية عشرة يعيش في البترون ويعاني مرضاً في عينه، وقبل أيام من فقدانه بصره كلياً، يقرّر وصديقه اختبار مغامرة جديدة فيتسلّلان من المنزل ويقصدان أحد الكاباريهات. ويقول خطّار: «الفيلم روائي ولكن القصّة مبنيّة على معاناة شخصيّة كوني كنت أعاني مشكلة في عيني وفقدت النظر في عين واحدة، ولذا أردت أن أخرج فيلماً يعكس كل المشاعر التي عشتها”. ويضيف: للفيلم رسالتان تتعلقان بالصداقة والحب، فالحبّ النقي عند الفتى فينو يطهّر الكباريه أو ما يمثّله».
وفي The Holy pole لإيلي شاهين أجواء مماثلة، حيث ثلاثة تلاميذ في الثانية عشرة يهربون من المدرسة الداخلية بعد أن سرقوا أموال الكنيسة، لإستكشاف الحياة الليلية وشوارع بيروت، فيدخلون احدى «الكاباريهات»، وهناك تكون المفاجأة المذهلة. ويصنّف شاهين الفيلم ضمن الكوميديا السوداء، وهو يتناول، على ما يقول، وجهين متناقضين للدين، “بما هو عنصر أمان، وفي المقابل عنصر تكبيل».
وترافق ليال عقيقي في فيلمها Through pink glasses فتاة في الخامسة من عمرها، تتوه في شوارع المدينة وتشعر بالذعر وسط صخبها، لكنها، برفقة دميتها، تتخيّل المدينة على هواها، وتلوّنها بشخصيّات من رسوم متحرّكة تستقبلها وتحيّيها. وتضيف عقيقي: «ما أريد أن أقوله من خلال هذا الفيلم هو أنّنا يمكن أن نرى الحياة كما نحن نريد أي يمكن أن نقرّر أن نراها بشعة أو فرحة أو حزينة». وتتابع: «الفيلم مستوحى من قصّتي الشخصيّة، فأنا أضع نظارات، ومنذ صغري لدي دمية ما زلت محتفظة بها».
السينما في خدمة الكتاب
أما في Raconte-moi…Le Petit Prince، فيوظف جاد مكي مزيجاً من الأساليب السمعية والبصرية المتنوعة بهدف تقديم قراءة فريدة وشاعرية لقصة «الأمير الصغير» الشهير لسانت اكزوبيري: في فيلم قصير من ثلاثة فصول. ويقول مكّي: «هدف الفيلم إتاحة المجال للشباب والكبار لاكتشاف هذه القصّة الشهيرة وعالمها المدهش وتشجيعهم على الانتقال من شاشة السينما إلى الكتاب لقراءته. والفيلم، قبل كل شيء، يطمح إلى أن يجعل الناس يسافرون ويحلمون».
الفساد… والأمل
وفي فئة «الساحة العامة» يُعرَض فيلم «6660» القصير لميشيل معربس، وهو عن فتاة صغيرة ويتيمة تعيش في الشوارع وتسرق لتعيش، تنضم إلى عصابة، لكنها تكتشف أنّ الجميع يحصل على كل الأموال وهي لا تحصل على شيء، فتقرّر كشف الفساد. وتقول معربس إن «الفيلم يمزج بين الكوميدي والبوليسي، وفي نهايته بارقة أمل مفادها أن حتى لو كان ثمة فساد في الطبقة السياسيّة والحاكمة، يمكن ذات يوم أن يتمكّن الشعب من أنْ يُغيّر ويربح».
تقبّل الشكل
أما الوثائقي Skin لفرح دياب، فيتناول أستاذة أميركية شابة تتقبّل أخيراً شعورها تجاه مظهرها وتكشف شكلها الحقيقي. وهذه المرأة أصيبت في السابعة عشرة من عمرها بمرض تساقط الشعر (alopecia)، وتروي في الفيلم رحلتها والتحوّلات التي حصلت معها من محاولتها الظهور بمظهر معيّن تجاه الآخرين وحتى بلوغها السعادة لما هي عليه حقيقة. وتقول فرح: «عندما سألت ماري ما إذا كانت توافق على هذا الفيلم الوثائقي عنها، أجابتني: أريد من كل فتاة تبحث عن الأمل أنّ تعرف أن لا بأس بحالتها، وأنّها تستطيع أنْ تفعل ما تشاء وأن تكون من تريد أن تكون».
«بحر»… لدقيقة واحدة
وعُرِض ضمن فئة «آلبانوراما» الفيلم التحريكي القصير «بحر» لكريستل سميا، والذي لا تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة. وتقول سميا: «الفيلم ليس قصّة بقدر ما هو عن الأمور التي أتخيلها وأراها وأشعر بها، وفي الفيلم أحاول التعبير عنها بَصَرِياً». وتضيف أن «الفيلم تحرّيكي نرى فيه شخصيّات تمرّ بحالات وتتحوّل إلى أخرى وتقوم بأمور هي من نسج الخيال وليست حقيقيّة». وتشرح أن الفيلم ينطلق من أغنية «بحر» لفرقة «مشروع ليلى»، أما الشخصيّات «فلا يظهر ما إذا كانت أنثى أو ذكراً». وتقول: «اخترت هذه الأغنية بالذات لأنّها تحمل مشاعر أحسست أنّها مرتبطة بي وقد أوحت لي مرئيّات Visuals، إذ عندما نسمعها نبدأ برؤية أشياء وتخيّلها».