أبرز الأخبارسياسة عربية

لماذا اختارت روسيا خوض «حرب شاملة» في حلب؟

توظف روسيا كل طاقتها في توفير الدعم العسكري اللازم للقوات السورية لبسط سيطرتها على مدينة حلب بأكملها. ويعتبر أحد المحللين أن موسكو تخوض «حرباً شاملة» لتحقيق انتصار في أسرع وقت على الأرض يمنح دمشق قوة كبرى في المفاوضات المقبلة. وندد السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة أمس الاثنين بـ «جرائم حرب ترتكب في حلب».

تبذل روسيا أقصى طاقتها لمساعدة النظام السوري على استعادة سيطرته على مدينة حلب، انطلاقاً من اعتبارها أنه من الأفضل تحقيق انتصار عسكري على مواصلة المفاوضات المتعثرة مع واشنطن، وفق ما يرى محللون.
ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فابريس بالانش «قررت روسيا المضي في ذلك لأنها لم تعد تؤمن بإمكانية التعاون مع الولايات المتحدة في سوريا».
ويضيف «أنها الحرب الشاملة لأن موسكو لم تعد تؤمن بأن واشنطن قادرة على القيام بأي شيء في سوريا جراء عدم الرغبة وعدم القدرة».
وتنفذ الطائرات الروسية الموجودة في سوريا غارات كثيفة منذ الخميس على الأحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في حلب، بوتيرة غير مسبوقة منذ بدء تدخلها العسكري قبل عام.

«نصر حاسم»
ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الروسية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن إيغور سوتياغين أن موسكو «تريد القضاء على جيب رئيسي لمقاومة الفصائل المعارضة».
بعد ذلك، لن يبقى من مناطق المعارضة إلا محافظة إدلب (شمال غرب) وبعض الجيوب الأخرى الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، وبينها «جبهة فتح الشام»، على حد قوله.
ويعرب الباحث المتخصص في الشؤون السورية في جامعة إدنبره توماس بييريه عن اعتقاده بأن الأمر «يتعلق بمنح (الرئيس السوري بشار) الأسد نصراً حاسماً» و«القضاء على أي بديل من خلال حرمان المعارضة مما تعتبره عاصمتها». ويضيف «طرد الفصائل من حلب يحولها إلى صفوف المعارضة الهامشية».
وإذا كانت موسكو شكلت منذ بداية النزاع منتصف آذار (مارس) 2011 الداعم الأبرز للرئيس السوري في مواجهة الفصائل المعارضة ودول الغرب وبلدان الخليج، في الميدان كما في الأمم المتحدة، فإن العلاقة الثنائية لم تكن وثيقة بقدر ما هي عليه اليوم. إذ أن موسكو وبعد كثير من التردد، تبنت خيار القوة في حلب، وهو ما كان النظام يريده منذ فترة طويلة.
ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية بسام أبو عبدالله «أصبحت روسيا أكثر قناعة برأي الحكومة السورية»، موضحاً أنها سابقاً «كانت تركز على الحل السياسي ودخلت في حوار مع الخليج ومع الولايات المتحدة وبلدان أخرى، لكن تبين أن هذا الأمر غير ممكن».
ويرى أستاذ العلوم السياسية والباحث الروسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الكسي مالاشينكو أن تحقيق انتصار في حلب يضع السلطات السورية في موقع قوة قبل «المفاوضات المقبلة» التي يأمل الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا باستئنافها.

«الرئيس القوي»
وبحسب بالانش، «من دون حلب» لا يمكن للأسد أن يكون رئيساً قوياً، مضيفاً «حتى يتمكن من الحكم فعلياً يحتاج إلى حلب». وحينها بإمكانه القول إن المدن الرئيسية في البلاد باتت تحت سيطرته، أي دمشق وحلب وحماة وحمص التي استعادت قواته السيطرة عليها في العام 2014.
ويقول المحلل الروسي المتخصص في السياسة الخارجية فيودور لوكيانوف «يود الروس والسوريون السيطرة بالكامل على حلب وبعدها فقط التفاوض مع المعارضة»، معتبراً أن حلب «تلعب دوراً محورياً».
وبعيداً عن معركة حلب، يبدو أن التعاون بين موسكو ودمشق يستجيب لمصالح على المدى الطويل. ويقول مالاشينكو في هذا الصدد «لا يمكن للأسد الحصول على شيء من دون موسكو، وتدرك روسيا بدورها أنها، من دون الأسد ستطرد من الشرق الأوسط»، مضيفاً «أنها صداقة قسرية».
ويعيد مشهد الأبنية المدمرة في حلب إلى الأذهان مشهد غروزني حيث أقدم الجيش الروسي على تطبيق حكمته القديمة «المدفعية تدك والمشاة يحتلون».
في تلك الفترة، نفذ الجيش الروسي في بعض الأحيان مئات الغارات الجوية يومياً، يضاف إليها قصف مدمر للمدفعية التي انتشرت حول غروزني.
لكن الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتس يؤكد أن «لا علاقة للتكتيكات العسكرية الروسية في حلب مع تلك التي تم تطبيقها في غروزني»، وأن «لا مجال للمقارنة».
إلا أن الغرب يعبر عن قناعته بأن الإستراتيجية الروسية لا علاقة لها بفشل المفاوضات، متهمين موسكو بأنها استغلت الهدنة لمحاولة تحسين مواقع النظام على الأرض.
فقد أصدر وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي السبت بياناً تضمن انتقادات حادة لروسيا وجاء فيه أن «القصف المروع لقافلة إنسانية (الذي اتهمت به الطائرات الروسية والسورية)، والرفض العلني للنظام وقف الأعمال القتالية، والتقارير المتواصلة التي تفيد بأن النظام يستخدم الأسلحة الكيميائية، والهجوم غير المقبول للنظام في شرق حلب بدعم من روسيا، أمور تتناقض بشكل فاضح مع التصريحات الروسية بدعم الحل السياسي».
وندد السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر خلال الاجتماع الأخير لمجلس الأمن حول سوريا الأحد بما اعتبره «جرائم حرب ترتكب في حلب»، واتهم دمشق وموسكو بالمضي في الحل العسكري واستخدام المفاوضات «للتمويه». وشدد على أن بلاده تطالب بالتطبيق الفوري للاتفاق بين موسكو وواشنطن بشأن وقف القتال «ابتداء من حلب».

فرانس24/ أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق