رئيسيسياسة عربية

ميثاق وطني يحدد الثوابت ينطلق من الساحة المسيحية

انتقل الصراع بين السنة والشيعة في لبنان من الشارع الى المؤسسات الدستورية والامنية. وتخضع ادارات ومؤسسات الدولة لعملية تجاذب وشد حبال تؤدي الى شلل كامل، بات ينذر باخطر العواقب وانهيار الدولة.

ادت استقالة حكومة نجيب ميقاتي، وفشل الرئيس المكلف تمام سلام في تشكيل حكومة لعدم تمكنه من تجاوز الشروط والمطالب التي وضعها بعض الاطراف السياسية، واصرار بعض الكتل النيابية على اختيار الاسماء وتوزيع الحقائب والطلب من سلام ترؤس الحكومة بعد التوقيع على مراسيم التأليف مع رئيس الجمهورية من دون ان يكون له اي دور في اختيار الوزراء، الامر الذي وجد فيه الرؤساء السابقون للحكومة انتقاصاً من صلاحيات الرئاسة الثالثة، هذه المواقف فجرت الخلاف بين السنة والشيعة داخل المؤسسات حول الصلاحيات وحول تفسير الدستور، بعد تمسك كل فريق بوجهة نظره. فالرئيس نبيه بري اصر على الدعوة الى عقد جلسة تشريعية للمجلس استناداً الى الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور، قابله تمسك الرئيس ميقاتي بصلاحياته لعدم جواز التشريع في ظل حكومة مستقيلة. فلا يحق للمجلس التشريع خارج العقدين العاديين الا بموجب مرسوم فتح دورة استثنائية تحدد الزمان ومواضيع البحث. كما يقتصر البحث في ظل حكومة تصريف الاعمال، سواء في مجلس النواب او في الحكومة، على المواضيع الطارئة وتلك الملزمة بمهل قانونية، وخلاف ذلك لا يحق لمجلس النواب والحكومة البحث في اي موضوع يمكنه ان ينتظر تأليف الحكومة، والا فيحق للمجلس ان يشرع في ظل حكومة مستقيلة، وعندها لا عجلة في  تشكيل الحكومة، ويبقى المجلس هو المتحكم بالسلطة التنفيذية كما هي الحال الان.

اصرار على المواقف
لم يتوصل رئيسا المجلس والحكومة المستقيلة في الاجتماع الذي عقداه في بعبدا، برعاية الرئيس ميشال سليمان، الى صيغة تسوية لمعالجة الخلاف حول الصلاحيات، فتسلح كل طرف بدراسة تدعم موقفه على اعتبار انه نابع من صلاحياته. وتخشى مصادر سياسية من ان يتجه النظام الى نظام مجلسي، فيحل المجلس محل السلطة التنفيذية حتى في التعيينات الادارية، وفق مخاوف اوساط السرايا. وفي غياب اية مرجعية لحسم الخلاف بين السلطات بعدما نزعت الصلاحيات من رئيس الجمهورية الذي كان مفترضاً ان يكون هو الحكم، وفي غياب اية رعاية خارجية، تبقى الدولة في حال شلل يتآكلها، ويخشى البعض من ان يؤدي تعنت الاطراف الى انهيار الدولة في غياب اية خطوة انقاذية يقوم بها القادة السياسيون من خلال التراجع امام الوطن، لان للوطن عليهم الحق بحماية المصالح الوطنية، كما يقول مسؤول سابق.
وامام تعنت الاطراف، وتمسكهم بمواقفهم، يتخوف عدد من الديبلوماسيين من ان يؤدي هذا الامر الى انكشاف الوطن في هذا الظرف على كل الاحتمالات، لا سيما الامنية منها، بعدما رفضت اطراف ممثلة في الحكومة، سياسة النأي بالنفس والتزام اعلان بعبدا الذي نص على حياد لبنان عن الصراعات الخارجية، واصرار اطراف سياسية على التورط في الحرب السورية من خلال ارسال مقاتليها للمشاركة في القتال الى جانب النظام، مما ساهم في استجلاب النار السورية الى الساحة اللبنانية، تنفيذاً لما قاله الرئيس بشار الاسد عند اندلاع الحرب في سوريا «انه اذا لم تتوقف المؤامرة على سوريا فانها ستشعل المنطقة بدءاً من دول الجوار».
وامام انغلاق كل النوافذ والسبل لايجاد حلول للازمة السياسية التي باتت متشعبة الاهداف، يبحث البعض عن مخارج، بعدما فشل «الابداع اللبناني» في استنباط افكار تساهم في اخراج لبنان من حال الجمود والشلل والانهيار. ويكشف مطلعون عن اتصالات بعيدة عن الاضواء تجري داخل الشارع المسيحي من اجل التوصل الى اتفاق بين التيارات المسيحية من 8 و14 اذار على ميثاق جديد ينص على المسلمات والثوابت الوطنية، ويتم الاعلان عنها في مؤتمر،  تعقبه دعوة الشركاء في الوطن الى التوقيع على هذه الوثيقة التي تعتبر المنفذ من الازمة القائمة، فتلتزم مكونات الوطن في هذه الثوابت، ولا يعود الدستور وجهة نظر والالتزام به يصبح مقدساً وواجباً وطنياً. ويرى احد السياسيين ان توزع القوى المسيحية بين 8 و14 اذار وعدم وجود الحد الادنى من الاتفاق في ما بينهم ساهما في حال الضياع والفراغ. ويقول نائب من مسيحيي 14 اذار ان  بعض القوى السياسية التي تتأثر بما يجري في المنطقة تحدد مواقفها المحلية من ارتباطاتها الخارجية وليس من المصلحة الوطنية، والادلة كثيرة على ذلك، منها تورط حزب الله في الحرب في سوريا على رغم اقتناعه بتداعيات التورط على الساحة اللبنانية، الا ان موقفه جاء بناء على اوامر من ايران. وعلى رغم دعوة الرئيس سليمان الحزب للعودة الى الوطن وسحب مقاتليه من سوريا، فان الدعوة لم تلق الاذان الصاغية بل لقيت المزيد من التورط مما قد يزيد الشرخ بين السنة والشيعة و يدفع الى اشعال نار الفتنة.

الخروج من المأزق
كيف الخروج من المأزق السياسي وعودة الحياة الى طبيعتها؟ ينقل وزير سابق عن الرئيس حسين الحسيني قوله: هناك خريطة طريق واحدة تعتبر منفذاً للخروج من الازمة – المأزق تقوم على الاسراع في وضع قانون الانتخاب واجراء الانتخابات في اسرع وقت، فتفرز حالة سياسية جديدة وتضع حداً للانقسام العمودي الحاد. فلا يعقل ان تتجه دول المنطقة الى الانتخابات وان يتجه لبنان الى بدعة التجديد امام كل استحقاق دستوري. ويشير احد الوزراء الى ان الساحة اللبنانية باتت مرتبطة بازمة المنطقة وبات حلها رهناً بحل الازمات فيها. ان ما يجري في مصر قد تكون له تداعيات مهمة على الاوضاع في المنطقة لا سيما على لبنان. ويعمل المسؤولون وفق احد الوزراء على ابقاء الحد الادنى من الاستقرار قائماً بانتظار الحل، ومنع تورط الحزب من ان يترك تداعيات امنية على الساحة المحلية.

ف. ا. ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق