سياسة لبنانية

سلام: ساعدوا اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية

لبنان ليس بلد لجوء دائم فهو وطن نهائي للبنانيين جميعاً

ألقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيها:
لقد شهد عام 2016 جهوداً دولية جبارة رعتها أو ساهمت فيها هيئة الأمم المتحدة، من أجل تحسين قدرة الأسرة الدولية، على مواجهة تحديات العصر غير المسبوقة، وحشد الإرادات للحد من الصراعات المسلحة وتعزيز المجتمعات.
ولعل أبرز هذه المحطات توقيع ممثلي 175 دولة اتفاق باريس حول التغير المناخي، الذي جرى في هذه القاعة في نيسان (ابريل) الماضي، والقمة الانسانية التي عقدت في اسطنبول في شهر أيار (مايو).
إن لبنان، إذ يشدد على تنشيط عمل الجمعية العامة لجعلها أكثر فعالية في معالجة القضايا التي تهم الإنسانية جمعاء، يأسف لأن يكون مجلس الأمن قد أخفق مراراً في معالجة النزاعات التي تعصف بالعديد من الدول، ولا سيما في منطقتنا، ويؤكد على أهمية إصلاح هذا المجلس، بطريقة تعكس الوقائع السياسية والاقتصادية والديموغرافية، المستجدة في العالم.
وقال: يعيش بلدي لبنان أزمة سياسية حادة، عنوانها الأبرز، هو عجز مجلسنا النيابي منذ أكثر من سنتين ونصف سنة، عن انتخاب رئيس للجمهورية. وقد أدت هذه الأزمة إلى شلل شبه كامل للسلطة التشريعية، وتباطؤ عمل السلطة التنفيذية، فضلا عن إنعكاسها السلبي على الوضع الاقتصادي.
إن جميع الدول الشقيقة والصديقة، وكل المطلعين على الشأن اللبناني، يعرفون خصوصية الواقع السياسي في بلادنا، ومدى تأثره بالعوامل الخارجية، وفي مقدمها التجاذب الاقليمي الحاد، الذي تحول صراعاً مفتوحاً على مساحة المنطقة.
ولذا، فإن الواقعية تفرض علينا الإعتراف بأن حل مشكلة الشغور الرئاسي في لبنان ليس في أيدي اللبنانيين وحدهم.
إنني أوجه نداء إلى كل أصدقاء لبنان ومحبيه، وإلى كل الحريصين على عدم ظهور بؤرة توتر جديدة في الشرق الأوسط، من أجل مساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، لإعادة التوازن إلى مؤسساتنا الدستورية، وحماية نموذج العيش المشترك اللبناني، الذي هو أبرز ما تبقى من تجارب التعددية في الشرق.
قلنا من على هذا المنبر ونكرر، إن الحرب السورية المؤلمة انتجت أزمة نزوح حملت لبنان أعباء تفوق قدراته. نحن بلد يستضيف، على امتداد مساحته الصغيرة، أعداداً من النازحين السوريين توازي ثلث عدد سكانه. نقوم بواجبنا الإنساني تجاههم بإمكانات محدودة، ترفدها مساعدات دولية غير كافية. إننا نشعر بخيبة أمل إزاء مستوى الإستجابة الدولية لاحتياجاتنا كبلد مضيف، التي لا تتناسب مع الوعود التي أطلقت، والنوايا الحسنة التي جرى التعبير عنها في أكثر المناسبات.
إن لبنان، الذي توقف عن استقبال نازحين جدد، يطالب الأمم المتحدة بأن تضع تصوراً كاملاً لإعادة كريمة وآمنة للنازحين السوريين الموجودين على أرضه، إلى مناطق إقامة داخل سوريا، وأن تتولى العمل مع الأطراف المعنيين على تحويلها الى خطة قابلة للتنفيذ في أسرع الآجال. وفي انتظار بلورة هذه الخطة، نشدد مرة أخرى على الطابع الموقت للوجود السوري في لبنان، ونعلن أن بلدنا ليس بلد لجوء دائم، وأنه وطن نهائي للبنانيين وحدهم.
ما زال لبنان يعاني من مخاطر الارهاب، ويخوض معه مواجهات مفتوحة، دفع ثمنها غاليا من أرواح أبنائه العسكريين والمدنيين.
إننا نعلن، التزامنا مكافحة هذه الآفة بمختلف وجوهها ومظاهرها، ونشدد على أهمية التعاون الاقليمي والدولي في التصدي لها.
إننا نعتبر أن انغلاق المجتمعات على نفسها، والانكفاء وراء جدران عازلة، وتعزيز الخوف المرضي من الإسلام، الذي يرفع الارهابيون رأيته زوراً، ليست الدواء الناجع لمكافحة الارهاب، بل هي وصفة لظهور نزعات عنيفة ومتطرفة وعنصرية، كانت الديموقراطيات المتقدمة قد نبذتها منذ زمن.
إن مواجهة الارهاب مسار طويل، يتطلب جهوداً كبيرة متعددة المستويات. إن المدخل إلى ضرب هذه الظاهرة، يكمن في السعي لمعالجة جذورها، وإزالة المناخات التي تساهم في تأجيجها، عبر رفع الحرمان والظلم اللذين يشكلان بيئة حاضنة للتطرف، وتلبية المطالب المحقة للشعوب في الحرية والكرامة والمساواة، ورفض كل اشكال العنف والإقصاء.
في الذكرى العاشرة لصدور قرار مجلس الأمن الرقم 1701، يؤكد لبنان التزامه هذا القرار بجميع مندرجاته، ويطالب المجتمع الدولي بإلزام اسرائيل وقف خرقها للسيادة اللبنانية، والتعاون الكامل مع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام «اليونيفيل»، لترسيم ما تبقى من الخط الأزرق والإنسحاب من منطقة شمال الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
إن لبنان يتمسك بحقه الكامل في مياهه وثروته الطبيعية من نفط وغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة.
لقد طلب لبنان من الأمين العام للامم المتحدة خلال زيارته بيروت في آذار (مارس) الماضي، بذل المساعي الحميدة في قضية ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة بينه وبين اسرائيل، وهو يتطلع إلى تفعيل دوره في هذا المجال.
إن لبنان يدين استمرار اسرائيل في احتلال الأرض الفلسطينية، وحصارها قطاع غزة، وعرقلة عملية إعادة بناء ما دمره العدوان الاسرائيلي في صيف 2014، ويطالب بتطبيق مبدأ المساءلة القانونية في جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل، ومنعها من الافلات من العقاب.
إننا نحمل اسرائيل مسؤولية إفشال جهود التسوية السلمية، ونؤكد على ضرورة قيام حل عادل وشامل ودائم للصراع على اساس قراري مجلس الأمن 242 و338، ومرجعيات مدريد للسلام ومبادرة السلام العربية. كما نشدد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم، وفق القرارات الدولية.
في هذه اللحظة التي نتحدث فيها، تستمر دورة العنف الكبرى في المشرق العربي، فتدمر بيوت وأرزاق ومستشفيات ودور عبادة، وتقتلع جماعات من أرضها ليلقى بها في المجهول… وتزال من الجغرافيا، مدائن عظيمة، لم تشفع لها مكانتها في التاريخ وقيمتها في التراث الإنساني.
إننا نجدد الدعوة الى كل القوى المؤثرة، للخروج من حالة الترقب والتردد، وإلى تحمل مسؤولياتها والعمل الجاد على وقف نزيف الدم، وإعادة الأمن والإستقرار إلى منطقتنا.
إننا نناشد الجميع بذل جهود صادقة وفعلية في محاربة الإرهاب الظلامي، ونحذر من مخاطر العبث بالخرائط وتهديم الكيانات القائمة، وتغيير الطبيعة الديموغرافية للمجتمعات، وتهديد التماسك الاجتماعي، والتنوع الديني فيها.
إننا نعتبر أن الشرط الأول لتثبيت الاستقرار وإزالة بؤر التطرف في الشرق الاوسط، هو تلبية المطالب المحقة للشعوب في العيش باستقلال وكرامة وحرية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
إننا نشدد على أهمية إقامة علاقات سلمية بين دول المنطقة، تقوم على قاعدة حسن الجوار، واحترام سيادة البلدان الاخرى وعدم التدخل في شؤونها، ونطالب بتعزيز ثقافة السلام والحوار لحماية واحات التنوع في الشرق.
في قلب الزلزال العظيم الذي يعيشه المشرق، حيث تهتز الخرائط والكيانات، وتلفظ المجتمعات أهلها موجات لا تنتهي من النازحين… يقف صامدا كيان صغير اسمه لبنان، عاند حتى الآن كل الهزات الإرتدادية لما يجري حوله، وقدم إلى العالم نموذجا مناقضا للمسار الذي يراد له أن يثبت عدم قدرة منطقتنا على احتمال التعايش بين المختلفين.
لبنان هو فكرة عالية عن تصالح الانتماءات… والنقيض الصارخ للدولة العنصرية ذات اللون الواحد النابذ لكل الأطياف… هو مختبر للشراكة، في زمن تتحارب فيه المذاهب والقوميات والإتنيات، وتضيق الأوطان بناسها.
هذا النموذج يعاني من وهن سياسي… ويحتاج من العالم يداً ممدودة. وإلى ذلك الحين، سيبقى اللبنانيون – في قلب الشرق المقهور- ثابتين على عهد العيش الواحد في وطن موحد».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق