افتتاحية

وقاحة… ما بعدها وقاحة

وقع المحظور وتسلم فخامة الفراغ رئاسة الجمهورية من الرئيس ميشال سليمان الذي غادر قصر بعبدا قبيل انتهاء ولايته بساعات، عائداً الى منزله في عمشيت، بعد حفلة وداعية القى خلالها خطاباً كرر فيه الدعوة الى النواب لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
مرة جديدة يثبت عدد كبير من النواب انهم ليسوا اهلاً للمسؤولية، وان الشعب اللبناني كان على خطأ كبير يوم اختارهم ليمثلوه في المجلس النيابي، فاذا بهم يتقاعسون عن القيام بالمهمة، فلم يمثلوا سوى انفسهم ومصالحهم الشخصية والفئوية بعيداً عن مصلحة الوطن.
والانكى من ذلك انهم يسمون تقاعسهم وتمنعهم عن حضور جلسات انتخاب الرئيس ديمقراطية. فبئس هذه الديمقراطية، وبئس هذا الادعاء المزيف الذي يعرف الجميع كباراً وصغاراً اسبابه ودوافعه: لم تكن هناك اسباب قاهرة كالحروب مثلاً، او الاضطراب الامني او الكوارث الاخرى، هي التي حالت دون انتخاب رئيس للجمهورية، بل انها المصالح الشخصية البعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن، الذي ابتلي باشخاص لا يستحقون ان يكونوا في مواقعهم.
من المتعارف عليه في كل دول العالم ان الانسان الذي لا يقوم بواجبه، يفصل من العمل ويطرد، لانه مقصر. فلماذا لا نطبق هذه القاعدة على النواب الذين فرطوا بالوكالة التي منحهم اياها الشعب، فنطردهم من المجلس النيابي ونأتي بغيرهم اكثر كفاءة، يتمتعون بحس المسـؤولية فيقومون بواجباتهم التي كلفهم بها الشعب؟
ثم لماذا ينتظرون ان يطردوا، ولماذا لا يعمدون من تلقاء ذواتهم الى طرد انفسهم، فيغادرون مقاعد المجلس عائدين الى منازلهم، معترفين بعدم اهليتهم لتحمل المسؤولية؟
انهم على كل حال ليسوا شرعيين. لقد مددوا لانفسهم دون الرجوع الى الشعب الذي ولاهم، فلماذا هذا التجديد طالما انهم لا يريدون ان يقوموا بواجبهم؟ افما كان من الافضل ان نبقى بلا مجلس نيابي لا ينتج ولا يعمل؟
انهم يقبضون رواتبهم من جيوب الناس، ويمنحون انفسهم امتيازات خيالية. فهم مثلاً يستمرون في قبض رواتبهم من الخزينة مدى الحياة، بمجرد ان يدخلوا مرة واحدة الى الندوة النيابية، سياراتهم معفية من الضرائب وو… ثم يأتون ليواجهوا الشعب بعدم قيامهم بمسؤولياتهم، فمن يحاسب هؤلاء؟
سمعنا احد الوزراء وهو ينتمي الى فئة متخلية عن القيام بواجباتها، سمعناه يقول ان ما بعد الفراغ ليس مثل ما قبله، متجاهلاً انه هو ونوابه من تسببوا بالفراغ، وعطلوا جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اليس في هذا وقاحة ما بعدها وقاحة؟
ثم ان النواب المتقاعسين لم يلتزموا الصمت عملاً بمبدأ «اذا بليتم بالمعاصي فاستتروا»، فراحوا يطلقون التصاريح مبررين تقاعسهم واصفين اياه بانه عمل ديمقراطي ومتهمين غيرهم بالتعطيل. فمن يحاسب كل هؤلاء؟
طبعاً من المفروض ان يحاسبهم الشعب الذي انتخبهم على اساس ان يدافعوا عن مصالحه ومصالح الوطن، ولكن عن اي شعب نتحدث، وهو غارق في سبات عميق، لا يفقه معنى ان تكون البلاد بلا رئيس؟ وقد يكون هذا الموقف وهذه اللامبالاة هما وراء تصرف بعض النواب لانهم يعلمون ان الحساب لن يطاولهم.
حدثني صديق مصري الجنسية قال «ان المشير عبد الفتاح السيسي رجل شجاع، وسنسلمه البلاد للدفاع عنها. ولكن الفضل الاول والاخير يعود الى الشعب، الذي انتفض ضد الخطأ واقصى من اقصى، واختار من اختار لتسلم السلطة. فالشعب المصري رغم فقره وانشغاله باموره المعيشية، يلقي كل شيء وراء ظهره، عندما تدعو مصلحة الوطن ذلك. واعذرني يا صديقي ان قلت لك ان الشعب اللبناني وضع ولاءه الوطني جانباً واندفع وراء قوى خارجية لا يهمها سوى مصلحتها ولو كان الشعب اللبناني يهتم بمصلحة وطنه، لما التزم الصمت حيال ما يجري، ولما قبل ان تبقى البلاد بلا رئيس، ولو لدقيقة واحدة، بل كان عمد الى طرد المتقاعسين وسد امامهم طريق الدخول الى الندوة اللبنانية».
فمتى يقيض الله للبنان شعباً يعطي الاولوية لمصلحة وطنه، ومتى يقيض له اشخاصاً يكونون على قدر تحمل المسؤولية، لتصحح الامور ويعود الحق ليسود في البلاد؟ هل هذا كثير ما نحلم به؟

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق