سياسة لبنانية

أزمة «المأزق الشامل والهامش الضيق» عون يحرج حزب الله… وسلام يحتمي بـ «بري»

«كرة التصعيد» التي أطلقها العماد عون استقرت أولاً في ملعب رئيس الحكومة تمام سلام المعني بما سيؤول إليه مسار الحكومة ومصيرها. ومن الطبيعي أن «يلجأ» سلام الى الرئيس نبيه بري ويحتمي به، إذ إنه غير قادر بمفرده على اتخاذ قرار سياسي على درجة من الدقة والحساسية السياسية والطائفية. فإذا قرر السير بانعقاد الجلسة من دون حضور وازن للمكوّن المسيحي سيواجه باتهامات «خرق مبدأ الميثاقية وتحدي المسيحيين»… وإذا قرر تأجيل الجلسة أو إلغاءها يكون قد تنازل أمام عون وأعطاه ما يريد وسيكون هذا حافزاً للمضي في التصعيد وطلب المزيد…
من الواضح أن بري هو الذي أخذ على عاتقه مهمة التصدي لهجوم عون وتطويقه وإجهاض مفاعيله. وهو بذلك أراح سلام ووفر على المستقبل عناء المواجهة نازعاً عنها طابع المواجهة السنية – المسيحية. ويبدي بري من البداية الحزم في التعاطي مع الوضع المستجد ولا يدع مجالاً للشك في أن عون سيكسب هذه الجولة ولا يترك له إلا منفذاً وحيداً للتراجع. الرئيس بري يعتبر أن غياب وزراء تكتل الإصلاح  والتغيير لا يؤثر في وضع الحكومة ولا يقدم ولا يؤخر فيها ولا ينزع صفة الميثاقية عن جلساتها، وأن الحكومة تستمر مع أو من دون عون طالما أن هناك أكثرية مسيحية «عددية» متوافرة.
الرئيس بري يشجع سلام و«يحرّضه» على عدم الخضوع لمشيئة عون وعدم تمكينه من تسلم زمام المبادرة والتحكم بالحكومة وجلساتها وقراراتها. ويلقى بري في هذا المجال مساندة من تيار المستقبل حليفه الموضوعي ومن جنبلاط حليفه الدائم وتفهما من قوى مسيحية أبرزها تيار المردة… ولكن يبقى موقف حزب الله والكلمة الفصل له في تحديد الوجهة النهائية للأمور… فإذا كان سلام الحلقة الأضعف في اللعبة يحتاج الى دعم بري، فإن بري يحتاج الى موافقة حزب الله الحلقة الأقوى حكومياً بغض النظر عن عدد وزرائه…
السؤال المطروح: كيف سيتصرف عون بعد جلسة الخميس، ومن الان فصاعداً؟!
الجواب يتحدد في ضوء موقف حزب الله الذي يواجه موقفاً حرجاً: فلا هو قادر على مجاراة عون في تصعيده الذي يمكن أن يتدحرج الى تهديد الحكومة والى أزمة حكم ونظام ليس وقتها الآن، ولا هو قادر على مجاراة بري في عملية التصدي التي يمكن أن تؤدي الى كسر عون وإضعاف موقعه السياسي و«التفاوضي» وأوراقه الرئاسية، خصوصاً وأن معركة الرئاسة، التي هي معركة حزب الله الأساسية في هذه المرحلة، بلغت مرحلتها النهائية وأشواطها الأخيرة والحاسمة…
حزب الله لا يمكنه أن يكون في موقع المتفرج ومكتوف الأيدي ازاء ما يحصل، ولا يمكنه إلا التدخل وممارسة نفوذه لدى حليفيه بري وعون للوصول الى مخرج وحل وسط «لا يميت ذئب بري ولا يُفني غنم عون». وهذا معناه مسايرة عون في الشكل وحفظ وضعه المعنوي والتناغم مع بري في المضمون والقرار السياسي.
أياً تكن تطورات الوضع الحكومي، يمكن الخروج بالاستنتاجات والخلاصات الأولية الاتية:
1- وصل التيار الوطني الحر في الحكومة الى ما وصل إليه حزب الكتائب من شعور بالتهميش والتجاهل والاستخفاف بموقعه ودوره. ولكن ردة الفعل تختلف، ومن المستبعد إقدام عون على خطوة الخروج والاستقالة من الحكومة، ومن المرجح أن يكتفي بخيار المقاطعة وتسجيل موقف اعتراضي وإطلاق إشارة تحذيرية، وتقف الأمور عند هذا الحد… لأن أي تجاوز لحدود اللعبة وقواعدها ينعكس على ظروفه وفرصه الرئاسية…
2- هامش الخيارات المتاحة أمام عون هو هامش ضيق، لأن التصعيد المتفلت من الضوابط يدفع من جهة باتجاه سقوط الحكومة، وهذا ما لا يريده أحد ولا مجال لحدوثه في ظل فراغ رئاسي وتعذر تشكيل حكومة جديدة… ويدفع من جهة ثانية باتجاه نقل الأزمة من الحكومة الى الشارع وكل طرف لديه شارع ما سيجر الى الفوضى والمجهول وسقوط الاستقرار العام، هذا بغض النظر عن مدى القدرة على تحريك الشارع ومدى استعداد وتقبّل المزاج المسيحي للنزول الى الشارع، إذ يعتبر أن المعركة الدائرة حالياً وعنوانها الرسمي موضوع قيادة الجيش لا تهمه ولا تعنيه، وهو حساس تجاه الجيش ولا يستسيغ زج الجيش في المعارك السياسية سواء كانت حكومية أو رئاسية…
3- بقدر ما يشكل موقف حزب الله مؤشراً مهماً في معركة عون، فإن المؤشر الفعلي يبقى في مدى قدرة عون على حشد التأييد المسيحي وتحديدا لجهة:
– استقطاب أكبر عدد من الوزراء المسيحيين، فإذا لم يتمكن من تأجيل الجلسة، عليه على الأقل أن يثبت هزالها وضعفها وأن يفرغها من مضمونها المسيحي…
– الحصول على دعم القوات اللبنانية المحرجة أيضاً والعالقة بين دقة المرحلة التي تتطلب عدم المس بالحكومة، واتفاق معراب والالتزام بموجبات التعاون والتنسيق مع التيار الوطني الحر… ولا يخفف من هذا الموقف المحرج إلا وجود القوات خارج الحكومة وأنها غير معنية بما يجري داخلها.
– تلقي دعم بكركي في معركة تعطى صفة «ميثاقية» ويجري ربطها بالتوازنات والحقوق والأدوار والأحجام الطائفية…     
4- الأزمة الحكومية عنوانها الرسمي قيادة الجيش ولكن عنوانها الفعلي هو رئاسة الجمهورية، وهي انعكاس لانسداد أفق التسوية التي لاحت فرصتها قبل أسابيع وضاعت سريعاً، ما جعل أن محطتي الحوار في آب وأيلول ما عادتا تشكلان أهمية وقيمة.
5- يتأكد من جديد أن المعركة الرئاسية تدور عملياً بين عون وبري: بري يرى في عون «العقدة» والعقبة أمام خطته (معادلة فرنجية – بري – الحريري زائد جنبلاط)، وعون يعتبر بري العقبة الأساسية في طريقه الى قصر بعبدا. عون يعتبر أن بري مسؤول عن إفشال حواره مع الحريري، وبري يعتبر أن عون لا يخوض إلا المعارك السياسية الفاشلة…
من الواضح الآن أن «الاتفاق النفطي» لم يغيّر شيئاً في واقع الحال والعلاقة بين بري وعون… الملف النفطي شيء والملف الرئاسي شيء آخر. ولكل ملف حساباته عند بري القائل بأن «عدس بترابو كل شي بحسابو»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق