سياسة لبنانية

ماذا يجري في التيار الوطني الحر؟!

تتابع أوساط سياسية عن كثب ما يجري داخل التيار الوطني الحر من تجاذبات وخلافات، وتولي هذا الوضع المستجد أهمية نظراً لانعكاسه السلبي على وضع ودور التيار الذي يشكل وزناً وثقلاً في معادلة الحكم والسياسة، وهذه الأوساط، (بمن فيهم «حلفاء التيار»)، تتوقف عند جملة ملاحظات واستنتاجات أبرزها:
1 العماد عون حرص على تسليم الوزير جبران باسيل رئاسة التيار الوطني الحر وهو بعد ما زال موجوداً ومتمتعاً بحيوية سياسية وشعبية، لضمان مستقبل التيار وتفادي حدوث انقسامات وتصدعات فيه… ولكن هذا التسليم أو «التوريث الحي» لم يحل دون حدوث ذلك في وجود الجنرال وتحت أنظاره.
2- يواجه باسيل تحديات لسلطته و«متاعب حزبية» من الآن، وفي ظل العماد عون الذي يستمد منه القوة والتغطية و«الشرعية السياسية»… فكيف سيكون عليه الحال مستقبلاً عندما سيخوض باسيل منفرداً تحدي البقاء وإثبات الوجود.
3- ترى هذه الأوساط الحليفة أن باسيل استعجل عملية السيطرة والإمساك بالتيار وقراره وحرق المراحل. ومثل هذه الإجراءات لا يقدم عليها رئيس حزب، أي حزب، إلا بعد سنوات من تمرسه وتثبيت سلطته وإمساكه بمفاصل القرار واللعبة…
4- هذه الاهتزازات الداخلية التي تشير الى وضع غير مستقر داخل التيار الوطني الحر تحدث في توقيت سياسي غير مناسب أو سيىء بالنسبة الى العماد عون الذي يخوض أهم وآخر معاركه السياسية، معركة رئاسة الجمهورية التي لا تحتمل مؤشرات ضعف في بيته وبيئته وأوراقه التفاوضية.
فماذا يجري في التيار الوطني الحر؟! وأين تكمن المشكلة؟!
أربعة «تطورات – محطات» ساهمت في تكوين المشكلة، وهي حسب الترتيب الزمني:
1- تسلم الوزير جبران باسيل رئاسة التيار الوطني الحر بقرار ورغبة من العماد ميشال عون الذي شاء أن يحصل هذا الأمر «على أيامه»، وهذا القرار وفر على باسيل وقتاً وجهداً واختصر له المسافة الزمنية والسياسية، ولكنه لم يمر من دون انتقادات وتساؤلات، لأن هذه الخطوة تضع التيار الوطني الحر في مصاف الأحزاب التقليدية التي يطبق فيها مبدأ الوراثة السياسية «العائلية»، ولأن باسيل ليس موضع إجماع عند العونيين ولا قادراً على ملء زعامة ومرجعية عون، وجرى تحميله ما يفوق طاقته وقدرته، وليس أمامه إلا رد التحدي وتأكيد قدراته حتى لو اضطر الى اتخاذ قرارات صعبة وتصفية الحسابات مع معارضيه داخل الحزب.
2- خروج العميد شامل روكز من التقاعد العسكري الى المعترك السياسي. ورغم تأكيدات روكز المتكررة أنه ليس في التيار الوطني الحر ولا يتحرك في إطاره، وأنه يفضل الحراك الشعبي على السياسي، ومن ضمن تيار شعبي متفلت من القيود التنظيمية وبطاقات الانتساب… إلا أن وجود روكز وباسيل على أرض عونية واحدة وانتماؤهما العائلي المشترك كصهرين للجنرال، هو كاف لنشوء ثنائية يفترض أنها «تكاملية» ولكنها تتحول مع الوقت الى تنافسية، وحيث تتوافر إمكانية تحوّل روكز الى حالة أو مركز استقطاب لكوادر وعناصر التيار، وحيث من الممكن أن تترجم الثنائية الشخصية الى «ثنائية سياسية – شعبية» بين «تياريين وعونيين».
3- الاتفاق بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر الذي أعلن من معراب وكان بمثابة إعلان لـ «تحالف رئاسي» وتطويره لـ «ورقة النوايا» ونقلها من إطار المبادىء العامة الى الترجمة السياسية العملية التي بدأت في رئاسة الجمهورية وخاضت أول اختبار فعلي في الانتخابات البلدية.
«اتفاق معراب» التزم به التيار الوطني الحر، قيادة وقواعد، وأثبت عون أنه قادر على أن يأخذ تياره وجمهوره الى حيث يريد (كما حال جعجع مع حزبه وجمهوره)، ولكن لم يخلُ الأمر من تحفظات وتساؤلات عند البعض ممن كان صعبا عليهم التكيّف مع الوضع الجديد بعد سنوات من الخصومة والقطيعة وتعاطوا مع اتفاق معراب على أنه يتكوّن من شقين وبعدين: «الشق المسيحي”» المتعلق بالمصالحة وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من التنسيق والتعاون حول قضايا وملفات مسيحية… وهذا الشق موضوع تأييد من الجميع عند الفريقين ولا مشكلة فيه أو معه… و«الشق السياسي» المتعلق بكيفية إدارة علاقة سياسية وخوض استحقاقات انتخابية وتنظيم خلافات في ظل تعارض في التحالفات و«الاستراتيجيات» وتضارب في المصالح السياسية والحزبية… وهذا الجانب ما زال موضوع غموض والتباس عند شريحة عونية يعبّر عنها العميد روكز بتأييده المصالحة المسيحية من دون تحفظ من جهة، وبتحفظه على الاتفاق السياسي من جهة ثانية…
4- الانتخابات البلدية التي جرت في أيار (مايو) الماضي وكشفت، كما الحال مع باقي الأحزاب والقوى السياسية، عن وجود ثغرات ومكامن ضعف وخلل في التيار الوطني الحر على مستويات الأداء والتنظيم في أول تجربة انتخابية يخوضها في ظل رئاسة باسيل.
أظهرت الانتخابات البلدية أن باسيل غير ممسك بالأرض والقواعد كما يجب، وأن هناك حلقة مفقودة بين القيادة والقاعدة… هذا ما ظهر بشكل خاص في الأشرفية حيث تواجه نقولا صحناوي المدعوم من باسيل وزياد عبس القيادي المعارض والمشاكس… وفي جل الديب حيث خرج النائب نبيل نقولا على رأي وقرار هيئة التيار واختار اللائحة المدعومة من النائب ميشال المر… وفي جزين حيث لم يلتزم عونيون كثر في المدينة بالتصويت للائحة «خليل حرفوش»… وفي جونية حيث اضطر العماد عون للتدخل شخصياً وإنقاذ الموقف، إلخ…
وفي وقت ما تزال صفحة الانتخابات البلدية مفتوحة، أو أنها أقفلت على زغل، بادر باسيل الى فتح صفحة الانتخابات النيابية وخوض تجربة جديدة عندما دعا الى انتخابات تمهيدية داخلية لتحديد مرشحي التيار للانتخابات النيابية المقبلة… وهذه الخطوة تعد «خطوة جريئة ومتقدمة» في مجال الممارسة الحزبية الديمقراطية ولم يسبق لحزب لبناني أن أقدم عليها، ولكنها فتحت أبواباً مغلقة وتسببت بمشاكل ومتاعب كان التيار ورئيسه في غنى عنها وليس وقتها الآن… وما يحصل أن دائرة معارضي باسيل تتسع وتشمل أسماء بارزة لها وجودها وتاريخها في التيار مثل نعيم عون وزياد عبس وطوني مخيبر وأنطوان نصرالله… وفي موازاة ذلك تتسع لائحة الانتقادات والاتهامات لتشمل انحسار مساحات الحوار وقيام قمع ممنهج وتسلط شخص على حزب وتغييب آلية اتخاذ القرارات وعدم وجود معايير ديمقراطية، وتحويل التيار الى غير وجهته وروحيته، والتنقل والتحول في السياسات والخيارات والعلاقات.
التيار الوطني الحر في وضع مأزوم وقابل لأن يدخل في «أزمة فعلية». وما يجري منذ فترة هو بمثابة إنذار مبكر… هذا الوضع المأزوم ما زال حتى الآن تحت السيطرة ويتطلب تدخلاً مباشراً واحتوائياً من العماد عون قبل أن يتطور الأمر الى انشقاقات وحالات انفصالية واستقالات جماعية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق