سياسة لبنانية

«اشتباك مالي» بين بري والسنيورة بـ «خلفية سياسية»

الوضع السياسي في لبنان لا يستقر على حال ويشهد تقلبات واهتزازات، أكثرها غير مفهوم ومن خارج السياق العام… التوتر السياسي الذي كان قائماً بين بري وعون تبدد أو هو في طريقه الى الانحسار لينشب توتر مفاجىء بين بري والسنيورة في وقت تبدو علاقة بري مع الحريري في أحسن أيامها وفي ظل حوار تستضيفه عين التينة وترعاه بين المستقبل وحزب الله… والاشتباك المالي الذي حدث تكراراً في السنوات الماضية بين التيار الوطني الحر والمستقبل يحدث الآن بين المستقبل و«أمل» التي يشغل أحد وزرائها وزارة المال.
فقد فوجىء الوسط السياسي ببيان كتلة المستقبل الذي على غير عادته لم يقتصر مضمونه الانتقادي والاتهامي على حزب الله وإنما شمل وزير المال علي حسن خليل، ومما ورد فيه: «إن وزارة المال لم تقم بأي معالجة حقيقية للأوضاع المالية وتقاعست عن تدبير ما أمكن من المصادر المالية الصحيحة والمجدية لتعزيز واردات الخزينة، وما يحصل انفلات مالي في إدارة المال العام وتفشي الفساد والرشوة والهدر المالي المتفلت من أي ضوابط حقيقية»…
لم يتأخر الرد على السنيورة وجاء سريعاً وحاداً. قال الوزير خليل في رده: «لم نعرف أن دراسة مالية علمية ستخرج وزير المال السابق (السنيورة) عن طوره. وهو سخّر اجتماع كتلة المستقبل للدفاع عن تصرفاته غير القانونية بالمال العام (…) إن وزارة المال لا تحتاج شهادة من هو في موقع الاتهام وهي استطاعت أن تضبط ما كان متفلتا من حسابات لن ينسى الرأي العام 11 ملياراً منها». وقال أيضاً: «وزارة المال تفخر بإنجازها الموازنة العامة في موعدها الدستوري بعكس مرحلة السنيورة، ونتحداه ملاقاتنا أمام القضاء لنلاحقه بتهمة الفساد والرشوة»…
شرارة هذا «الاشتباك» تكمن في ملحق للتقرير الذي أعده وزير المال عن المالية العامة ويوضح فيه مسار الحسابات العالقة منذ العام 1993 وحتى العام 2010. وهذا الملحق، الذي مرّره الوزير علي حسن خليل من دون أن يثير إشكالاً داخل مجلس الوزراء، أثار حفيظة السنيورة الذي كان المسؤول المباشر عن وزارة المال وعن السياسات المالية في تلك الحقبة واعتبر نفسه معنياً بمضمون هذا الملحق الذي أرفق بتلميح الى محاسبة ومساءلة.
ولكن جهات عليمة تعتبر أن هذا الاشتباك المالي له خلفيات سياسية ويعكس جو التوتر السياسي الذي يخيم على العلاقة بين بري والسنيورة منذ شهر تقريباً بسبب موقف السنيورة السلبي من مبادرة بري ودعوته الى ثلاثية حوارية وفق مفهوم «السلة المتكاملة» من دون أن يُعرف حتى الآن ما إذا كان هذا الموقف يعبّر عن رأي شخصي للسنيورة أم يعكس موقف المستقبل ورئيسه.
الواضح أن الرئيس السنيورة هو من بادر الى التصدي لمبادرة بري ومن قاد عملية الاعتراض عليها داخل تيار المستقبل وشرع في إجراء حملة اتصالات وتعبئة سياسية لتطويق هذه المبادرة، وصولاً الى «تطيير» الجلسات الحوارية المفتوحة التي دعا إليها بري مطلع آب المقبل… ولم يخف السنيورة موقفه الاعتراضي وإنما كشفه على طاولة الحوار الوطني عندما قال علناً ومتوجهاً الى الرئيس بري بأنه لا يريد هذه الخلوة ومن الأفضل أن تسير الامور بسياقها الطبيعي وأن تستمر طاولة الحوار كما هي عليه الآن حاصرة النقاش بموضوع رئاسة الجمهورية… وبدأ السنيورة، منذ أن طرح بري مبادرته، بتشكيل قوة ضغط سياسية – نيابية داخل فريق 14 آذار لإفشال «ثلاثية الحوار»، محذراً من أنها ستفرض أمراً واقعاً و«ستأخذنا الى اتفاقات لا نريدها ولا تتوافق مع طروحاتنا، وربما توصل الى إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية».
 وترى أوساط عين التينة أن الرئيس السنيورة مرّر رسالته الاعتراضية التي فهمت جيداً وفحواها أن تيار المستقبل لا يرى في الحوار الوطني أكثر من عملية تعبئة الفراغ وتمرير الوقت الضائع، وأنه ليس مستعدا لخوض غمار تفاهمات جديدة بالشروط الإقليمية والداخلية الراهنة، ويفضل الاستمرار في المراوحة الراهنة وانتظار المتغيّرات بدءاً من انتخاب رئيس أميركي جديد… أوساط عين التينة مستاءة من عملية التشويش السياسي التي يقوم بها السنيورة، ولكنها ما زالت واثقة من الرئيس سعد الحريري وتفصل وتميّز بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق