سياسة لبنانية

ايرلوت: دعم المؤسسات الديمقراطية ركن اساسي لعملنا في لبنان

عقد وزيرا الخارجية والمغتربين جبران باسيل والشؤون الخارجية والتنمية الدولية جان مارك إيرولت، مؤتمراً صحافياً مشتركاً.
واستهل باسيل المؤتمر بالقول: «في هذه البقعة من الشرق العزيزة على فرنسا، أشهد أن بلادي لا تنوي التخاذل في أخوتها للدول التي تحارب من أجل الحرية. إن قدر فرنسا أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيسياً في ذلك. لا تزال هذه الكلمات التي قالها الجنرال ديغول في آب 1942 في بيروت يتردد صداها اليوم من حيث قوتها وانطباقها على الواقع الحالي، باستثناء أن منطقتنا لا تتخبط اليوم في حرب واحدة فحسب، بل تتجاذبها صراعات عديدة. وفي ضوء تقاطع هذه الأقدار الذي تحدث عنها الجنرال ديغول، قمنا باستعراض أهم التطورات على الساحات السياسية كافة».
وتوجه إلى إيرولت بالقول: «إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم في لبنان مغتنماً فرصة زيارتكم لتعزيز العلاقات الوثيقة الودية والأخوية بين بلدينا، وأود أن أنوه في هذه المناسبة بطبيعة العلاقات المتينة والخاصة التي تجمعنا:
أ – لقد منحتموني الشرف بأن أكون أول وزير خارجية تلتقون به بعد تعيينكم في منصبكم.
ب – جاءت زيارة الرئيس هولاند أخيرا لبيروت لتشهد على المكانة المتميزة التي تخص بها فرنسا لبنان من بين سائر الدول.
ج – تبقى المساهمة الفرنسية في قوات اليونيفيل المؤشر الأبرز على رغبتكم في المساهمة في استقرار بلدنا، وعلى نشاطكم الذي لا ينضب لإبقاء لبنان في طليعة الأولويات الدولية، بما يظهر مدى الاهتمام الذي توليه فرنسا للبنان».
أضاف: «تأتي زيارتكم للبنان اليوم في وقت نحاول فيه مواجهة تحديات جسيمة، رغم ضآلة مواردنا، معتمدين خصوصاً على دعم أصدقائنا، وفي طبيعة الحال على أمنا الحنون:
أ – ندين أشد إدانة احتلال أرضنا والانتهاكات اليومية لسيادتنا من قبل إسرائيل، وندعو إلى سلام عادل وشامل في المنطقة يقوم على مبادىء القانون، ويضمن مبدأ عودة اللاجئين الفلسطينيين. كما نرحب بكل المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه، ونكرر استعدادنا للمساهمة فيها بصورة بناءة. ونحن نرى أن دور فرنسا على هذا الصعيد يمكن أن يكون رئيسياً في ما لو اضطلعت به كما يجب، استنادا إلى مبادىء العدالة الدولية.
ب – نسعى إلى النأي بالنفس عن الأزمة في سوريا، ولكن هل يمكننا تجنب تأثيرها إذا ما دعت نفسها إلى أرضنا؟ توافقنا على أن الحل السياسي وحده يمكنه أن يضع حدا للمأساة السورية، وإن تأثير ذلك على لبنان يتجلى بشكل أساسي بالنزوح الكثيف لأكثر من مليون ونصف مواطن سوري إلى أراضينا، إضافة إلى 500 ألف لاجىء فلسطيني يقيمون على أراضينا أي بمعدل 200 لاجىء ونازح في الكلم2، وهي أعلى كثافة في العالم. وفي مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخ العالم المعاصر، حشدت الدولة اللبنانية كل مواردها، مع المحافظة على أعلى القيم الإنسانية، إلا أن تأثير هذه الأزمة بلغ حدا أصبح يهدد أمننا القومي وسلامة سكاننا.
يواجه لبنان اليوم تحدياً وجودياً، ويدعو إلى تعبئة كل الإرادات، لتطبيق الحل الدائم الوحيد لهذه الأزمة وهو ضمان عودة النازحين الآمنة إلى وطنهم. وفي هذا السياق، ذكرنا بأن أي مشروع يرمي إلى إدماج اللاجئين أو النازحين في لبنان محظور في دستورنا ومرفوض من شعبنا. لقد باتت أوروبا اليوم تواجه تحدي الهجرة الذي يهدد بإيقاظ شياطين الهوية القديمة: لقد أثبت نموذج الإندماج الأوروبي محدوديته في ما يتعلق بالرعايا الأوروبيين وحدهم، ويبدو من الوهم أن يتمكن من استيعاب موجات الهجرة الوافدة من خارج أوروبا. أما لبنان فقد استنفد قدرته الاستيعابية، ونرى أنه من المحق دعوة كل الدول إلى تطبيق مبدأ التضامن الدولي مع بلدنا، وتكريس جزء كبير من مساعداتها لمؤسساتنا العامة. وهنا أيضا، نقر بقدرة فرنسا على لعب دور يمكن أن يكون رئيسياً في ما لو تولت قيادة الجهود الدولية لصالح عودة اللاجئين إلى بلدانهم.
ج – يبقى التحدي الأكثر خطورة متمثلاً في التمدد السريع للتنظيمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة ومثيلاتها. الإرهابي هو إرهابي. ليس هناك في نظرنا من إرهاب معتدل. في هذا الإطار، لحظنا تصريحات الرئيس هولاند في وارسو الذي دعا، على أثر الأحداث التي تبنتها داعش، إلى عدم تجاهل خطر النصرة. إن هؤلاء الإرهابيين تعميهم إيديولوجيات بائتة وتدعمهم خلسة كيانات وأنظمة أو دول معاصرة حتى باتت تمثل تهديداً عالمياً وتتطلب رداً دولياً. يقف لبنان واللبنانيون اليوم، ولا سيما الجيش اللبناني، في طليعة هذه المعركة. ونشكر لفرنسا دعمها الاستراتيجي، ونعتبر أن دورها يمكن أن يكون في هذه المسألة رئيسيا كذلك الأمر».
وتابع: «تضاف إلى هذا الكم من التحديات، عوائق مؤسسية تشل لبنان. إن لبنان القوي وحده قادر على مواجهة هذه التحديات. إن لبنان المستقر وحده قادر على المساهمة في تأمين الاستقرار في المنطقة. يجب أن تنعكس قوة مؤسساتنا في انتخاب رئيس قوي للجمهورية يستمد قوته من الشرعية الشعبية. كما تترجم قوة مؤسساتنا من خلال تشكيل حكومة فعالة وشاملة تعمل في خدمة شعبنا ومن خلال برلمان يمثل تنوع مجتمعنا ويضمن المساواة بين المسيحيين والمسلمين اللبنانيين في ممارسة السلطة. لا نزال على قناعة بأن تنوعنا هو جزء من هويتنا ومصدر غنى ينبغي أن نحافظ عليه تمكيناً لنا من الاستمرار في حمل رسالة التسامح والإنسانية التي تمنح لبنان رمزية خاصة بين الدول.
في عام 1983، قال الرئيس ميتران في معرض حديثه عن لبنان إن عظمته تكمن في جرأته وحزمه وصداقاته.اليوم، يعود للبنانيين أن يسترجعوا زمام مصيرهم ويرفضوا أي تدخل في شؤونهم الداخلية. نشكر فرنسا على جهودها في هذا الاتجاه، ونعترف بدورها الرئيسي هنا أيضاً».
وختم: «إن هذه الأوقات العصيبة تهدد أساسات مجتمعاتنا الحضارية بالاهتزاز. وانطلاقاً من إيماننا بأن لبنان هو بلد حيوي في منطقة الشرق الأوسط، لا نزال على قناعة بأن رعاية فرنسا تبقى ضرورية أيضاً بالقدر نفسه لاستمرار نموذج مجتمعنا. سوف يخسر العالم الكثير في ما لو أصبح لبنان الذي نعرفه ذات يوم مجرد ذكرى جميلة. إن تقاطع أقدارنا وتضافر إراداتنا هما ضمانة بقائه».

إيرولت
بدوره، قال الوزير إيرولت: «أشكرك على هذا الترحيب الحار، لقد زرتموني فور تسلمي لمهامي، كما التقينا خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، وها نحن نلتقي مجدداً اليوم. أنا سعيد أنك ذهبت مع عائلتك لمشاهدة كأس أوروبا، وآسف لأن فرنسا لم تتمكن من إحراز اللقب. إن العلاقات بين بلدينا وبين الحكومتين هي علاقات صداقة وأخوة، وهي ليست فقط على مستوى المؤسسات إنما هناك شيء فريد، فعندما زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبنان في شهر نيسان (ابريل) الماضي، وأنا هنا في شهر تموز (يوليو) لأنقل اليكم الرسالة نفسها إن فرنسا هي أكثر من أي وقت مضى تقف الى جانب لبنان».
أضاف: «ذكرتم تحديات عدة، ومنها التحدي الأمني الذي يواجه لبنان تماماً، كما نواجه نحن التهديد الإرهابي وهو تهديد كبير. لقد كان لبنان ضحية لبعض الأعمال الارهابية، وإن تعداد المآسي لا يمكن أن ينتهي. قمت بنقل رسالة الى الكتيبة الفرنسية العاملة في قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان عندما زرتها مفادها أن فرنسا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن تتعهد بأن تستمر بالتزامها في هذه القوة التي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الجنوب، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 1701. إن القوى التي تصارعت في عام 2006، تتحمل مسؤولية ما جرى، وقد علمت أيضاً أن الجيش اللبناني موجود في الجنوب مع «اليونيفيل»، ولكن علينا أن نعمل معاً من أجل السلام. ولقد شددت وأعدت التأكيد على ضرورة دعم المؤسسات الأمنية في لبنان ولا سيما الجيش اللبناني، جيش الجميع الذي يجمع، وكما قال الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة للبنان «سوف نقوم بكل ما في وسعنا لتقديم المساعدة على أعلى المستويات».
وتابع: «كذلك، يواجه لبنان تحديات أخرى في ما يتعلق بتداعيات الأزمة السورية، والعدد الكبير للاجئين، فلا يتحمل أي بلد في العالم ما يتحمله لبنان، وسيتم تخصيص للبنان نصف مبلغ المئتي مليون يورو الذي تقدمه فرنسا للدول المجاورة لسوريا، من أجل إنشاء مركز للعناية باللاجئين، والهدف الرئيسي من ذلك هو عودتهم الى بلادهم، وسوف يتم تطبيق هذا المشروع من قبل المنظمات اللبنانية غير الحكومية. كما يهدف الى تأمين المساعدات للمحتاجين في كل من سوريا والعراق ولبنان».
وأردف: «إن فرنسا ملتزمة بإعادة استقبال 3000 لاجىء سوري خلال العام المقبل على ارضها، ونحن في طور دراسة الملفات من اجل التسريع بإستقبال هؤلاء باسرع وقت وفي أفضل الظروف الممكنة. وكما ذكرتم، علينا التفتيش عن السبب الرئيسي للأزمة الدراماتيكية اذ غادر الملايين من النازحين سوريا بسبب الحرب، طالبين فقط أن يعيشوا ولجأوا الى الدول المجاورة، ومنها لبنان والاردن، فلا بد من العمل مع المجتمع الدولي من أجل إيجاد حل للأزمة في سوريا».
وقال: «هناك عدد من الأشخاص الذين لا يزالون يقيمون في سوريا ويتعرضون للقصف، ونحن نأمل أن تعود المفاوضات السياسية الى عملها بأسرع وقت ممكن من خلال وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، إنها ضرورة قصوى، ولا بد من تطبيق وقف إطلاق النار لكي يتمكن المبعوث الخاص للأمم المتحدة من الإضطلاع بمسؤولياته هناك، وهذا الامر مستحيل اليوم».
أضاف: «ما من حل عسكري في سوريا، بل ما من حل إلا الحل السياسي لهذه الأزمة، ولبنان وفرنسا يتشاطران هذا الرأي. لقد تحدثت أيضاً مع معالي الوزير عن أننا الى جانب لبنان من أجل مساعدتكم على الخروج من الأزمة السياسية التي تشل البلاد، وأنتم ترون الاثر السلبي الحاصل عندكم منذ سنتين وذلك نتيجة الفراغ في سدة الرئاسة. إن الدعم للمؤسسات الديموقراطية يشكل أيضاً ركناً أساسياً لعملنا في لبنان بما فيها دعمنا لرئاسة الجمهورية. ونحن نحاول إيجاد الظروف الملائمة للخروج من هذه الأزمة من خلال علاقاتنا مع شركائنا، وقد حاولنا أكثر من مرة مع الدول المجاورة، وأذكر تحديداً إيران والمملكة العربية السعودية، من أجل إيجاد حل سياسي، فلا يمكن لفرنسا أن تتخذ القرار بدلاً من اللبنانيين ولا يمكنها التدخل في الشؤون اللبنانية، وعلى كل شخص أن يضطلع بمسؤولياته، وهذه هي الرسالة التي نقلتها، وآمل أن تكون قد وقعت على آذان صاغية، لما فيها من مصلحة للبنان ومؤسساته والنموذج اللبناني الذي يجب أن يحترم وفرادته في هذه المنطقة، ولا بد من الحفاظ عليه كونه نموذجاً فريداً للتعايش بين أبناء الوطن في المنطقة. إن الخروج من هذه الأزمة يشكل أولوية ديبلوماسية بالنسبة إلينا في الاشهر المقبلة، وآمل أن تجتمع مجموعة الدعم الدولية في أسرع وقت ممكن، تنفيذا للمبادرة الفرنسية، على هامش الجمعية العامة أو في وقت آخر، من أجل إيجاد حل لإعطاء أمل جديد ودفع مهم للبنان والشعب اللبناني».
وختم: «لقد كانت هذه الزيارة مهمة وزيارة تضامن وصداقة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي».
ورداً على سؤال، قال إيرولت: «أنا لم أقل إن على ايران والسعودية أن تقررا بدلاً عن اللبنانيين ولا فرنسا تقرر مكانهم، ولكننا ملزمون بالحديث مع كل الدول المجاورة، وهذا ما فعلته مع نظيري في السعودية وإيران قبل المجيء الى لبنان، ووعدتهما بأنه بعد عودتي سأتواصل معهما من أجل تعزيز ايجاد فرص حل للازمة السياسية في لبنان، وسأتحدث مع الاميركيين وغيرهم ومع أي شخص أو قوى يمكن أن تساعد بلدكم».
وتحدث عن «وجود نموذج سياسي فريد في لبنان لا مثيل له حيث تتمثل فيه كل فئات المجتمع»، وقال: «لا بد من الحفاظ عليه لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من الكيان اللبناني، وأنا متأكد من أن كل القوى السياسية اللبنانية تود أن تتوصل الى حل تشعر من خلاله بالأمن والثقة، فهذه هي الرسالة التي أود أن اشدد عليها».
أضاف: «تحدثت الى جميع الافرقاء والقوى، فهذه الازمة التي تمرون بها يمكن لأي بلد أن يمر بها، يجب ان نبرهن عن شجاعة ونقوم بخطوات من أجل أن نتقرب من الاخر، وأنا متأكد أنه إذا ما قام كل فريق بخطوة ومد يده الى الآخر، يمكن أن نتوصل الى حل. لم يعد هناك من وقت كي نضيعه، فهذا الوضع المضر لا يمكن أن يستمر».
وتابع: «ان الحوار الوطني هو امر إيجابي، ولكنه غير كاف، ويجب أن نتجه نحو الحلول، وأن يضطلع كل شخص بمسؤولياته من دون مضيعة الوقت».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق