سياسة لبنانية

خريطة المواقف السياسية من «التعيين والتمديد»

موضوع قيادة الجيش مطروح على بساط البحث والنقاش من خارج جدول الأعمال الذي تتصدره في هذه المرحلة بنود رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات والسلة المتكاملة في إطار «دوحة لبنانية» تنطلق بعد أسابيع… فمع اقتراب موعد نهاية ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي في أيلول (سبتمبر) المقبل، تطرح مسألة التمديد للعماد قهوجي مرة ثانية، وهي ليست محسومة وأمراً مبتوتاً ومفروغاً منه، مثلما تطرح مسألة تعيين قائد جديد للجيش وهي أيضاً ليست واضحة وسالكة. وهذا الموضوع سيوضع مع بداية آب (اغسطس) على نار حامية بعدما انطلقت اتصالات الاستكشاف وجس النبض في شأنه، فكان في صلب زيارة وزير الدفاع سمير مقبل الى العماد عون في الرابية وكان بنداً من بنود لقاء العماد قهوجي مع الرئيس بري في عين التينة.

بالإجمال تتوزع الآراء والمواقف في شأن موضوع قيادة الجيش في اتجاهين وبين معسكرين:
1- دعاة التمديد للعماد جان قهوجي لأسباب كثيرة دفعت في اتجاه التمديد الأول وما تزال قائمة:

– الفراغ الرئاسي مستمر ومن الأفضل بقاء قائد الجيش في موقعه الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي ستكون له الكلمة الأولى في اختيار من يشغل هذا الموقع الحساس والأهم في عهده وفريقه. ومن غير المستحسن وغير المجدي تعيين قائد جديد للجيش من الآن وفرضه على الرئيس المقبل.
– الحرب على الإرهاب في أوجها وقد زادت من مهام ومسؤوليات الجيش على الحدود وفي الداخل. والعماد قهوجي صار متمرساً وصاحب خبرة وتجربة وملماً بتفاصيل هذا الملف وتفرعاته وعلاقاته الخارجية ومصادر الدعم للجيش في مجالات التسليح والتجهيز والتدريب…
– التجاذبات الحكومية ما تزال محتدمة في ظل اشتداد الصراع السياسي والطائفي، ما يجعل الاتفاق على قائد جديد للجيش أمراً صعباً ومتعذراً، وإذا لم يحصل اتفاق مسبق على اسم شخص قائد الجيش فإن هذا المركز الفائق الأهمية يواجه خطر الشغور والفراغ، وبين الفراغ والتمديد سيكون الخيار الثاني هو المعتمد من دون أدنى تردد، خصوصاً وأن العماد قهوجي لم يستنفد كل سنوات خدمته العسكرية وما زالت أمامه سنة إضافية، وهذه ليست حال رئيس الأركان الذي لم يعد بإمكانه الاستمرار بعد أيلول (سبتمبر)…
2- رافضو ومعارضو التمديد للعماد قهوجي يستندون الى الحجج والأسباب الاتية:
– مسار التمديد في البلد توقف مع الانتخابات البلدية على كل المستويات…
– جرت تعيينات في مراكز أمنية وعسكرية عدة، وخصوصاً في الجيش اللبناني حيث اكتمل عقد المجلس العسكري وجرى تعيين مدير جديد للمخابرات وسيصار قريبا وحتما الى تعيين رئيس جديد للأركان. وهذا المسار يكمل ولا يقف عند قائد الجيش.
– لا يمكن ربط مركز قيادة الجيش بالاستحقاق الرئاسي وأزمة الفراغ في مركز رئاسة الجمهورية. فهذه الأزمة يمكن أن تطول إذا لم تحل هذا الصيف ويجب فصلها عن المؤسسة العسكرية التي تحكمها قوانين ومهل.
– ثمة قوى سياسية أساسية ونافذة ترفض التمديد لقائد الجيش مرة ثانية. وفي هذه الحال سيكون التمديد سبباً لمشكلة إضافية وغير متناسب مع أجواء الانفراج والحوار السائدة…

خريطة المواقف السياسية في موضوع قائد الجيش يمكن رسمها بصورة تقريبية على الشكل الاتي:
– نبيه بري وسمير جعجع مع التمديد للعماد قهوجي ويفضلان اللجوء الى هذا الخيار لحفظ استقرار المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة… ولأن الاتفاق على قائد جديد للجيش لا يقل صعوبة عن الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية.
– وليد جنبلاط ضد التمديد ليس فقط لأنه يفضل تغيير قائد الجيش مع رئيس الأركان، ولكن لأن لديه ملاحظات وانتقادات بشأن أداء قهوجي لم يكتمها وأعلنها في «تغريداته» في ظل علاقة باردة وتكاد أن تكون مقطوعة على المستوى الشخصي.
– حزب الله ينتظر موقف العماد عون ويأخذه في الاعتبار. ولكن موقفه الأساسي الذي كان في التمديد السابق ما زال سارياً: مع تعيين قائد جديد للجيش في حال حصل اتفاق على البديل. وإذا لم يحصل فالتمديد حكماً.
– ميشال عون يدور لغط حول موقفه غير الواضح وغير المحسوم. فمن جهة هناك من يعتبر أن عون ما زال عند موقفه الأساسي المطالب بتعيين قائد جديد للجيش ورفض مبدأ التمديد، وأن هدف إزاحة قهوجي من قيادة الجيش ما زال هدفا مركزيا لديه لأنه في النتيجة إزاحة لخصم ومنافس جدي في الحلبة الرئاسية ولـ «مشروع رئيس» يظل موجوداً طالما قهوجي قائداً للجيش وفي صلب المعادلة، خصوصا وأن طبيعة المرحلة الأمنية تعزز من دوره وترفع من أسهمه الرئاسية…
ومن جهة أخرى هناك من يعتبر أن عون لن يبادر الى إحياء وتأجيج مشكلته مع قهوجي وقيادة حملة عدم التمديد له بالنظر لاختلاف الظروف بين الأمس واليوم. فقبل عامين كان الصراع على أشده على قيادة الجيش وكان للعماد عون مرشحه العميد شامل روكز الذي خرج من دائرة المنافسة بخروجه الى التقاعد. وفي المرة الماضية لم يكن عون متيقناً من فرصته الرئاسية وواثقاً بوضعه كما الحال اليوم الى درجة أنه تحول عن سياسة المواجهة الى سياسة انفتاح واستيعاب مع الجميع من دون استثناء… وهذا ما ينطبق أيضاً على قهوجي خصوصاً وأن تحسناً قد طرأ على علاقتهما وترجم عملياً في تعيينات المجلس العسكري، وأيضاً في تعيين مدير جديد للمخابرات (العميد كميل ضاهر)، وحيث نجح قهوجي في تمرير هذا التعيين هذه المرة وإيصال مدير مكتبه الى مديرية المخابرات لأنه لم يصطدم بعقبة وفيتو عون، مع العلم أن العميد ضاهر لديه خط مفتوح مع الرابية التي زارها أكثر من مرة ويلعب دوراً في التقريب بين الجنرالين…
– سعد الحريري موقفه لم يعد كما كان دائماً، طرأ عليه تغيير وربما هو المعطى الوحيد المستجد والمتغيّر، وفي حال كان ما يقال عن موقفه صحيحاً، سيكون له تأثير أكيد في الدفع باتجاه تعيين قائد جديد للجيش…
العلاقة بين الحريري وقهوجي لطالما كانت علاقة جيدة ووطيدة وترجمت في دعم وغطاء سياسي وفره الحريري للجيش وقائده في الحرب على الإرهاب، وحيث كانت زيارة الحريري الى اليرزة قبل أشهر إشارة واضحة وبليغة الى استمرار هذا الدعم رداً على كل ما قيل وأشيع بعد إلغاء المملكة السعودية الهبة المقررة للجيش.
يُحكى منذ أسابيع عن تغيير في موقف الحريري وباتجاه أنه لم يعد متمسكاً بالتمديد لقائد الجيش وصار خيار التعيين مطروحاً عنده ومتقدماً في حساباته لسببين أساسيين: الأول هو أن الحريري استاء من دور لمخابرات الجيش في انتخابات طرابلس البلدية كان مساعداً للوزير أشرف ريفي ومنحازاً لمصلحته. وهذا ما أكده إعلان ريفي في اليوم التالي للانتخابات أنه يؤيد ترشيح العماد جان قهوجي لرئاسة الجمهورية والذهاب باتجاه رئيس توافقي ومرشح ثالث غير فرنجية وعون ولا يكون من فريق 8 آذار.
والسبب الثاني أن الحريري يريد تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاما لقوى الأمن الداخلي بعد إحالة اللواء بصبوص الى التقاعد، وحيث لم يعد بالإمكان التمديد له مرة ثانية. ولا يمكن للحريري تمرير هذا التعيين الحيوي جداً بالنسبة اليه (خصوصاً بعدما جرى ربط شعبة المعلومات مباشرة بمدير عام قوى الأمن الداخلي في ضوء تعديل أجراه اللواء بصبوص قبل أيام)، من دون تعيين موازٍ في مركز قائد الجيش، وحيث سيصعب عليه في هذه الحال تبرير وتمرير خيار التمديد إذا أراده.

في ضوء كل ما تقدم يمكن الخروج باستنتاجين رئيسيين:
– الأول أن خيار تعيين قائد جديد للجيش مطروح الى جانب خيار التمديد ولكنه ليس متقدماً، وهو احتمال موجود ولكنه ضعيف…
– الثاني أن تعيين قائد جديد للجيش سيحصل بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية… ومن حيث المبدأ المسألتان مترابطتان ومتلازمتان، وحتى أنه يمكن القول إن «قائد الجيش الجديد» هو بند من بنود السلة المتكاملة والاتفاق عليه هو واحد من ثلاثة اتفاقات صعبة تشمل ثلاثة أسماء ومراكز: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش الذي يدخل في صلب ترتيبات المرحلة المقبلة أو العهد الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق