سياسة عربيةلبنانيات

دريان في خطبة العيد: نعلن دعمنا للسعودية ولا يمكن أن يكون امن ذاتي في بلادنا

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور ممثل رئيس مجلس الوزراء فؤاد فليفل وممثل الرئيس سعد الحريري النائب عمار حوري، النائبين عماد الحوت ومحمد قباني، المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة، رئيس اتحاد جمعيات العائلات البيروتية الدكتور فوزي زيدان، رئيس جمعية رجال الأعمال اللبنانية الهولندية محمد خالد سنو، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، رئيس حزب النجادة مصطفى الحكيم، رئيس مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد المهندس سعد الدين خالد والسيد علي الامين، قضاة شرع، علماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية، الاجتماعية، النقابية والعسكرية.

وقال المفتي دريان في خطبة عيد الفطر:
إذا كان الواجب الدِينِي والأخلاقِي مكافحة الفقرِ والعوز، والتضامن مع أولئك المشردِين والمعذبِين والتائهين في ظلماتِ البرِ والبحر، وتحت وطْأةِ الشمسِ ووطْأةِ الصحارى؛ فإن واجِب المسلمِ أيضاً وأيضاً وفي رمضان، وغيرِ رمضان ، مكافحة العنفِ الذي يعنِي انتهاكاً لِلحرماتِ الثلاث، التي شدد رسول اللهِ صلوات اللهِ وسلامه عليه ، في النهيِ عنها في حجةِ الوداع: حرمة الدم، وحرمة العِرضِ والكرامة، وحرمة المال. إن هناك مِئاتِ الآلافِ مِن القتلى، وملايين مِن المهجرِين في السنواتِ القليلةِ الماضِية، وهو عنفٌ تمارِسه جِهاتٌ إقليميةٌ ودولِيةٌ لا خلاق لها، لكن آلافاً مِن الشبانِ يمارِسونه أيضاً باسْمِ الإسلام، وضِد أنفسِهِم وبني قومِهم. وهذا إجرامٌ بِحقِ الأديانِ وبِحقِ الأوطان، وبحقِ إنسانيةِ الإنسان. لقد قرأت في إحصائياتٍ لبعضِ وسائلِ الإعلام، أن رمضان هذا العام ، شهِد قتل أكْثر مِنْ ثلاثين ألفاً في سوريا، والعراقِ وليبيا واليمن، وتهْجِير أكْثر مِنْ ربعِ مليون، وهي جرائم لا يمْكِن لِبشرٍ أنْ يتصورها، فضلاً على أنْ يقبل بها. والله سبحانه وتعالى يقول: «واتقوا فِتْنةً لا تصِيبن الذِين ظلموا مِنْكمْ خاصةً، واْعْلموا أن الله شدِيْد العِقابْ». وقد فسر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة بقولِه: إن الناس إذا رأوا الظالِم فلم يأخذوا على يدِه، أوْشك أنْ يعمهم الله بِعِقابٍ منه. نعم نحن مكلفون دِيناً وأخلاقاً بمكافحةِ هذا العنف الأعمى الذي يدمِر الإنسان والعمران ، ويتهدد الأوطان بالهلاكِ والبوار. كيف يستطيع الإنسان تحمل هذه الآلام التي تصِيب الطفولة البريئة، في كلِ مكانٍ مِنْ دولِ الجِوار، وفي مخيماتِ اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا، وسائرِ البِقاعِ الأخرى، التي لجأ إليها الفارون المعذبون؟!
نريد أنْ يحِس المعذبون تحت وطْأةِ هذا العنفِ الأسْطورِيِ بتضامنِنا معهم ، وبِعملِنا على إخراجِهم مِنْ مآسِي القتل، ومآسِي الجوع، ومآسِي التهجير. لماذا ينشِئ الناس دولاً وأنظِمة؟ إنهم يبحثون مِنْ خِلالِ ذلك عنِ الأمْنِ والاستقرار، وعنْ تحسِينِ ظروفِ الحياةِ لأنفسِهم وأطفالِهم. والبلاء العظيم هو الذي تشْهده بلدانٌ عربية، صارتِ الكِيانات المنشأة للأمْنِ والأمان، سبباً للقتلِ والتهجير، وانعدامِ الاستقرار، والتجويعِ والإِفناء.

أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
روعتْنا في الأيامِ الأخيرةِ العمليات الإرهابية ببلدةِ القاع، والتي ذهب ضحِيتها أناسٌ أبرياء. ولقد كان دأبنا ودأب معظمِ اللبنانيين منذ أربعِ سنواتٍ وأكْثر، على وِقايةِ وطنِنا وناسِنا مِن الويلاتِ التي تحْدث في الجِوار. وأنْ نعتمِد في ذلك على النأيِ بالنفْسِ بقدْرِ الإمكان، وأنْ نثِق في ذلك بالجيشِ الوطنيِ والقوى الأمنيةِ الأخرى. وقد نجح الجيش إلى حدٍ كبيرٍ في ضبطِ المشْهد، وفي مكافحةِ الشظايا الآتيةِ مِن الجِوار. لكننا لم نعِنْ قواتِنا العسكرية والأمنية كثيراً. فمِنْ جِهة ، هناك هذا التداخل الذي حدث مع الجِوارِ المشْتعِل، فاسْتجْلب النار التي أراد مكافحتها. وهناك هذا التعطل الذي أصاب الحياة السياسية بغِيابِ رأسِ الدولة ، ومحدودِيةِ عملِ الحكومةِ ومجلسِ النواب. وهناك هذا الخمود والجمود الذي أصاب الحياة الاقتصادية. إن نار الجِوارِ تقتضِينا إقامة الجِدارِ العازِلِ بالدولةِ القوِية، والإدارةِ القوِية، التي تسانِد الجيش والقوى الأمنية، وتمكِن المواطِنين الآمِنين على سبلِ عيشِهِم، مِن الاطمئنانِ إلى حاضِرِ وطنِهِمْ ومسْتقْبلِه. ولا شيء مِنْ ذلك قد حصل، بلِ الذي حصل هو عكْس ذلك تماماً. ويتحدث عديدون في الآونةِ الأخيرةِ عنْ خوفِ المسِيحِيِين المصيري. والواقع أنه مِنْ حقِنا جميعاً أن نخاف ، فتداعِي إداراتِ الدولةِ وتصدعها، يتركنا جميعاً بدونِ مِظلةٍ حامِية. نعم ، نحن جميعاً متوجِسون وقلِقون. إنما يبدو أن الوحِيدِين الذين لا يشْعرون مِثْلنا بالخوف، همْ بعض نوابِنا وسِياسِيينا الكِرام، الذين لم يدْفعْهم الحِرْص على الوطنِ والدولةِ بالتوجهِ لِمجْلِسِ النواب، لانتخابِ رئيسٍ للبلاد، لِتعود بحضورِهِ سائر المؤسساتِ إلى العملِ والانتظام.

أيها المسلمون، أيها اللبنانيون:
لا وطن لنا إلا لبنان. ولا دولة لدينا غير الدولةِ التي أقامها عيشنا المشْترك، والتوافق الوطنِي ، وحِرْص الأسلافِ على صنْعِ الحياةِ الزاهرةِ والمزدهِرةِ لكلِ أبناءِ هذه البلاد.
إن لبنان العربي الهوِيةِ والانتماء، سيبقى هو بلد الوِفاقِ والعيشِ المشترك، والتنوعِ والاعتدال، والانفتاحِ والتآخِي والحِوار.
نحن نعيش اليوم مرحلةً صعبةً ودقيقة، لم يشْهدْها لبنان، والمِنطقة العربية في تاريخِهما، فينبغي علينا الاستنفار الدائم، ومعالجة الأزمةِ التي نمر بها، بالحِكمةِ والحِوارِ البناء، بين  القوى المعنيةِ بالشأنِ اللبناني كافة، للخروجِ مِنْ هذا المأزِقِ الوطني، كما ينبغِي أن ندرِك أن الاستقرار الأمني، والتفاهم السياسي، يعزِزان شبكة الأمان، للحِفاظِ على كِيانِ الوطن ، وهذه مسؤولية الدولة في مواجهةِ أيِ خطرٍ داهِم، ولا يمكِن أن يكون هناك أمنٌ ذاتيٌ في بلدِنا، وإلا أصبحنا في شريعةِ الغاب، ونحن لدينا ثقةٌ بالجيشِ اللبناني، وقوى الأمنِ الداخلي، والقوى الأمنيةِ الأخرى، في حمايةِ الوطنِ والمواطنين، وهم يقومون بواجِبِهم ، وإنْ حصل تفجيرٌ هنا أو هناك، فهذا لا يعني أن أمْننا غير ممسوك، ففي كلِ دولِ العالمِ يحصل ذلك. علينا أن نكون حذِرين مِن هذه الطروحاتِ التي تسْقِط هيبة الدولة، ودور مؤسساتِها الأمنيةِ وفاعليتِها.
وعليْنا أنْ ندْرِك أن هناك معاناةً كبرى نمر بها، فلا رئيس للجمهوريةِ منذ أكثر مِنْ سنتين، والمبادرات الإنقاذية في هذا الإطارِ تواجه بالعراقيل، والحكومة – أعانها الله على ما هي فيه – تتلقى السِهام مِنْ داخِلِها وخارِجِها، وبالكاد تستطيع أن تسيِر أمور الناس، والمجلس النيابي شِبه معطل، واستمرار أوضاعِنا على ما هي عليه اليوم، مِنْ خِلافاتٍ وسِجالاتٍ وانقسامات، كل ذلك لا يبشِر بالخير. فيا أيها اللبنانيون، حافظوا على بلدِكم، ولا تسْمحوا لأحدٍ بالتدخلِ في شؤونِ وطنِكم الحرِ السيِدِ المستقِل، فكونوا متحابِين متحِدين، لا متخاصِمين، وكونوا مترفِعين عنِ المصالِحِ الخاصةِ، متحلِين بروحِ التفاهمِ والتعاون ، فالبلد لا يحتمِل الانقسام والتشرذم والفرقة بين أبنائه، وعلى الجميعِ أن يثِق بأن لبنان لا يمكِن أن ينهض إلا بإرادةِ جميعِ أبنائه – مسلمين ومسيحيين – ولا يمكِن لأيِ فئةٍ أن تبنِي لبنان على مِقياس مصالِحها.

أيها العرب أيها المسلمون:
ونحن في خِضمِ الأحداثِ المرِيعةِ والمروِعةِ والمتسارعة، في بعضِ أوطانِنا العربية، وفي خضم القتلِ والتدميرِ، الذي يفْتكِ بالإنسانِ العربيِ وبعضِ دولِه، علينا ألا ننسى القضية الفلسطينية، التي مازال العدو الإسرائيلي الإرهابي، يمعِن في إجرامِهِ بآلتِه العسكريةِ الإجراميةِ التدميريةِ، ضد الشعبِ الفلسطينيِ وصمودِه على أرضِه، ويمْعِن بتهويدِ القدسِ الشريف، لتغيير معالمِها الإسلاميةِ والمسيحيةِ، ولهدمِ المسجد الأقصى لإعادةِ بناءِ الهيكلِ المزعوم. إن فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات، ستبقى القضية المركزية الأولى والكبرى، الإيمانية والوطنية والعربية للعالمين العربيِ والإسلامي، حتى تحريرِها وإن طال الزمنْ، فحق الأمةِ بأرضِها ومقدساتِها، لا يمكِن مصادرته من أيِ قوةٍ مهما عظمت.
مِنْ هنا علينا نصرة ودعم، صمودِ أبناءِ فلسطين في أرضِهم عموماً، ودعمهم في الصمودِ في مدينةِ القدسِ أرضِ المسجدِ الأقصى، ومِعراجِ النبيِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فالقدس وفلسطين، ليست قضيةً محليةً أو إقليمية فقط، أو مجرد بقعةٍ جغرافيةٍ، وإنما هي قضية عدالةٍ عالمية. فالعدو الصهيوني، لا يميز بين فئاتِ الشعبِ الفلسطيني، ولا بين قطرٍ عربيٍ وإسلامي، وهو سرطانٌ في جسدِ هذه الأمة، ولا بد مِن إنهاءِ وجودِ هذا السرطان بتضامنِ وتكاتفِ جميعِ العربِ والمسلمين، لتحريرِ كاملِ ترابِ فلسطين .

أيها العرب، أيها المسلمون:
إن ما يحصل مِن تفجيراتٍ إرهابيةٍ في عالمِنا العربيِ وفي أكثرِ مِنْ منطقةٍ وعاصمةٍ في العالم، وآخرها التفجيرات الإرهابية المجرمة في المملكةِ العربيةِ السعودية، وفي المدينةِ المنورة، بالقربِ مِن الحرمِ النبويِ الشريف، هو شبيهٌ لما يحصل في المسجدِ الأقصى، فحذارِ مما يحاك لأمتِنا من قِبلِ الإرهابيين الذين يحاولون المس بمقدساتِنا الإسلامية، وتشويه صورةِ إسلامِنا في اعتدالِه ووسطيتِه ورحمتِه، ومملكة الخير، ستبقى عزيزةً أبية، مهما مكر لها الماكرون، وخطط المجرمون، فهي أرض الحرمين الشريفين، وأرض الإحسانِ والإنسان.
وإننا من قلبِ بيروت، عاصمةِ لبنان، نعلن دعمنا ومساندتنا ووقوفنا إلى جانبِ المملكة العربية السعودية باعتبارِ أن أمنها وأمن الحرمين الشريفين، من أمنِ جميعِ العربِ والمسلمين، ونتوجه بالشكرِ والتقدير، لجمهورية مصر العربية والمملكةِ العربيةِ السعودية، ودولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدة، ودولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِ كافة، على مواقِفِهِم الحاضنةِ للبنان، ولقضايا العربِ والمسلمين، في مواجهةِ التطرفِ والانحرافِ والإرهاب ، وتشويهِ صورةِ ودورِ الإسلام والمسلمين.

أيها المسلمون:
لقد صمْنا شهر رمضان، ونحن مقبِلون على عِيدِ الفِطر، وكذلك صنع المسلمون في البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ الأخرى. لكننا جميعاً قلِقون، لهذا البؤسِ المحِيطِ بأمتِنا وبلادِنا،. فالله سبحانه وتعالى نسأل، أن يهدِي السرائر، وأنْ يوقِف القتل والدمار وانتهاك الحرماتِ والمقدسات، وأنْ يدفع البلاء عنِ الوطنِ والمواطنين، وأن يهيِء لنا مِنْ أمرِنا رشداً : «قلِ اللهم مالِك الْملْكِ تؤْتِي الْملْك منْ تشاء وتنْزِع الْملْك مِمنْ تشاء وتعِز منْ تشاء وتذِل منْ تشاء بِيدِك الْخيْر إِنك على كلِ شيْءٍ قدِيرٌ».
بارك الله لكم أيها المسلمون صومكم وفِطركم، وصلاتكم وزكاتكم وعملكم، مِنْ أجلِ الخيرِ والبِرِ والتقوى . أقول قولي هذا وأسْتغْفِر ‏الله العظيم لي ولكمْ ، فيا فوْز المسْتغْفِرِين استغْفِروا الله.
بعد إلقاء المفتي دريان خطبة عيد الفطر توجه وممثل الرئيس الحريري النائب حوري، النائب قباني ومخزومي إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار.
وكانت ثلة من قوى الأمن الداخلي قدمت التشريفات في باحة مسجد الامين للمفتي دريان قبيل دخوله الى المسجد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق