سياسة لبنانية

سعد الحريري: خطة الخروج من «أزمته»

يعرف الرئيس سعد الحريري أن وضعه ليس جيداً وأن أشياء كثيرة تغيّرت في فترة السنوات الخمس التي أمضاها في المنفى السياسي الطوعي والقسري في آن. ولكنه لم يكن يعرف عمق الأزمة التي يمر بها على الصعيدين السياسي والشعبي وحجم التراجع الذي طرأ على زعامته وشعبيته الى أن جاءت الانتخابات البلدية وكشفت له عن الواقع المرير الذي لم يعد بالإمكان تجاهله والتغاضي عنه، خصوصاً وأن عامل الوقت لا يلعب في مصلحته… فمع مرور الوقت تتعرض زعامته للتآكل ويفقد تدريجياً زمام المبادرة السياسية وحتى زمام السيطرة على الوضع داخل تياره وطائفته. وإذا استمر الوضع على هذه الحال سيكون من الصعب جدا على الحريري خوض انتخابات نيابية ناجحة العام المقبل والاحتفاظ بهذا الحجم النيابي كأكبر كتلة في البرلمان اللبناني وغير مسبوقة في تاريخه.
لم يتأخر الحريري في وضع خطة طوارىء للخروج من وضعه المتأزم واستعادة زمام المبادرة، وتقوم هذه الخطة على البنود الاتية:
1- الإقرار بوجود أزمة ثقة وعلاقة مع قواعده الشعبية والشارع السني بشكل خاص وجمهور 14 آذار بشكل عام، والاعتراف بحصول أخطاء وتحمل المسؤولية شخصياً عن هذه الأخطاء… الحريري كان صريحاً في تعداد جملة أخطاء تكتية واستراتيجية من العام 2008 حتى الآن، وكان جريئاً في تحمل المسؤولية، ولكن لم يوضح كيف سيتحملها وما هي القرارات والخيارات التي سيأخذها والتغييرات التي سيحدثها على مسيرته السياسية…
2- إعادة نظر تنظيمية وسياسية شاملة في تيار المستقبل بدأت باحتواء مراكز القوى والمحاور التي نشأت أثناء فترة غيابه وتنتهي في المؤتمر العام بإلغاء هذه المراكز وإجراء تغييرات في المكتب السياسي ومنسقي المناطق ولوائح المرشحين للانتخابات النيابية، انطلاقاً من نتائج الانتخابات البلدية، وفي المناطق التي فشل فيها المستقبل أو تعثر.
3- العودة الى خطاب سياسي «تصعيدي» ضد إيران وحزب الله لشد عصب الشارع وسحب هذه الورقة من يد الوزير أشرف ريفي ومجاراة المناخ السعودي واكتساب ثقة المملكة ورضاها… ويسلك الحريري هذه الطريق التي بدأها مع سلسلة الخطب الرمضانية من دون قطع خطوط الحوار مع حزب الله، وهو يبدو كمن يمشي بين النقاط ويتصف بازدواجية سياسية ويخوض ما يشبه المغامرة، ولا يضمن كيف ستكون ردة فعل حزب الله: هل يتقبل مثل هذا الهجوم ويتفهم الدوافع والظروف؟! وهل هو مستعد للأخذ بنظرية المستقبل حول الاعتدال والتطرف، وأن من مصلحة حزب الله دعم تيار الاعتدال الذي يمثله المستقبل أم أن الحزب لا يرى فارقاً في العمق بين ما يقوله الحريري وما يقوله ريفي، ولا يجد نفسه معنياً بتعويم وتقوية الحريري وقبوله «على علاته»؟!
4- شن حرب سياسية مفتوحة ضد الوزير أشرف ريفي الذي تجرأ على تحدي زعامته وتلقينه درساً في انتخابات طرابلس… ليس وارداً عند الحريري مصالحة ريفي أو الاعتراف بحيثية سياسية وشعبية له، وإنما هو مصمم على تدمير ريفي ليكون عبرة لمن لا يعتبر وحتى لا يتكرس سابقة يمكن أن تتكرر، والأولوية ستكون لتطويق ريفي ومشروعه الذي يقوم على بندين أساسيين: ترسيخ زعامته في طرابلس والشمال من خلال الانتخابات النيابية والحصول على كتلة نيابية «وازنة»… والتوسع خارج الشمال عبر أكثر من اختراق وموطىد قدم في صيدا والبقاع الغربي والطريق الجديدة في بيروت.
ومن الواضح أن الهدف الرئيسي لزيارة الحريري الى طرابلس كان رد التحدي ومحاربة ريفي في عقر داره وإثبات القدرة على استعادة ما أخذه ريفي «خلسة» من شارع طرابلس وجمهور المستقبل. ولم يتوقف الأمر عند ريفي وإنما شمل أيضاً حليفه النائب خالد ضاهر الذي يعد بمثابة «دفرسوار ريفي في عكار»… وقد اختار الحريري أن يدخل الى ببنين العكارية بلدة الضاهر الذي لم يحتمل هذا «الاستفزاز» وكان رده عنيفاً بأن دعا الحريري الى الاستقالة لأنه فشل واعترافه بالخطأ لا يكفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق