صحة

المعدة مثلنا… كاملة الإحساس!

آه من هذه المعدة التي تمتلئ وتفرغ، تعاني من الجوع وتتقلص ساعة الحزن، تتألم حين تنزعج وتُشرّع شهيتها واسعة حين تستريح. إنها، في اختصار، معدة كاملة الإحساس… فماذا لو أصابتها تلك الجرثومة الحلزونية متسببة بالقرحة الهضمية؟ ماذا لو بدأت تتسبب تلك الجرثومة بالتهابات مزمنة محدثة ثقباً في جدار المعدة والإثني عشر؟ وماذا لو تعطلت الوظيفة الميكانيكية والبيولوجية للمعدة. هل نصاب بالإمساك؟ بالإسهال؟ هل نتألم؟ هل نشعر بالدوار؟ وهل صحيح ان علينا أن نحترم المعدة كما نحترم أنفسنا كي لا يأخذ على خاطرها فنعاني؟ أو لم نقل أنها كاملة الإحساس؟

لا يمكننا أن نقول معدة من دون أن نكرر الجهاز الهضمي، فقبل أن تصل اللقمة الى المعدة ومنها الى المريء تمر في كل الجهاز الهضمي، في مسار ميكانيكي دقيق هندسي _ بيولوجي رائع. لا، ليس من الفم الى الشرج مروراً في المعدة ونقطة على السطر! اللقمة، كل لقمة نلتهمها، تسلك مساراً وتعبر محطات. فماذا عن مسار اللقمة؟ ماذا عن الجهاز الهضمي ككل؟ وماذا عن المعدة الكاملة الأوصاف والإحساس؟


من الفم الى المعدة…
الأستاذ في أمراض الجهاز الهضمي البروفسور جورج الحاج يُحدد طبيعة تكوين هذا الجهاز الهضمي ويقول: إنه يتألف من الأعضاء الممتدة من الفمّ وصولاً الى المؤخرة ومن الأعضاء المتصلة بها، مثل الكبد والمرارة والبنكرياس ومجاريها، التي تترابط في ما بينها وتتفاعل متممة وظيفة العضلات وإفراز أنزيمات ومواد صفراوية لازمة لاتمام وظيفة الهضم. ويمر الغذاء عادة بخمس مراحل أساسية، تبدأ في الفم حيث تتم عملية المضغ ويُطحن الغذاء وأي “لقمة” تعبر هذه المرحلة، مرحلة المضغ، من دون أن تكون قد استعدت تماماً للانتقال الى المعدة، ستتطلب مجهوداً إضافياً كبيراً في المراحل التي تلي. المرحلة الثانية، ومحطتها المريء وليست لها أهمية كبيرة باستثناء عبور الغذاء من الفم الى المعدة. المرحلة الثالثة، ومحطتها طبعاً المعدة التي تُحضر الغذاء ميكانيكياً وبيولوجياً فتفرمه مجدداً وتقطعه وتطحنه مكملة عملية المضغ، وتطلق على هذه المرحلة صفة الطاحونة حيث يفترض ألا ينتقل منها الطعام الى المرحلة الرابعة، أي الى المصران الإثني عشر، إلا بعد أن يُصبح مثل البرغل الناعم. ويكون الغذاء خلال المرحلتين الأخيرتين تحت تأثير إفرازات المعدة الأساسية، التي تحوله الى مادة خاضعة لتأثيرات الأنزيمات التي تصادفها أثناء عبورها في المصران الرفيع. وفي كلام آخر، يكون الغذاء هنا تحت تأثير عمل الطاحونة الميكانيكي وخاضعاً لعملية كيميائية تحت تأثير إفرازات المعدة وهي من أقوى الإفرازات الأسيدية الحمضية في الجسم. ويتابع الغذاء مساره، في المرحلة ما قبل الأخيرة، من المعدة الى المصران الرفيع وطوله نحو ثمانية أمتار عبر فتحة ضيقة تُسمى علمياً “بيللور” يتم خلالها تفتيت ما تبقى من غذاء الى جزيئيات أصغر حتى من حبات البرغل، على أن يعمل الدم على امتصاصها وتوزيعها على مختلف أنحاء الجسم، على القلب والرئتين والدماغ والكبد… لتنتقل بعدها بقاياه الى المصران الغليظ حيث تحدث عملية تحضير البراز ليخرج من الجسم.
رائع هو هذا المسار. يا الله كم نسجت السماء أجسامنا بعناية بالغة. لكن، ماذا لو بدأت آلام المعدة تتكرر وتشتد؟ ماذا لو أصابتنا تلك الجرثومة التي تقوى على أسيد المعدة وتعيش في طياتها عابثة بجدارها ومحدثة ثقوباً وتقرحات؟

موجودة في أجسام نصف سكان العالم
هذه الجرثومة، أو بكتيريا المعدة الحلزونية، موجودة في أجسام نصف سكان العالم تقريباً لكن ضررها يبدأ بعد أن تقرر، لسبب ما، العبث في الأجسام! وهي للأسف لا تتأثر بالوسط الحمضي في المعدة الذي يقتل عادة مختلف أنواع البكتيريا، وبالتالي تتمكن هذه الجرثومة من التعايش مع حمض المعدة عبر فرز أنزيمات خاصة تحميها من الحمض. وهي تفرز مادة “اليوريا” التي تمنع الغشاء المخاطي الذي يغطي سطح المعدة الداخلي والإثني عشر من ان يقي نفسه بنفسِهِ.
قد يتعايش إذاً الإنسان مع هذه الجرثومة ويعيش في ثبات لكن قد تتفاقم أعداد هذه الجرثومة، لسبب ما، قد يكون طعاماً أو شراباً ملوثين، فتبدأ الأعراض والمضاعفات وأهمها: آلام في البطن وحرقة خصوصاً إثر تناول الطعام، عسر الهضم، الإحساس المزعج بامتلاء المعدة، نقصان في الوزن، صداع وارتفاع في الحرارة، وقد يترافق هذا مع حدوث إلتهابات في المعدة وتقرحات ونزف في جدار المعدة والإثني عشر، والأسوأ ربما من كل هذا هو زيادة معدل أورام المعدة لدى المرضى المصابين بالجرثومة! إذاً، إمكانية أن تصل المضاعفات الى سرطان المعدة والإثني عشر تبقى قائمة في جدول الإحتمالات! ومنظمة الصحة العالمية صنفت هذه الجرثومة ضمن العوامل التي قد تؤدي في بعض سلالاتها الى الإصابة، للأسف، بالسرطان وهي تطور نفسها دائماً!

راجعوا الطبيب
تشعرون بآلام في المعدة؟ تتكومون أحياناً على أنفسكم من شدة الألم؟ لاحظتم نزفاً شرجياً؟ تخسرون وزناً بلا سبب؟
راجعوا الطبيب، طبيب العائلة قد ينصحكم بما تفعلون، وإذا رأى ضرورة قد يحولكم الى اختصاصي جهاز هضمي الذي سيطلب منكم إجراء اختبار تنفس سهل، واختبار دم وبراز وربما يجري اختباراً بالمنظار، على أن يتمكن إثر كل هذه الإختبارات من تشخيص الحالة بدقة.
العلاج واحد: المضادات الحيوية… والأدوية متنوعة، متعددة، تحقق نسب شفاء تلامس المئة في المئة، ويُنصح عادة بالإبتعاد عن الكحول والمنبهات لا سيما القهوة والدخان والمشروبات الغازية.
سؤال قد يظنه البعض ساذجاً لكنه يُطرح: وماذا عن الثوم؟ هل يساعد تناول الثوم في القضاء نسبياً على هذه الجرثومة؟
 صحيح، الثوم هو من الأعشاب القاتلة للبكتيريا والفيروسات ويعمل كمضاد حيوي وتناوله إذا لم ينفع في هذه الحالة فلا يضرّ.
نعود الى الجهاز الهضمي، في حالاته الطبيعية، لنسأل: ثمة بشر يعانون من الإمساك الدائم الشديد حيث لا تنفع معه غالبية الملينات فهل، في التحليل الطبي العلمي، سبب مباشر؟
البروفسور جورج الحاج يرد حالات الإمساك الشديدة الى تدني عمل المصران الغليظ، الذي لا يعود قادراً في بعض الحالات على ممارسة وظيفته بكفاءة وتحديداً وظيفة تحضير البراز للخروج من الجسم ولهذا، في المفهوم الطبي، أسباب بينها: القلق، التعصيب، الكسل، نقص الحركة الدودية للأمعاء، تدني نسبة الألياف في الغذاء، وقد يؤدي انتقال الطعام الى المصران الغليظ قبل مروره في مراحل الإنتقال الروتينية الى عدم جهوزية البراز على الخروج وبالتالي حدوث حالات الإمساك. ثمة أسباب أخرى ترد اليها حالات الامساك منها: التخمة الشديدة، نقص الطعام، الجفاف، التواء الامعاء، حالات آلام الشرج. ويذكر أن الامساك يؤدي أحياناً الى اعادة امتصاص الجسم لمواد ضارة مختلفة ما قد يؤدي الى حالات تسمم ذاتية.  

ماذا عن الإسهال؟
ترد حالات الاسهال الى التهاب القناة الهضمية والى التهاب الامعاء بسبب بكتيري أو طفيلي أو فيروسي أو فطري والى عسر الهضم لأسباب قد تكون مختلفة والى اضطرابات في وظيفة الجهاز الحركي وربما الى احتقان القلب المزمن.
«اللقمشة” تؤثر هي أيضاُ على الجهاز الهضمي، فعملية الهضم، لمن ما زال لا يعرف، لا تتم في ثوان بل تحتاج بين ساعتين وست ساعات لتتم، وبالتالي يحتاج هذا الجهاز الى أن يرتاح وإلا كان صاحبه يرتكب خطأً كبيراً في حق نفسه! احترام هذا الجهاز إذاً مطلوب. فالأكل طبيعة والطبيعي أن نختار الأسلوب الذي يفيد الروح والجسد، والجهاز الهضمي أحد أبرز الأعضاء التي إن اعتنينا بها ارتدّ هذا على كل الأعضاء.  كيف هذا؟ ببساطة، بأن لا نأكل حين نشعر أننا سنأكل، خصوصاً في فترة الأعياد، ما يضرّ بالجهاز الهضمي، وبأن نأكل، حين يفترض أن نأكل، الخضار والفاكهة ونشرب الكثير من المياه.
ما دمنا تحدثنا عن الخضار… هل صحيح أن الإكثار منها يتسبب بنفخة في المعدة؟
الخضار لا تضرّ إذا كان الجهاز الهضمي طبعاً سليماً لكن إذا كنا نعيش على البروتينات والنشويات وقررنا أن نأكل الكثير من الخضار سنشعر عندئذ بالتأكيد بالضرر.  
المعدة، نسخة مطبوعة عنا! نأكل فتشعر. نقلق فتشعر. نفرح فتشعر… المعدة التي تغوص في جوفنا، في البطن، في الجهاز الهضمي، حقاً كاملة الأوصاف!

نوال نصر
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق