سياسة لبنانية

«مراجعة سياسية» لـ «المستقبل»: ترشيح فرنجية… والحوار مع حزب الله

لم يتأخر الرئيس سعد الحريري في قراءة رسائل الانتخابات البلدية وما تعنيه شعبياً وسياسياً، وفي مباشرة عملية مراجعة شاملة بدأت في المكتب السياسي وتنتهي بعد أشهر في المؤتمر العام. هذه المراجعة تنظيمية أولاً بعدما كشفت الانتخابات وجود مشكلة متعددة الأشكال: «سوء تفاهم» بين القيادة والقواعد الشعبية وفي بعض الأحيان «انقطاع في التواصل»، ماكينة انتخابية أصابها «الصدأ»، نشوء مراكز قوى سياسية وتجاذبات، ضعف الإمكانات المالية، إلخ… ولذلك من المتوقع أن تسفر هذه المراجعة عن إعادة هيكلة تيار المستقبل وتشديد «المركزية» فيه وإعفاء عدد لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي ومسؤولي المناطق وإلغاء الأجنحة ومراكز القوى وضخ دم شبابي جديد…
ولكن المراجعة التنظيمية الحزبية لا تكتمل ولا تثمر إلا إذا جرت في موازاتها عملية مراجعة سياسية بعدما تولّدت قناعة راسخة عند قيادة المستقبل وأركانه بأن السبب الرئيسي لما أصاب التيار من ضعف ووهن وتراجع يكمن أولاً في سياساته وخياراته التي دفع ثمنها غالياً من رصيده ومكانته الشعبية، والتي لا يمكن الاستمرار بها ومعها من دون تعديل وتغيير…
واستناداً الى المداولات والنقاشات التي بدأت في دوائر المستقبل ومنذ لحظة «السقوط العظيم» في طرابلس، فإن هذه المراجعة تركز على مسألتين أساسيتين هما في صلب «الاستراتيجية السياسية» للمستقبل في هذه المرحلة:
1- مسألة الحوار مع حزب الله لجهة الاستمرار به أو وقفه والانسحاب منه. فإذا تقرر الاستمرار بالحوار، وفق أي شروط ومواصفات جديدة؟! وإذا تقرر الانسحاب، ما هي النتائج والبدائل؟!
ثمة اعتقاد واقتناع عند أكثرية «المستقبليين» أن لا جدوى من الحوار مع حزب الله إذا لم يحصل تغيير جذري في منحاه ومساره السياسي. فإذا كان الحوار هدف الى أمرين أساسيين: ضبط الصراع السني – الشيعي وملء الفراغ الرئاسي، فإنه لم يحقق نتائج تذكر في الأمر الأول ولم يحقق أي نتيجة في الثاني. فلم يحصل أن لاقى حزب الله المستقبل في منتصف الطريق وأن مرّر إليه تمريرات تساعده على تسجيل أهداف ونقاط في مصلحته. وباختصار فإن المستقبل أعطى على امتداد سنتين من دون أن يأخذ، وكان تنازله مكلفاً ومتعارضاً مع المزاج السني العام.
وبالإجمال، يسود رأيان وتوجهان في شأن العلاقة مع حزب الله وكيفية مقاربتها في المرحلة المقبلة:
– الأول: يدعو صراحة الى وقف الحوار لأنه من دون معنى ومن دون جدوى، والانتقال من سياسة حوارية الى سياسة متشددة ورفع «السقف السياسي» للموقف والخطاب، وبما يعيد «لمّ الشارع وشد عصبه».
– الثاني: يدعو الى الاستمرار في الحوار ولكن بشروط وعلى أسس جديدة لجعله منتجاً وهادفاً وليس حواراً للحوار. وهذا يقتضي مقاربة جديدة من حزب الله للمسائل والملفات المطروحة بدءاً من الملف الرئاسي وحيث أن انتخاب رئيس للجمهورية هو الخطوة الأولى في إعادة بناء الوضع المفكك سياسياً ومؤسساتياً… وأصحاب هذا الرأي يعتبرون أن لحزب الله مصلحة في تحصين الوضع الداخلي وتخفيف واحتواء الضغوط التي تحاصره وتضيّق عليه، وبالتالي هو معني بأخذ مبادرات وتقديم تسهيلات… وليس صحيحاً أن المستقبل لوحده له مصلحة في التسوية التي تعيد الحريري الى رئاسة الحكومة وأنه معني بتقديم تسهيلات وتنازلات.
2- مسألة ترشيح النائب سليمان فرنجية استناداً الى اتفاق أبرم معه في باريس نهاية العام الماضي. وهنا أيضاً ثمة رأيان قيد التداول:
– الأول: يرى أنه تم اللجوء الى خيار ترشيح فرنجية للخروج من المأزق الرئاسي بعد سنتين من المراوحة والفراغ، ومن خلفية أن هذا الخيار الوحيد الذي يمكن له أن يزيح ترشيح عون وأن يلقى قبولا عند حزب الله. ولكن تبيّن بعد ستة أشهر أن هذا الترشيح لم يحقق هدفه ولم يخرج رئاسة الجمهورية من الطريق المسدود، وإنما ما زالت في مربع التعطيل ولم يتغيّر شيء بالانتقال من ترشيح جعجع الى ترشيح فرنجية… وهذا يدفع الى إعادة النظر في مسألة ترشيح فرنجية، ويبقى تحديد الاتجاه، أي الانسحاب من فرنجية في اتجاه تأييد عون للرئاسة أم في اتجاه الرئيس التوافقي الثالث؟!
– الثاني: الاستمرار في خيار ترشيح فرنجية حتى لو كانت حظوظه أصبحت ضعيفة والقدرة على تأمين انتخابه قد تلاشت، لأن تيار المستقبل ليس في يده في الاستحقاق الرئاسي إلا ورقة فرنجية ولا يجوز أن يتخلى عنها إلا مقابل ضمانات، وإذا توافر بديل أفضل وأنسب… أما التخلي عن فرنجية مجاناً ومن دون مقابل فيعني حكماً تأييد عون لرئاسة الجمهورية، إذ ليس من أحد سواه بعد مرحلة متدرجة من التصفيات استبعدت تباعاً جعجع وفرنجية… فهل مصلحة الحريري في انتخاب عون وهل هو قادر على تسويقه شعبياً وسنياً تحديداً؟! وهل حزب الله جاهز الآن للتسوية وللتضحية بعون إذا اقتضت التسوية ذلك، وهل يريد انتخاب رئيس للجمهورية الآن أم ينتظر جلاء الوضع في سوريا؟! فإلى حين اتضاح موقف واستعدادات حزب الله وحتى تدق ساعة التسوية ليس أمام المستقبل إلا التمسك بورقة فرنجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق