سياسة لبنانية

هل «التفاؤل الرئاسي» في محله وهل تأييد الحريري لـ «عون» صار وارداً؟!

موجة من التفاؤل المستجد بدأت تخترق منذ أيام حالة الركود والقنوط التي أحاطت بالملف الرئاسي منذ عامين… هذه الهزة التفاؤلية مركزها الرابية وحدثت مباشرة بعد زلزال طرابلس وبدت من ارتداداته. ولكنها بدأت تنتشر وتغزو أوساطاً ودوائر عدة وأن بشيء أو بكثير من الحذر والتحفظ. فمن جهة هناك إقرار وشعور بأن شيئا ما تغيّر في المعطيات والوقائع، ومن جهة أخرى هناك حالة من الغموض وعدم اليقين لأن هذه التغييرات غير مكتملة وليست كافية لإحداث اختراق وتحوّل جذري في المسار الرئاسي.
هذه الموجة التفاؤلية لم تأت من فراغ وإنما ارتكزت الى جملة مؤشرات متفاوتة الأهمية، تدافعت في الفترة الأخيرة ودفعت الى هذا الاستنتاج الذي مفاده أن حظوظ فرنجية سقطت وخيار انتخاب العماد عون صار متقدما وثمرة انتخابه أينعت مع تغيير صار واردا في موقف الرئيس سعد الحريري… وهذه «لائحة» بأبرز المؤشرات نوردها وفق ترتيب عشوائي:
– العشاء الذي أقامه السفير السعودي علي عواض عسيري في دارته بمثابة تصحيح لانطباع ترسخ لدى كثيرين بأن السعودية تضع فيتو على عون، فأراد السفير العسيري عبر هذا العشاء تمرير رسالة بأن السعودية تقف على مسافة واحدة من الجميع.
– إرجاء وزير الخارجية الفرنسي إيرولت زيارته الى بيروت بعدما تبيّن أن حظوظ فرنجية تلاشت ومعها مبادرة الحريري.
الموقف المفاجىء للمرشح الرئاسي سليمان فرنجية الذي أبلغه الحريري في اتصال عشية انتخابات الشمال لجهة ضرورة عدم شعوره بالإحراج إذا مالت دفة الانتخابات الرئاسية لمصلحة عون وإذا قرر انتخابه.
– تصريحات الوزير نهاد المشنوق بشأن الظروف التي أحاطت بترشيح فرنجية، بحيث أنه لم يكن بقرار ومبادرة من المستقبل وإنما وصل إليه عبر طريق متعرج بدأ من وزارة الخارجية البريطانية، وبما يعني تبرير هذا الخيار الرئاسي، ويعني ضمناً التهيئة لقرار الخروج من هذا الخيار في اتجاه خيار آخر متاح حالياً…
– إعلان النائب وليد جنبلاط أنه على استعداد للسير بالعماد عون إذا صار انتخابه خياراً ومطلباً عند المسيحيين وتأمن حوله توافق مسيحي…
– إعلان النائب خالد ضاهر مجدداً أنه مع اختيار الأقوى مسيحياً رئيساً للبلاد ألا وهو العماد ميشال عون.
– إعلان الوزير ميشال فرعون أن ترشيح عون بات له شرعية مسيحية ويجب التداول به وإيجاد الضمانات التي تطمئن الجميع.
– قول النائب أحمد فتفت إن قرار تأييد انتخاب عون لم يتخذ حتى اللحظة من تيار المستقبل، مشيراً الى وجود اعتراضات والى عدم التزام عدد من نواب المستقبل بهذا القرار في حال اتخاذه.
– ما ذكر عن نجاح العميد شامل روكز في إحداث خرق في جدار العلاقة مع بيت الوسط قد يترجم لقاء قريباً بين الحريري وعون.
– حالة الارتياح والانشراح في الرابية والإشارة تصريحاً وتلميحاً الى قرب انتخاب عون (مع تحديد شهر آب كحد أقصى). فالوزير السابق سليم جريصاتي يقول «العماد عون على الموعد حين يحين ويعز الموعد. وقد حان وعز». والوزير السابق كابي ليون قال «هناك تلمس لحراك سياسي إيجابي سيفضي الى إقرار ما هو طبيعي وحق بانتخاب من أفرزه الوجدان المسيحي الى سدة الرئاسة».
– الانتخابات البلدية التي كشفت عمق الأزمة التي يعانيها تيار المستقبل وحجم التراجع الحاصل في شعبيته والتحدي لزعامة الحريري. وإذا كانت طرابلس سجلت «الانكسار والصفعة»، فالوضع لم يكن أفضل في مناطق أخرى: عكار التي حل فيها النائب خالد ضاهر في المرتبة الأولى، وإقليم الخروب الذي تقدمت فيه الجماعة الإسلامية، وصيدا التي فازت فيها لائحة الحريري بأصوات الجماعة الإسلامية وعبد الرحمن البزري والرئيس بري، والبقاع الغربي الذي فاز فيها المستقبل بالشراكة مع عبد الرحيم مراد. وحتى بيروت التي كان فيها الفوز بطعم الهزيمة في مواجهة غير متكافئة بين لائحة حزبية ولائحة «مدنية» (بيروت مدينتي).
أهمية معركة طرابلس أنها حوّلت الأنظار باتجاه الساحة السنية وحرفتها عن الساحة المسيحية، وأنها «فضحت» الواقع المأزوم للرئيس سعد الحريري الذي صار عليه البحث عن طريقة للخروج من أزمته أولاً، وإجراء مراجعة سريعة لوضعه وحساباته لوقف دورة الخسائر والنكسات، واتخاذ قرارات صعبة و«جريئة» أولها ما يتعلق بالملف الرئاسي…
في الواقع هذا هو العامل والعنصر الأبرز في حسابات الرابية وتفاؤلها. ففي أوساط الرابية من يعتقد جازماً أن «أزمات”» المستقبل وصدمة الانتخابات البلدية والوضع اللبناني برمته بكل امتداداته الإقليمية، كل ذلك يضغط على الحريري ويدفع به للقيام بانعطافة حادة والتوجه في اتجاه الرابية وفتح حوار جدي هذه المرة مع العماد عون وإبرام اتفاق رئاسي معه. وباختصار، فإن الحريري لا يجد حلا لأزمته إلا بالعودة الى رئاسة الحكومة، وهذه العودة غير ممكنة إلا بانتخاب عون رئيساً. هذا هو الثمن السياسي الذي يترتب على الحريري دفعه إذا أراد وقف حالة النزف عنده. وهذه هي المعادلة التي تحكم التسوية للمرحلة المقبلة: عون في القصر الجمهوري والحريري في السرايا الحكومي.
هل هذا التفاؤل في محله؟! وهل اختراق جدار الأزمة الرئاسية بات وشيكاً؟! وهل التبرؤ من فرنجية يعني حكما تبني عون؟!
التفاؤل له مبرراته وعناصره ولكنه لا يلغي واقعاً حذراً وغموضاً يلف الملف الرئاسي ويحكمه عاملان أساسيان:
– الأول أن اللاعب الأساسي في لبنان والمتحكم بخيوط اللعبة الرئاسية والمعادلة السياسية هو حزب الله والملف الرئاسي لا يحسمه اتفاق بين عون والحريري وإن كان مثل هذا الاتفاق يشكل إحراجاً لحزب الله ويحشره في زاوية الكشف عن موقفه الفعلي والنهائي… حزب الله ما زال عند كثيرين لا يريد رئيساً للجمهورية في هذه المرحلة؟! وعند البعض حزب الله لا يريد عون رئيسا؟! حزب الله عند كثيرين لا يريد عودة الحريري الى رئاسة الحكومة في هذه المرحلة، وعند البعض حزب الله يريد ثمناً سياسياً لهذه العودة، رئاسة الجمهورية جزء منه وليست كله.
– الثاني أن الملف اللبناني، وخصوصاً رئاسة الجمهورية، مرتبطة بالوضع في سوريا وما سيؤول إليه في الأشهر المقبلة بعدما عاد الى الحرب وسقط الحل السياسي أو تأجل الى ما بعد أوباما والرئيس الأميركي الجديد. حزب الله يعتبر أن مستقبل سوريا هو الذي يحدد مستقبل لبنان، وأن مشكلته في لبنان ليست مع «رئيس الجمهورية» وإنما مع «النظام» ككل وأن انتخاب الرئيس لا يغيّر شيئاً إذا لم يأت ضمن «تسوية وسلة تفاهمات ورزمة إصلاحات»… 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق