سياسة لبنانية

طرابلس: ريفي المفاجأة الكبرى

طرابلس شهدت واحدة من المعارك البلدية القوية التي يُطلق عليها لقب «أم المعارك». هذا اللقب الذي أعطي لمعارك عدة جرت كلها على الساحة المسيحية، أخذته عن جدارة معركة طرابلس، مع أن التوصل الى لائحة توافقية تضم القوى الكبرى والأساسية (ميقاتي – الحريري – الجماعة الإسلامية – كرامي -الصفدي…) كان كافياً لإسقاط صفة المعركة عن انتخابات طرابلس وإعلان انتهائها قبل أن تبدأ… المفارقة الأولى في انتخابات طرابلس أن التوافق بين أقطابها وقواها السياسية لم يبعد عنها «المعركة» التي تحولت معركة سياسية بامتياز… والمفارقة الثانية أن هذه المعركة أخذت وجهة مختلفة وحدث تحوير في مسارها واتجاهها. وبدل أن تكون معركة «زعامة طرابلس» بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري، إذا بها تحولت الى معركة تصفية حسابات بين الحريري والوزير أشرف ريفي الذي فجّر أهم مفاجآت الانتخابات البلدية وخرج المنتصر الأول فيها.

معركة طرابلس جرت على مرحلتين:
– المرحلة الأولى جرت قبل الانتخابات وانتهت نتيجتها السياسية لمصلحة ميقاتي الذي يعتبر عراب «اللائحة التوافقية» وكان له فيها ما أراد من رئاسة بلدية وسبعة أعضاء. فقد خاض ميقاتي معركة طرابلس التوافقية من موقع تفاوضي قوي ومن خلفية إما أن يحصل توافق بشروطه وإلا فإنه جاهز لخوض المعركة. وفي حين كان ميقاتي بتمتع بجهوزية تفاوضية وانتخابية في آن، فإن الحريري أظهر من البداية ميلا واضحا الى الاتفاق مع ميقاتي بدلا من المواجهة معه. وهذا القرار التكتيكي تقف وراءه جملة أسباب وعوامل. فمن جهة يعرف الحريري وضع المستقبل في طرابلس الذي بلغ مرحلة متقدمة من الضعف والتشرذم نتيجة الخلاف مع ريفي وتعدد مرجعيات التيار في المدينة ورواسب السنوات الماضية التي شهدت جولات القتال وتراجع الخدمات. ومن جهة ثانية يدرك الحريري مقدار التنافس الذي سيواجهه في طرابلس فآثر الائتلاف مع ميقاتي الذي خرج من صفه في السابق وانقلب على التحالف وشكل حكومة على انقاض حكومة الحريري.
وبالتالي فإن الحريري الذي خرج بانتصار انتخابي باهت في بيروت لا يرقى الى مستوى الانتصار السياسي، ونزل بكل ثقله في صيدا بمؤازرة من السيدة بهية الحريري التي كان لها دور حاسم هناك، لم يرد أن يخوض مواجهة في طرابلس ستكون بمثابة «مخاطرة» غير مضمونة النتائج والعواقب…
– المرحلة الثانية جرت يوم الانتخاب، وحيث الوجه الأبرز للمعركة كان بين الحريري وريفي: إن السبب الآخر الذي دفع الحريري الى التوافق مع ميقاتي هو التفرغ لمعركة تصفية الحساب مع ريفي وأن تضع معركة طرابلس حداً نهائياً لطموحه ومشروعه السياسي الذي لم يعد مجرد «مشاغبة ومشاكسة» على قيادة المستقبل وإنما تبلور وأخذ شكلاً واضحاً في اتجاه «زعامة مستقلة استناداً الى حيثية شعبية وسياسية خاصة»…
الوزير أشرف ريفي أكمل في طرابلس ما بدأه في بيروت من استقالة حكومية ومن تصدٍ لسياسة الحريري وخياراته معتبراً أنه هو من يعبّر عن الحالة الحريرية الحقيقية التي لم يعد تيار المستقبل قادراً على احتوائها والتعبير عنها، وأن معركته في طرابلس ليس فقط معركة إثبات وجود وإنما معركة حياة أو موت بالمعنى السياسي للكلمة، وأن المزاج السني عموماً والطرابلسي خصوصاً لم يعد مع الحريري وأن هناك أسباباً أساسية وراء تراجع وتدهور شعبية المستقبل:
1- الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه بقبوله المشاركة في حكومة واحدة مع حزب الله والدخول في حوار معه… وهو ما أدى الى منح حزب الله وبطريقة غير مباشرة غطاء سياسياً «سنياً» لقتاله في سوريا
2- الخطأ التكتيكي الفادح الذي ارتكبه بترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، وهو ما أدى الى ضرب جوهر  مشروع 14 آذار والى خسارة الحريري لتحالفه مع جعجع ودفع جعجع الى أحضان عون..
3- الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها الحريري وأثرت كثيراً على تياره وشعبيته القائمة لا سيما على المال والخدمات، خصوصاً وأن ليس هناك من مشروع سياسي عند الحريري وإنما مشروع سلطة…
الوزير ريفي خاض في طرابلس أكبر من معركة بلدية، خاض معركة سياسية (ضد من أسماهم حلفاء حزب الله وبشار الأسد وضد فريق 8 آذار الذي لا مكان له في المدينة) أراد من خلالها تقرير مصيره السياسي… هو خاض مغامرة ولعب «صولد»: فإما يربح كثيراً أو يخسر كل شيء… والنتيجة كانت أنه ربح الرهان وانتصر على كل خصومه القدامى والجدد مجتمعين، ونجح في فتح صفحة جديدة في تاريخ طرابلس السياسي، وأعاد خلط الأوراق على مستوى الشمال والساحة السنية ربما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق