سياسة لبنانية

ماذا بعد الانتخابات البلدية؟!

قد يكون هذا السؤال سابقاً لأوانه لأن الانتخابات البلدية لم تنته فصولاً وجولات بعد، ولكنه مبرر «واقعياً» لأن الانتخابات انتهت عملياً مع نهاية انتخابات جبل لبنان والجنوب… وأما الجولة المتبقية في الشمال فانها لا تحمل مفاجآت ومتغيّرات خصوصاً بعد تقدم خيار التوافق في طرابلس بين الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري… وكان واضحاً من الأساس أن «المعارك» البلدية الفعلية  محصورة على الساحة المسيحية التي تتمتع بتعددية وحيوية وتختزن معاركها كل عناصر المفاجآت والتشويق والإثارة… وستظل معركتا زحلة وجونية العلامة الفارقة والعنوان السياسي الأبرز في هذه الانتخابات التي انطوت على معانٍ ودلالات ومؤشرات مهمة لها صلة باتجاهات الرأي العام وأزمة المجتمع المدني مع الطبقة السياسية الحاكمة، وأيضاً مع الأحزاب التي سجلت كلها تراجعا في شعبيتها وتأثيرها ولكن بنسب متفاوتة بين حزب وآخر…
ولكن أهم ما في هذه الانتخابات أنها خرقت الستاتيكو السياسي وقطعت مع حالة التمديد والركود والرتابة والاستنقاع وتسببت في نشوء مسار جديد للأوضاع ودينامية سياسية جديدة، وحيث ستكون للانتخابات البلدية انعكاسات وتأثيرات في اتجاهات عدة أبرزها:
1- اضطرار كل الأحزاب الى إجراء مراجعة شاملة وسريعة لأوضاعها التنظيمية الداخلية وعلاقاتها السياسية و«الميدانية» في ضوء ما كشفته الانتخابات البلدية من ثغرات ونقاط ضعف وخلل واستعداداً للانتخابات النيابية الآتية والتي ستكون حاسمة في تحديد هوية الطبقة السياسية الجديدة والأحجام والأوزان، وفي تحديد هوية من سيحكم لبنان لسنوات مقبلة… ومن المتوقع أن تقدم الأحزاب، لا سيما المسيحية منها، على إحداث تغييرات ومناقلات في مراكز وكوادر مناطقية حيث ظهر فشل أو تقصير أو أخطاء…
2- التغيير المرتقب في التحالفات والمحاور على حد سواء بما يؤسس لقيام خريطة سياسية جديدة. وهذا التغيير بدأ مع التحول الذي حصل في مسار الاستحقاق الرئاسي ويترسخ مع انطلاقة الانتخابات النيابية في ظل التصدع الحاصل داخل فريق 8 و14 آذار… وقد أعطت الانتخابات البلدية مؤشراً الى إمكانية أن يقدم تيار المستقبل على تغيير تحالفاته المسيحية استناداً الى الحملة التي يشنها ضد «تحالف معراب» بين جعجع وعون والنتائج الضعيفة التي حققها في جبل لبنان وجعلت تيار المستقبل يشعر بالارتياح الى وجود بدائل وخيارات يمكنه اللجوء إليها على الساحة المسيحية ومنها (إضافة الى فرنجية) ميشال المر والطاشناق والكتائب والكتلة الشعبية (زحلة).
3- فتح ملف الانتخابات النيابية التي ستنطلق فور إغلاق صفحة الانتخابات البلدية. فمن جهة تنشط ورشة قانون الانتخاب الجديد ولكن من دون نتيجة وفي ظل قناعة تزداد رسوخاً بأن الانتخابات النيابية حاصلة بعد سنة ولا مجال لتمديد جديد، وأن هذه الانتخابات ستجري على أساس قانون الـ 60، وحتى لو لم يتم الاتفاق على قانون انتخابات جديد… وبالفعل يبني قادة الأحزاب والطوائف حساباتهم من الآن على أساس أن الانتخابات حاصلة وفق قانون الـ 60 (الأقضية والنظام الأكثري)…
4- التأثير الحاصل على الملف الرئاسي من ناحيتين وإمكانيتين:
– إنضاج فكرة الرئيس التوافقي بعدما أكسبتها الانتخابات البلدية قوة دفع جديدة في ضوء النتائج التي حصّلتها الثنائية المسيحية الجديدة والتي يستثمرها خصوم هذه الثنائية في اتجاهين: ضرب فكرة الرئيس القوي، وإضعاف الموقع التفاوضي المسيحي…
– تقديم الاستحقاق النيابي على «الرئاسي»، وحيث تسود في الوسط السياسي وكواليسه «نغمة» إجراء الانتخابات النيابية أولاً وتقصير ولاية المجلس الممدد له بعدما أسقطت الانتخابات البلدية مبررات ومسوغات التمديد، على أن يقوم المجلس النيابي الجديد المكتسب شرعية شعبية وسياسية بانتخاب الرئيس الجديد دونما إبطاء أو تأخير…
… وبين الاتفاق على رئيس توافقي في ظل المجلس الحالي أو انتخاب رئيس على يد المجلس الجديد المنتخب، يظل احتمال الحل الانتقالي قائماً مع رئيس ينتخب لفترة انتقالية تمتد سنتين ويصار خلالها الى تسوية وترتيبات وفق مفهوم السلة الواحدة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق