سياسة لبنانية

حزب الله – التيار الوطني الحر: من «تفاهم 2006» الى «سوء تفاهم 2016»

نعى الرئيس نبيه بري، في مؤتمر صحفي نادر واستثنائي، فريقي 8 و14 آذار وقال إنهما في موت سريري… هذا التوصيف فيه شيء من الصحة ولكن فيه شيء من المبالغة. فالفريقان السياسيان ما زالا «حيين يرزقان» وما زال إحياؤهما ممكنا ولم يصلا بعد الى المرحلة التي يقال عن كل منهما إنه «جثة سياسية تتنفس»…
مما لا شك فيه أن اهتزازات وتصدعات حصلت عند الفريقين وأن معركة رئاسة الجمهورية كانت السبب المباشر وراء هذا الوضع المستجد الذي شهد للمرة الأولى منذ العام 2006 خلط أوراق في التحالفات وفي المشهد السياسي الى حد بات الفرز الطائفي على ثلاثة محاور (شيعي وسني ومسيحي) متقدماً على الفرز السياسي بين محورين (8 و14 آذار)… ومما لا شك فيه أيضاً أن التصدع الأوضح والأدهى حصل في تحالف 14 آذار بفعل الاصطدام الرئاسي الحاصل بين أكبر قوتين في هذا التحالف، وهو القائم على ركيزتين رئيسيتين: سنية (المستقبل) ومسيحية (القوات)، في حين أن التصادم حصل في تحالف 8 آذار بين عون وفرنجية وترافق ذلك مع «تعمّق» الخلاف المتراكم بين عون وبري… في حين أن علاقة العماد عون مع حزب الله لم تُصب بانتكاسة فعلية. ولم يلحق بها ضرر بالغ، ولكن مجمل هذه التطورات لم تمر من دون مشكلة ظلت مكبوتة وغير معلنة، ومن دون اهتزازات ظلت مضبوطة وتحت السيطرة…
في الواقع، شهدت العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله منذ مطلع هذا العام ما لم تشهده منذ عشر سنوات عندما تم توقيع تفاهم خطي بين الطرفين. فقد ظهرت تباينات وتجاذبات لامست حد ضرب «عامل الثقة» في علاقة الحزبين التحالفية والمستمدة قوتها أساساً من علاقة ثقة وود واحترام بين العماد عون والسيد حسن نصرالله… وهذه أبرز العوامل التي نقلت العلاقة من تفاهم الى «سوء تفاهم» وأبرز المؤشرات التي تدل على ذلك:
1- اتفاق معراب الذي أعلن بين جعجع وعون في 18 كانون الثاني (يناير) وكان بمثابة الشرارة في الإشكال الطارىء. ومع أن حزب الله لم يعلن موقفاً سلبياً ضد الاتفاق، لا بل كان موقفه الرسمي إيجابياً، إلا أن قيادته ودوائره درست بتمعن وتمحيص خلفيات وآفاق هذا الاتفاق في ضوء ما بدا أنه ليس مجرد تلاقٍ ظرفي ومصلحي في معركة الرئاسة وإنما يتسبب بولادة واقع جديد له تأثيره المباشر في المعادلة السياسية الحالية وفي المعادلة المسيحية المستقبلية.
2- بداية شكوك وتساؤلات لدى قواعد وكوادر التيار بشأن موقف حزب الله الفعلي من انتخاب عون رئيساً، وما إذا كان تأييداً كلامياً أم عملياً، وما إذا كان حزب الله راغباً وقادراً في إيصال الجنرال الى قصر بعبدا… وهذه التساؤلات ظهرت بعد اتفاق معراب، وقابلها اتهام السيد نصرالله صراحة الدكتور جعجع بأنه يعمل على إيجاد شرخ بين الحزب والتيار في إشارة الى دعوة جعجع الملحة لحزب الله بالتدخل لسحب ترشيح فرنجية والضغط على بري إذا كان فعلاً يريد عون رئيساً للجمهورية بعدما أيدته القوات وباتت الكرة في ملعب الحزب…
3- نأي التيار الوطني الحر بنفسه عن المواجهة الحادة الدائرة بين حزب الله والمملكة السعودية. ومع أن السيد حسن نصرالله أبدى تفهمه لهذا الموقف وأعطى حلفاءه حرية اتخاذ الموقف الذي يناسبهم وأعلن عدم حاجته إليهم في هذه المواجهة، إلا أن هذا الموقف «الحيادي» كان له أثر خصوصاً وأنه لم يقتصر فقط على عدم مهاجمة السعودية وإنما تضمن عدم الدفاع عن حزب الله.
4- استئناف الاتصالات وإعادة فتح الخطوط بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وكل من السفارة السعودية وقيادة المستقبل، مع ما يعنيه ذلك من عودة الى رهان سابق ثبت فشله.
5- زيارة التيار الوطني الحر الى منزل النائب خالد ضاهر في طرابلس… وأخذ حزب الله على زيارة «حليفه الأول الى خصمه الأبرز» أنها جاءت علنية وودية وعبر وفد قيادي رفيع المستوى… وهذا ما اقتضى لاحقاً تصحيح الوضع تولاه الوزير باسيل شخصياً عبر زيارة نوعية الى طرابلس ودخول من الباب الواسع… وعبر زيارة استثنائية الى قيادة الحزب القومي (مع الوزير الياس بو صعب والوزير السابق نقولا صحناوي والنائب نبيل نقولا والوزير السابق فادي عبود) الذي احتج أيضاً على زيارة الضاهر (يحمله «القومي» مسؤولية مجزرة حلبا).
6- التباين في موضوع «تشريع الضرورة»، حيث يؤيد حزب الله موقف الرئيس نبيه بري، فيما ينسق التيار مع القوات في هذا المجال مشترطاً أولوية إقرار قانون الانتخابات…
كل هذه التوترات لا «تفسد في التحالف قضية»… وهذا ما سيترجم في محطتين رئيسيتين: الانتخابات البلدية حيث سيعطي حزب الله أصواته الى «العونيين» حتى في اللوائح التي تجمع التيار مع القوات، وقانون الانتخابات على أساس النسبية… إضافة الى رئاسة الجمهورية حيث يرابط حزب الله عند موقفه الثابت بتأييد عون ولا أحد غيره طالما هو مرشح ولم يقرر الانسحاب. فإذا قرر الانسحاب يصبح حزب الله في حل من التزامه الذي هو التزام بشخص عون وليس بخياره ومن يسميه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق