أخبار متفرقة

هل من اختراق محتمل في ملف رئاسة الجمهورية؟!

كثيرة هي المواقف والإشارات السياسية التي صدرت في الأيام القليلة الماضية وتدل الى «كلام جديد» يصدر عن قيادات بارزة ويوحي بوجود «تطور ما» في ملف رئاسة الجمهورية وتحريك له في الاتجاه الذي يخرجه من المأزق، بعدما حُشِر لأشهر خمسة في زاوية خيار «السهل الممتنع» بين فرنجية وعون اللذين ينتميان الى الفريق السياسي ذاته وكلاهما حليف لحزب الله:
– زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، مشدداً على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية كونه يشكل مفصلاً مهما في إعادة انتظام مسيرة الدولة ومؤسساتها وتنشيط الدورة الاقتصادية والإنمائية، اعتبر أن وصول أي شخص الى سدة الرئاسة يكون أفضل من الفراغ، وقائلاً إنه حتى لو فاز العماد عون فإنه سيكون أول المهنئين له وسيقول له: مبروك جنرال…
– رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي كان اكتشف باكراً أن طريق فرنجية الى قصر بعبدا ليست سالكة وعاد الى سياسة الخيارات المفتوحة التي لا تستثني عون، أعلن للمرة الأولى رسمياً احترامه لمقاطعة قوى 8 آذار، لا بل التزامه بهذا التوجه وتكريسه عرفاً بقوله إنه لا يشارك في جلسة رئاسية يتأمن فيها النصاب ولا يشارك فيها حزب الله لأنه فريق أساسي… ويضع جنبلاط بذلك حداً نهائياً لمحاولة تأمين نصاب جلسة انتخاب الرئيس من دون حزب الله…
– رئيس تيار المردة المرشح الرئاسي سليمان فرنجية قال (في كلمة وجهها عبر «سكايب» الى احتفال سنوي لتيار المردة في أستراليا): «الإنجاز الأهم تحقق وهو أن الرئيس من فريقنا ويجب ألا نخسره سواء كان العماد ميشال عون أو سليمان فرنجية»… وقال أيضاً «بين الأحباء هناك دائما عتب أو لوم، تقارب أو تباعد، كما الحال بين الوالد وابنه أو الأخ وأخيه…».
– رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اعتبر أن حظوظ عون وفرنجية باتت شبه معدومة، ودعا الى الانتقال الى خيار الرئيس التوافقي. ولكن اللافت هناك أنه سمى «شامل روكز» بين الخيارات والأسماء التوافقية المقبولة والممكنة.
هذه المواقف وغيرها ترافقت مع حركة سياسية لافتة ومتعددة الاتجاهات: لقاءات الوزير جبران باسيل مع فرنجية وأيضاً مع فريق الحريري، لقاء جنبلاط مع العميد شامل روكز، والأهم أنها ترافقت مع اقتراح متجدد غزا بقوة الأوساط السياسية ويقضي بانتخاب العماد عون رئيساً لفترة انتقالية من سنة أو سنتين يصار فيها الى إعادة تكوين وإنتاج السلطة (حكومة انتقالية تشرف على إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون انتخابات جديد)، وهذا الاقتراح ينسب بشكل مباشر الى الرئيس حسين الحسيني الذي كان السبّاق الى إطلاقه منذ سنة ولكنه اكتسب بعداً جديداً وأهمية بعد زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى بيروت، وحيث تسلم مذكرة خطية من البطريرك الراعي ورد فيها مثل هذا الاقتراح الداعي الى انتخاب رئيس انتقالي.
هذا المشهد السياسي يوحي وكأن الملف الرئاسي مرشح للخروج من حال الركود والمراوحة والدوران في الحلقة المفرغة، وأن اسم العماد عون الذي يتصدر قائمة المرشحين الى الرئاسة منذ عامين عاد الى التداول من جديد وهذه المرة من باب بروز أول فرصة جدية لانتخابه رئيساً ومبنية على تحوّل محتمل في موقف الحريري بدأت ملامحه ومؤشراته تظهر وتتكوّن تباعاً، بعدما تأكد له أن انتخاب فرنجية ليس ممكناً في هذه المرحلة، وأن المسألة مسألة «نصاب سياسي» غير مؤمن وقراره في يد حزب الله، وأن الخيار عملياً ما زال عند النقطة التي كان عندها منذ عامين: عون رئيساً… أو استمرار الفراغ…
السؤال المطروح استنادا الى كل ذلك: هل دقت ساعة انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية؟!
في الحسابات الرئاسية وقواعد اللعبة الداخلية، الاستحقاق الرئاسي يخرج من المأزق في إحدى حالتين:
– تنازل عون أو فرنجية أحدهما للآخر.
– تغيير في موقف حزب الله (السير بانتخاب فرنجية) أو تغيير في موقف الحريري (السير بانتخاب عون)…
نظرياً تنازل فرنجية ممكن، وأما تنازل عون فهو صعب جداً ويكاد أن يكون مستحيلا، ليس عن رئاسة الجمهورية فقط وإنما أيضاً عن ولاية دستورية كاملة (6 سنوات)…  ونظرياً التغيير في موقف الحريري ممكن في «لحظة سياسية ما»… وأما التغيير في موقف حزب الله فإنه صعب جداً والى حد ما متعذر لأنه ملتزم بحليفه الأول عون الذي طالما هو مرشح لا أحد سواه… ولأن ميزان القوى لمصلحته…
عملياً، تنازل أو انسحاب فرنجية ليس واردا إذا لم يكن انتخاب عون رئيسا جاهزا ومضمونا. فحزب الله لن يفرط بفرصة أن يكون الرئيس الجديد للجمهورية من فريقه السياسي… فإذا انسحب فرنجية ولم يُنتخب عون يكون قد خسر هذه الفرصة…  
وعملياً أيضاً، فإن تأييد الحريري لانتخاب عون غير وارد إذا لم يحصل على ضوء أخضر من السعودية وموافقتها… فإذا كانت السعودية استنتجت بعد اتفاق عون وجعجع أن انتخاب فرنجية مرفوض من الأكثرية المسيحية ولم يعد يحظى بإجماع وتوافق، فإنها لم تصل بعد الى مرحلة الاستنتاج أن انتخاب عون لا يمثل مكسباً وانتصاراً لحزب الله… وبمعنى آخر إذا كانت السعودية قررت الخروج من خيار فرنجية وعدم تبنيه فإنها لم تقرر بعد الدخول في خيار عون وتأييد انتخابه رئيساً… وإذا كان حزب الله متمسكاً بالعماد عون أكثر من أي وقت مضى في مرحلة اشتداد الضغوط السعودية وغير السعودية عليه، وبالتالي لا يريد أن يقدم تنازلاً أو يظهر مؤشر ضعف وتراجع في هذه المرحلة… فإن السعودية حذرة في موضوع العماد عون ولا تريد إعطاء حزب الله في عز المواجهة معه والتضييق عليه مكسباً أو انتصاراً في لبنان، وما زالت تبحث في مفاعيل ونتائج وصول عون الى رئاسة الجمهورية وكيف سيكون عليه الحال وما إذا كان تحالفه مع حزب الله يستمر متماسكاً بعد الرئاسة أم تطرأ عليه تشققات وتصدعات، وما إذا كان عون حليفاً لحزب الله هو غيره عون رئيساً للبنان…
الطرفان الأساسيان في المعركة الرئاسية يتبادلان اتهامات التعطيل والفراغ: المستقبل يقول إن حزب الله لا يريد انتخابات رئاسية ولا يريد رئيساً، وإلا كيف يفسر برودته وانكفاءه مع مرشحين حليفين له. وفي المقابل، فإن حزب الله مع حلفائه يقولون إن الحريري يتحمل مسؤولية الفراغ لأنه لا يريد عون رئيساً.
حلفاء حزب الله يدعون الحريري الى تأييد خيار عون للرئاسة لحشر الحزب في الزاوية ورد  الاتهام عنه وعن السعودية. فإذا كان الحريري اتخذ نصف موقف أنه لن يلعب لعبة النصاب في جلسة تنتخب عون رئيساً ولن يقاطع كما فعل حزب الله منذ سنتين، لم يعد أمامه إلا إعلان موقف كامل والإعلان أنه سيشارك في جلسة الانتخاب وسيصوت لعون كرئيس توافقي، إذ ليس من المعقول ولا المقبول انتخاب عون وقيام توافق من دون الصوت السني…
خلاصة كل هذا الوضع أن الاستحقاق الرئاسي أمام فرصة موجودة ولكن ضعيفة لانتخاب رئيس للجمهورية هو العماد عون في فترة الأسابيع أو الأشهر الخمسة المقبلة من الآن وحتى نهاية الصيف كحد أقصى… أما الاحتمال الثاني، فهو استمرار المأزق الرئاسي طالما أن الأسباب والظروف الإقليمية التي أدت إليه ما تزال قائمة، وفي هذه الحال سيتأخر الانتخاب الرئاسي لسنة على الأقل وستكون الغلبة لرئيس التوافق والتسوية أو الخيار الثالث من خارج فريق 8 آذار وبالتأكيد من خارج 14 آذار…
أما الأسباب الإقليمية المعرقلة أو المانعة لانتخاب رئيس للبنان، فإن هناك من يحددها في العلاقات المتأزمة بين السعودية وإيران والتي يمكن أن تشهد بداية انفراجات انطلاقاً من اليمن ومفاوضات الكويت… وهناك من يحددها في الأزمة السورية وتطوراتها العسكرية والسياسية التي ما زالت «طويلة ومعقدة» ويلفها الكثير من الغموض والضبابية رغم انطلاقة مفاوضات جنيف… وطالما لم تتضح ملامح وخطوط التسوية في سوريا ولم يحدد مستقبلها السياسي كدولة ونظام، فإن لبنان يظل قابعا في غرفة الانتظار والمرحلة الانتقالية، والفراغ في رئاسة الجمهورية مستمر حتى إشعار آخر ولفترة طويلة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق