سياسة لبنانية

موقع حزب الله في العلاقات اللبنانية – الفرنسية

تقوم سياسة باريس الثابتة تجاه لبنان التي أكدتها أعلى المراجع الفرنسية وفي كل مناسبة ومهما يكن لون الحكومة يمينية أم يسارية، على الإعلان عن التمسك بسيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه وبأولوية المؤسسات الدستورية والديمقراطية وبوحدانية السلاح الشرعي. وتضاف إلى ذلك دعوة باريس الدائمة إلى توافق اللبنانيين في ما بينهم وتعايش مكونات الكيان على تنوعه الذي كانت لفرنسا اليد الطولى في إنشائه مع نهاية الحرب العالمية الأولى وانتدابها على لبنان من قبل عصبة الأمم. وتتمسك باريس بالتعايش باعتباره الضمانة الأولى للاستقرار السياسي والأمني.
وأكثر ما يقلق باريس، وفق ما يكرره مسؤولوها منذ بداية الأزمة السورية هو أن تتمدد إلى لبنان الذي تعتبره «الحلقة الأضعف» والأكثر تعرضاً لانعكاساتها من بين كل بلدان الجوار. وعلى الجبهة اللبنانية  – الإسرائيلية، تتمسك باريس بتنفيذ الطرفين اللبناني والإسرائيلي القرار الدولي رقم 1701 الذي وضع حداً للحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006. وترى المصادر الفرنسية أن أبرز دليل على نجاعة القرار المذكور أن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ما زالت هادئة منذ سبع سنوات… ولم تخل السنوات المنقضية من أحداث توتر بين اليونيفيل وتحديداً القوة الفرنسية التي تتكون في الوقت الحاضر من 850 رجلاً وجمهور حزب الله في الجنوب وفي مناطق انتشار القوات الدولية. كذلك عرفت الحدود بعض التوتر الذي بقي ضمن الحدود التي يمكن التحكم بها. وباريس مستمرة في لعب دورها في إطار القوات الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل) نظراً للدور المحوري الذي تلعبه في المحافظة على استقرار جنوب لبنان، ودورها أصبح أكثر محورية مع تزايد التوترات الإقليمية.
كل هذه المواقف «الرسمية» تصب في اتجاه واحد هو المحافظة على استقرار لبنان وتنوعه الثقافي والبشري والديني. ولذا، فإن نوعية العلاقة الفرنسية مع حزب الله تطوع من أجل هذا الهدف الأعلى بانتظار أن تنضج الظروف الإقليمية يوماً حتى يعود حزب الله حزباً مدنياً من غير جناح عسكري.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون فرنسيون إن باريس تنظر إلى حزب الله على أنه حزب سياسي له نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة، وبالتالي يتمتع بالشرعية المتأتية عن العملية الانتخابية. وبنتيجة ذلك، فإن باريس تقيم علاقات ثنائية جيدة عبر سفارتها في بيروت مع وزراء ونواب الحزب وعلى كل المستويات، فضلاً عن ذلك تسعى فرنسا لإقامة علاقات جيدة ومتوازنة مع كل الطوائف اللبنانية ومنها الطائفة الشيعية التي تعتبرها من الطوائف المهمة والتي من الصعب الالتفاف عليها. ولذا، فإنها شريك تتعامل معه فرنسا من خلال علاقاتها مع الرئيس نبيه بري ومن خلال حزب الله. غير أن هناك عوامل أخرى تتحكم بعلاقات باريس بالحزب المذكور وأولها وجود اليونيفيل في جنوب لبنان ومن ضمن صفوفها القوة الفرنسية الأمر الذي يدفع هؤلاء المسؤولين إلى وصف هذه العلاقة في الجنوب بأنها «بالغة الحساسية». ويرى هؤلاء أن ما يزيد في حساسيتها التوتر الإضافي المتأتي عن الوضع في سوريا وارتداداته لبنانيا ومواقف الأطراف اللبنانية منها ما يعني عملياً أن باريس مدعوة لأخذ هذا العامل بعين الاعتبار في رسم سياستها على المسرح اللبناني.
وترى مصادر فرنسية في موضوع اليونيفيل أن مصلحة حزب الله أن يحافظ على الهدوء في جنوب لبنان ولا يفتعل المشاكل. والمخاطر بالنسبة الى اليونيفيل «يمكن أن تأتي من جانب السلفيين أكثر مما تأتي من جانب حزب الله. وحان الوقت للحكومة الفرنسية أن تعيد تقويم موقفها خصوصاً أن الجانبين الأميركي والروسي يبحثان عن مخرج يجنب انحدار سوريا إلى وضع الفوضى الشاملة والاستفادة من التجربة الليبية وقبلها التجربة الأفغانية».
وتضع المصادر علاقة باريس بحزب الله في إطار العلاقات العامة الفرنسية – اللبنانية، غير أنها ترى فيها خروجاً من الرؤية السابقة التي كانت تركز سابقاً على العلاقة الفرنسية – المارونية كأساس لما هو قائم بين بيروت وباريس. وبرأيها أن علاقة فرنسا بحزب الله حيوية بالنظر للحقائق القائمة على الأرض. ولذا، فإنها تدعو لأن تكون «مصدراً لاستقرار الوضع الداخلي في لبنان».
يروي إيلي برنابي، سفير إسرائيل السابق في باريس أنه ذهب لمقابلة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ليقنعه بضرورة النظر إلى حزب الله اللبناني على أنه «منظمة إرهابية مسؤول منذ ولادته في عام 1982 عن عمليات خطف وقتل واعتداءات إرهابية وخطف طائرات وقصف إن على الأراضي اللبنانية أو في الخارج والتي أسفرت عن مقتل مئات الأشخاص…». وبحسب السفير الإسرائيلي السابق، فإن شيراك رفض الإصغاء بل رد عليه قائلاً: «حزب الله حزب سياسي لبناني، وهو جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي في هذا البلد، وجزء من توازنه الطائفي»… وحتى الآن، كل الحجج والضغوط لم تفلح في حمل باريس على تغيير موقفها، الأمر الذي تبدى في اجتماعات الاتحاد الأوروبي ورفض فرنسا وضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق