تقنية-الغدتكنولوجيا

شبكات التواصل الاجتماعي… تهدد وعينا تتلاعب بعقولنا وتحولنا الى بلهاء؟!

في السنوات العشر الأخيرة، أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعه تغيرات جوهرية في حياتنا اليومية والواقعية، تغيرات لم يتسن بعد قياسها وتقدير منافعها أو مخاطرها على شخصيتنا وعقولنا ووعينا. فهل تمثل الشبكات الاجتماعية تهديداً لوعينا وتلاعبا بعقولنا؟ أم أنها تؤثر في طريقة نظرتنا للحياة والواقع في اتجاه تغييره للأفضل؟

مما لا شك فيه أن ما يطلق عليه تسمية شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فايسبوك» و«تويت» و«لينكدين» و«يوتيوب» و«إنستاغرام» وغيرها، غيرت وبشكل عميق سلوكيات حياتنا الاجتماعية في السنوات العشر الأخيرة. فبفضلها اتسعت شبكات علاقاتنا الاجتماعية وساعدتنا على تخطي حواجز المكان والزمان، وأصبح لدينا أصدقاء في نيويورك وهونغ كونغ وجنوب أفريقيا وشمال أوروبا نستطيع مراسلتهم في أي وقت أردناه دون الانتباه لفروق التوقيت. كما قامت بإغناء وإثراء علاقاتنا الاجتماعية ومقدرتنا على الاجتماع بأشخاص كثر يشاركوننا تقريباً اهتماماتنا عينها، كما انتقلنا من التواصل الشفهي إلى التواصل المكتوب القصير السريع والمتزامن. وبفضل هذه الشبكات، شهدنا أيضاً ولادة تعدد الهويات الرقمية لشخص واحد يقبع خلف لوحة المفاتيح.
 أكثر من مليار شخص الآن في جميع أنحاء العالم مسجلون على «فايسبوك»، مئات الملايين منهم أعضاء فاعلون، وعندما نقول «فاعلون» فإننا نقصد أن كلاً منهم يقضي على هذه الشبكة 20 بالمئة من الوقت الإجمالي الذي يقضيه أمام أجهزة الحاسوب، وهو ما يعني 30 دقيقة على الأقل يومياً. وهو رقم لا يقارن بالوقت الذي يقضيه الإنسان العادي أمام شاشة التلفزيون، والذي يبلغ معدله في المتوسط ساعتين وعشرين دقيقة يومياً للشريحة العمرية بين 25 و35 عاماً.

ندوة «العلم والمستقبل»
وفي ندوة أقامتها مجلة «العلم والمستقبل» الفرنسية بعنوان «هل تهدد الشبكات الاجتماعية عقولنا؟» في إطار مؤتمر أكبر عن العلم والوعي، تحدثت نيكولا ديماسيو رئيس مركز البحوث والتطوير في شركة أورانج للاتصالات، وسيرج تيسرون عالم النفس والطبيب الفرنسي المتخصص في تأثير وسائل الاتصال والصورة والتكنولوجيا على الشباب، وبليز ماو رئيس تحرير مجلة «أوزبك وريكا» المتخصصة في استشراف التكنولوجيات المستقبلية»، باستفاضة عن مفهوم هذه الشبكات وتأثيراتها على حياتنا المعاصرة.

«الشبكات الاجتماعية ليست مفهوماً جديداً»
ويرى نيكولا ديماسيو أن الشبكات الاجتماعية ليست مفهوماً جديداً على الإنسان، فهي توجد في حياتنا اليومية وبكثرة، وربما لا نلاحظ وجودها لأنها جزء من طبيعتنا البشرية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه يميل إلى التواصل مع أفراد جنسه والانخراط في شبكات علائقية معهم، مثل الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل والجيران … إلخ. وما نطلق عليه الآن «“شبكات التواصل الاجتماعي» هي الشبكات الاجتماعية عينها التي نعهدها، غير أنه تمت رقمنتها وإضافة مسحة تكنولوجية إليها.
ويعتقد سيرج تيسرون أن نجاح وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية يعود، في جزء كبير منه، إلى القدرة على إخفاء الهوية وتعميتها كما لو كانت لعبة «استغماية». وهو ما يتيح للإنسان تقمص أي دور يريد والبوح بمكنونات صدره دون رادع أو خوف من عقاب. بينما ركز ديماسيو تحديداً على هذه النقطة وأوضح أن سهولة إخفاء الهوية قد يدفع المرء إلى تبني سلوكيات يرفضها في الحياة اليومية، كالسب والشتم والهروب من المواجهة وتوجيه التهديدات المعنوية.

«ضغوط اجتماعية على الإنسان»
إلا أن الباحثين الفرنسيين ديماسيو وتيسرون يتفقان تقريباً على أنه رغم هذا التغير الإيجابي الذي حبتنا به شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها زادت أيضاً حجم الضغوط الاجتماعية على الإنسان وعلى ردود أفعاله تجاه الآخرين. فهناك آثار جانبية لهذا النجاح على الشخصية والعقل الإنساني، فهي تؤدي، كما يقول تيسرون، إلى انحراف الانتباه تجاه موضوعات سطحية لا تقترب قليلاً أو كثيراً من احتياجاتنا ومشاكلنا الحقيقية، وذلك بسبب عدم القدرة على استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات التي نستقبلها. هذا الانحراف يخلق لاحقا العوائق التي تمنعنا من التركيز والانتباه على ما هو ضروري معرفته.
ويضيف تيسرون بأن هذه الشبكات قد تؤدي لخلق مشاكل في العلاقات الحياتية الحقيقية؛ فالمعارك الرقمية قد تتحول إلى تضارب وتبادل للكمات بين الأشخاص المنخرطين فيها. هذا إضافة إلى المشاكل الخطيرة الناتجة عن سوء الفهم في التواصل مع الآخرين، حيث إن ردود أفعالنا في كثير من الحالات تتقرر حسب تفسيرنا لأفعال الآخرين تجاهنا، وربما يؤدي ذلك إلى فقدان صداقاتهم في الحياة الواقعية والرقمية.

«مكافأة النجوم»
نيكولا ديماسيو يرى أن هناك خطراً أطلق عليه «مكافأة النجوم»، فالأشخاص الفاعلون بكثرة في محيط شبكتك الاجتماعية الرقمية يعطون انطباعاً زائفاً بسيادة رأي ما على هذه الشبكة، والدراسات أثبتت أننا كمستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي كلنا تقريباً لدينا الإحساس بأن أصدقاءنا مشاركون بفاعلية أكبر منا، ولكن الحقيقة هي أن ما يقل عن عشرين بالمئة فقط من أفراد الشبكة هم الأكثر اتصالية، وعندما تشاهد شريط أخبارك على فايسبوك، سيتولد لديك انطباع بأن وجهة نظر واحدة صحيحة هي ما يمثل الرأي العام، وهو ما يؤثر على وعينا بالعالم المحيط بنا.
ويضيف ديماسيو قائلاً «كلما زاد اتصالنا وتواصلنا بهذه الشبكات، كلما زادت كمية المعلومات المستقبلة، في البداية يكون الأمر سهلاً، لكن بعد ذلك يصبح من المستحيل تقريباً إدارة واستيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات الذي يشعرنا بالتخمة المعلوماتية، ورغم ذلك يصيبنا بالإدمان على استهلاك المعلومات والإحساس بالجوع والعطش المستمر للمزيد منها.
 
التواكلية في الفعل الاجتماعي
خطر آخر ينبهنا إليه ديماسيو ألا وهو ما يطلق عليه التكاسلية والتواكلية في الفعل الاجتماعي. فشبكات التواصل الاجتماعي مكان جيد جدا لنشر الأخبار، ولكنها أسوأ مكان لتطبيق الفعل الاجتماعي في الحياة الواقعية. فتغريدك لصالح قضية ما أو نشرك لرأي ما تؤيده أو قضية تدافع عنها يعطيك إحساساً مصطنعاً بالمشاركة في فعل اجتماعي ما أو أنك بذلت مجهوداً ضخماً في هذا الإطار، في حين أنك لم تتحرك قيد أنملة من مكانك وهو ما يطلق عليه بالإنكليزية Slacktivism.

فقدان القدرة على التركيز على مهام طويلة الأمد ككتابة المقالات أو قراءة الكتب
ولفت تيسرون النظر إلى مقولة «الإنترنت يحولني إلى أبله» التي أطلقها الكاتب الأميركي نيكولاس كار، الذي نشر مقالات عن تأثير الإنترنت على المخ البشري. وهي المقولة التي تركز على مفهوم الضغوط الممارسة على الانتباه، والمغيرة بالتالي لنظرتنا تجاه العالم. وانطلق كار من افتراض أن الرسائل والنصوص القصيرة تؤثر في اللدونة العصبية والمشبكية في المخ، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على التركيز على مهام طويلة الأمد ككتابة المقالات أو قراءة الكتب.
وهي الفرضية التي، كما يقول تيسرون، حاول عدد من الباحثين التحقق من صحتها في تجارب نشرت نتائجها في شباط (فبراير) 2016 مجموعة طلاب كنديين من ناحية ممارستهم لكتابة الرسائل والنصوص القصيرة، وناحية سمات شخصياتهم والهدف الذي يعطونه لوجودهم في الحياة، وخلصت النتائج إلى أن أكثر الطلاب ممارسة لكتابة الرسائل القصيرة هم الأقل نزوعا لطريقة التفكير النقدي العميق والأكثر افتقارا لتحديد أهدافهم في الحياة.
بيد أن تيسرون يشدد على أن نقص التجارب العملية والطبية بالأشعة المقطعية على المخ يجعلنا نعتقد أن هذه العلاقة التي أظهرتها الدراسة ليست سببية لأنها لا توضح لنا ما إذا كان هذا الاستخدام هو ما يؤدي إلى تغييرات في العقل أم أن الأشخاص الذين يعانون أصلا من مشاكل في العقل هم الأكثر نزوعا لاستخدام هذه الأدوات.

«لا توجد إشارات تحذيرية واضحة»
ويضيف بأنه حتى الآن لا توجد إشارات تحذيرية واضحة من مخاطر الاستخدام المتوسط للشبكات الاجتماعية الرقمية على العقل، ولكن من المهم الانتباه لأمرين في غاية الخطورة، الأول هو أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتوجيه الفكر والسلوكيات والدعاية أمر طبيعي ولا يمكن تجنبه، فلطالما حاول الإنسان اختراع أدوات تؤثر في عقول المحيطين به، ولكن يجب أن نكون واعين إلى أننا غير مجبرين ولا مضطرين للقبول والتسليم بأول خبر أو معلومة نجدها على هذه الشبكات وأننا يجب أن نطور آلية الشك في المعلومات. فتنويع مصادر المعلومات على الإنترنت أحد أخطر التحديات التي يواجهها الإنسان المعاصر لأنه ينزع إلى مطالعة مصدر واحد للمعلومات يضفي عليه الكثير من المصداقية. وهذا التنويع هو الحل الوحيد من وجهة نظره وذلك لاستحالة التأكد من مصادر الأخبار على هذه الشبكات. ويقول مستفيضاً في توضيح فكرته «غير أننا  يجب الا ننسى أيضاً مع ذلك أنه بفضل هذه الشبكات يستطيع الأفراد الخاضعون للديكتاتوريات أن يجدوا معلومات تختلف عن تلك التي يروج لها الطغاة».
والثاني هو أهمية تطوير ما يسمى بالتفكير الجديد والذي تمثله شبكات التواصل، وهو التفكير السريع السطحي ذو التركيز المعمق قصير المدى، وذلك بالتوازي مع التفكير التقليدي الذي يركز أكثر على المهمات العقلية طويلة الأمد، لأن الإنسان في النهاية يحتاج إلى هذين النمطين لتنمية قدراته العقلية.

فرانس 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق