الأسبوع الثقافيثقافة

غادة السمان مسافرة… الطرافة والجرأة والتعبير الجميل

عندما يرد اسم الكاتبة السورية غادة السمان فإنه يوحي عادة بالروايات والقصص. لكن لهذه الأديبة الكبيرة كتابات كثيرة أخرى في نتاجها الغزير لا تقع ضمن التصنيف القصصي.

ومن جملة هذه الكتابات عملها الأخير وهو السادس في «أدب الرحلات» والذي حمل عنوان (امرأة على قوس قزح) وفيه مقالات بلغت نحو 60 مقالاً كلها في موضوع السفر. وحفلت هذه المقالات بطرافة وجرأة في التعبير الجميل وجاء كثير منها يعكس سمات قصصية دون شك لأن الكاتبة روائية وقصصية كبيرة.
ورد الكتاب في 251 صفحة كبيرة القطع وصدر عن (منشورات غادة السمان) في بيروت مع رسم غلاف للفنان الأميركي مارك شاغال ورسم لغادة السمان على الصفحة الأخيرة للغلاف بريشة الفنان التشكيلي محمد خالد.
استهلت غادة السمان كتابها بإهداء شعري الطابع ورمزي قالت فيه «لعلي ولدت وفي فمي بطاقة سفر، مضرجة بالرحيل. تتقاذفني مدن المطر ككرة قدم وانزف قلبي في صالات ترانزيت العمر. ولذا أهدي هذا الكتاب إلى المحبوب الذي أبعدني دوما عنه رافضاً حبي ممعناً في تشريدي بين القارات، واسمه (الاستقرار). ترى هل على أبجديتي أن تشكره على ذلك؟».
بعد ذلك نقرأ (مقدمة بقلمي ولن أكتبها) أوردت فيها الكاتبة «مسودة العناوين التي كنت أعتزم إطلاقها على الكتاب وحرت بينها». وتلت ذلك عشرة عناوين قالت بعدها «فإذا ما أعجب القارىء بعنوان منها بوسعه شطب العنوان الذي اخترته أنا للكتاب ليخط مكانه ما ارتآه هو من عنوان وإني كعادتي أبارك مشاركته هذه – ولو الرمزية – في الكتابة معي».
تحت عنوان (سيران شامي في زوريخ) قالت الكاتبة «في إحدى زياراتي إلى مدينة زوريخ السويسرية اصطحبتني صديقة ثرية إلى الغداء في مطعم فخم شهير. وفي الطريق إليه لاحظت وجود منتزه مطعم بمنظر بديع على ضفة البحيرة فقلت لصديقتي: لماذا لا نتناول الطعام هنا أمام هذا المنظر البديع؟ (ككل أهل الشام أعشق تناول الطعام على ضفة نهر أو بحيرة أو شاطىء بحر! كأن ذلك يعيدنا إلى أصولنا: إلى السيران الشامي العتيق)».
«قالت لي صديقتي: هذا المطعم مجاني يستطيع أي عابر أن يؤمه. هذه المقاعد الخشبية والطاولات الممدودة يستطيع من شاء جلب طعامه والجلوس عليها أو شراء طعامه من المكان وحمله على صينية بنفسه. وهكذا كان… ولم أعرف جلسة أكثر جمالاً. فالمنتزه المجاني يقع على نقطة تقاطع نهر ليمات مع بحيرة زوريخسي. وللفقير في سويسرا حصة من جماليات بلده».
«إنه السيد حقاً، يدفع الضرائب ومنها يقبض المسؤول وجماعته الرواتب. السياسي الكبير موظف عند الناس مهمته خدمتهم وليس سيدا بفعل إرادة غيبية».
وتحت عنوان (السائح العربي. لماذا يسافر؟) كتبت غادة السمان تقول «لسبب أجهله يلتصق معظم المصطافين العرب في سويسرا بمدينة جنيف بالذات بل وبجزء صغير منها، أي أنهم يتحركون في رقعة محدودة. ومن النادر جداً أن ألتقي بعربي في متاحف جنيف الكثيرة المهمة أو حتى في مطاعمها السويسرية أو الفرنسية باستثناء المدرجة على الجدول السياحي الفولكلوري أو معارضها الفنية أو قطاراتها النظيفة الجميلة دقيقة المواعيد كساعاتها».
«وكمسافرة محترفة يدهشني أن السائح العربي الذي التقيت به في أربع قارات بالأرض لا يركض – عامة – خلف اكتشاف البلد المضيف الجديد بل يحاول أن ينقل بلده إليه: طعامه العربي المحلي ومقهاه وأصحابه وثيابه وعاداته وينفق ثروة صغيرة في محاولة تحويل غرفته في الفندق إلى غرفة من غرف بيته. فلماذا يسافر إلى الغرب إذن؟ وهل لندن وباريس وجنيف مجرد مدن مكيفة الهواء صيفا؟».
لكن بعدما صار المسافر العربي في هذه الأيام يتعرض لأنواع عديدة من التدقيق المبالغ فيه أحياناً فإن غادة السمان تختم كتابها بمقال قصير عنوانه (حذار، لا تسافر) وفيه تقول «يا عزيزي القارىء، لا ترحل معي. لم يعد الرحيل بالطائرة قفزة إلى الدهشة. صار مزروعاً بتفتيش حذائك وذاكرتك وحنجرتك. وقد تجد نفسك مثلي خارج الزمان والمكان في محطة رمادية تحت الأرض معلقة بين الوحشة والخوف والأحزان وبعدها قد تضيع بقية حقائبك، وذاكرتك».

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق