الأسبوع الثقافي

الأيام الثقافية العمانية تحط رحالها في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل

امتزاج الأصالة العمانية بسحر المدينة الساحرة

اقيمت الأيام العمانية الثقافية في البرازيل محطتها الثانية في مدينة ريو دي جانيرو، بعد أن اختتمت فعالياتها في مدينة ساوباولو، في حفل رسمي رعاه السيد بيدرو سبادالي نائب وزير الدولة للعلاقات الخارجية بولاية ريو دي جانيرو، بحضور الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية في سلطنة عمان، وحضور الدكتور خالد بن سعيد الجرادي سفير السلطنة المعتمد لدى جمهورية البرازيل في مسرح البيت الفرنسي – البرازيلي.

في بداية الحفل ألقى الدكتور خالد الجرادي كلمة وصف فيها ريو دي جانيرو، بالمدينة الساحرة بجمالها الأخاذ، وعراقتها الضاربة في عمق التاريخ، وحداثتها السباقة نحو آفاق المستقبل، مبيناً: «إنه من محاسن القدر أن يتم تنظيم هذا الحدث الثقافي في هذه المدينة العريقة، وهي تعيش غمرة احتفالاتها بمرور 450 عاماً على تأسيسها، وتستعد لاحتضان الأولمبياد في العام المقبل، وليتزامن تاريخ تدشينها مع انطلاقة العام الأولمبي الثقافي، ليمثل الحدثان تلاقياً ثقافياً فريداً، يعبر عن رغبة الشعوب الفطرية في التعارف والبناء والسلام، سائلاً المولى عز وجل أن تكون هذه الأيام شعاعا يتلألأ في سماء هذه المدينة، يظل مداه على مر الأيام المقبلة، وذكرى طيبة في قلوب أهلها».
واشار إلى أن هناك من يؤمن اليوم أن التعدد يكون في الثقافات، وليس في الحضارات، إذ أن الثقافة هي ما يميز الشعوب عن بعضها، ويفتح – في الوقت ذاته – آفاق التعارف والتعايش في ما بينها، أما الحضارة، فهي واحدة، كأنها نهر عظيم، قديم المنبع، كثير الأفرع، تصب فيه الشعوب بشتى ثقافاتها خلاصة تجاربها، وتضيف إلى مجراه إنتاجاً حضارياً يزيد من تدفقه، وكأن الإنسانية بذلك، فريقُ عمل واحد، يبني حضارة مشتركة، تخدم بنيها جميعاً، وترفع من شأن الإنسان أينما كان، وكأننا اليوم في ما نعيشه من تطور إنساني هائل، نشهد نجاحات أجدادنا الذين اجتهدوا منذ الأزل في صنع الحضارة في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين.
مبيناً أن مثل هذه النظرة توجه الحضارة إلى منحى أكثر إنسانية، وتنأى بالشعوب بعيداً عن نظريات صراع الحضارات وتصادمها، وتفتح لهم آفاقاً رحبة للتعايش والبناء المشترك، الذي يهدف في البدء والمنتهى إلى تهيئة حياة كريمة لكل بني الإنسان، من منطلق وحدة الأصل، ووحدة الهدف. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى».
وأوضح الجرادي أن: السلطنة لم تكن بعيدة عن هذه المبادىء، إذ يشهد التاريخ أنها أسهمت على امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية، ولعبت بموقعها الاستراتيجي دوراً حضارياً نشطاً، تفاعل منذ القدم، مع كل مراكز الحضارة في العالم، فكانت واحدة من أهم المراكز الحيوية الواصلة بين الشرق والغرب، فمارست عمان العولمة الحضارية منذ القدم، وتعاملت مع جميع الأمم على أسس تبادل المنافع والمسؤولية المشتركة، وبقيت في عزلة عن منابت الفتن والتقاتل والخلافات بشتى أشكالها، حتى أضحت مهداً للتعايش الطائفي، وموئلاً للاعتدال الفكري، ومنهلاً للانفتاح الحضاري، ومنبعاً للتمازج الثقافي، وموطناً للإخاء الإنساني».
مستدلاً بمقولة  السلطان قابوس، في إحدى كلماته السامية: «لقد أسهمت عمان على امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية. وكان لأبنائها جهد غير منكور في خدمة هذه الحضارة، فالموقع المتميز لهذا البلد الطيب، والروح النضالية التي حملت العمانيين إلى أقاصي الأرض، يجوبون البحار، ويمتطون الأخطار، فيلمسون بأيديهم، ويشاهدون بأعينهم، ويخالطون بقلوبهم وعقولهم صنوفاً من الحضارات، وضروبا من الثقافات، وأشكالا متباينة من التقاليد والعادات. كل ذلك كان له ولا شك أثر بارز في البناء الحضاري الذي شيده الآباء والأجداد، وصاغته الأجيال المتعاقبة تراثا حيا خالدا يجسد ملامح التاريخ وملاحمه، ويعبر بصدق عن الثراء الباذخ للتجربة العمانية الضاربة في أعماق الزمن».
يقول سفير السلطنة في البرازيل: «إن مفهوم الثقافة والتراث أبعد من حصره في المفردات المادية فحسب، إذ يشمل – بلا شك – النتاج المادي والمعنوي». يقول السلطان قابوس: «لقد كان واضحاً لدينا أن مفهوم التراث لا يتمثل فحسب في القلاع، والحصون، والبيوت الأثرية، وغيرها من الأشياء المادية، وإنما هو يتناول أساساً الموروث المعنوي من عادات وتقاليد، وعلوم وآداب وفنون، ونحوها مما ينتقل من جيل إلى جيل، وأن المحافظة الحقيقية على التراث لن تتم ولن تكتمل إلا بإعطاء كل مفردات هذا المفهوم حقها من العناية والرعاية».
وأضاف الجرادي: «من هذا المنطلق، أولت السلطنة في عهدها الزاهر تراثها الثقافي العريق بمختلف أشكاله ومضامينه عناية فائقة، وأسهمت حكومتها ممثلة في وزارة التراث والثقافة، والمؤسسات الحكومية الأخرى المعنية، بجهود ملموسة لتحقيق استثمار نوعي لمفردات الثقافة العمانية، فعملت على تنشيط الساحة المحلية ببرامج متنوعة. وسجلت وجودها على الساحة الدولية في فعاليات متعددة، ومن بين أهم الفعاليات التي تحرص وزارة التراث والثقافة على إدراجها ضمن برنامجها السنوي، إقامة أيام ثقافية عمانية في العديد من العواصم العالمية، لتضع بصمة ثقافية ذات بعد حضاري، وتعرّف بالثقافة العمانية العربية الإسلامية، الداعية إلى الانفتاح والسلام دائماً، حتى أضحت الثقافة العمانية بفضلها سفيراً للثقافة العربية والإسلامية.
مؤكداً على أن الأيام الثقافية العمانية بمعارضها المتنوعة، وفعالياتها المتعددة، جاءت لتعطي فكرة وافية عن الماضي التليد للسلطنة بمآثره الخالدة، وتقدم لمحة ناصعة لحاضرها السعيد بمنجزاته الشامخة، وتنقل صورة واضحة عن ثقافتها الأصيلة، بقيمها النبيلة، وعاداتها الرفيعة، وفنونها الفريدة، وتبرز نظرة شاملة لمقوماتها السياحية الفاتنة، وفرصها الاستثمارية الجاذبة، وتركز على الدور الرائد الذي تلعبه السلطنة لتعميق التواصل الحضاري وتنمية التبادل الثقافي، بما يسهم في خدمة السلم العالمي، وتعزيز التسامح الديني والإخاء الإنساني.
ثم ألقى روبنز حنون نائب رئيس الغرفة التجارية العربية البرازيلية كلمة عن تاريخ العلاقات العمانية – البرازيلية.
كما ألقى راعي الحفل بيدرو سبادالي نائب وزير الدولة للعلاقات الخارجية بولاية ريو دي جانيرو كلمة قال فيها: «باسم حاكم ولاية ريو دي جانيرو أحيي وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان وسفارة السلطنة في البرازيل، وأهنئكم على هذا الحدث، ونأمل من هذا المكان أن ننطلق إلى علاقات وطيدة بين البلدين».
وأضاف: «نتشرف باستقبالكم في عاصمة هذه الولاية، وجودكم بيننا لا شك أنه سيوسع معرفتنا بثقافة بلدانكم، وسيشد اهتمام شعب هذه الولاية على ما تم عرضه هنا، شعب ريو دي جانيرو يحب الإطلاع على ثقافات البلدان الأخرى، وعلى ثقافات الحضارات الأخرى وخصوصاً أن هذه المدينة هي البوابة الرئيسية إلى البرازيل، وهنالك أوجه تشابه ما بين الشعبين، وفي العروض المقدّمَة اكتشفت أن الشعب البرازيلي يتشرف ويعتز أن يكون في مجتمعه جذوراً عربية، فأنا متحدر من أصل عربي وجد أمي اسمه «عثمان» وأنا أفتخر وأعتز بجذوري العربية، ولو كان جزء بسيط من دمي عربياً، بلداننا تتطلع دائماً نحو الازدهار والتطور، والدليل على ذلك الزيارة التاريخية لنائب رئيس البرازيل إلى سلطنة عمان، نتطلع دائماً إلى توسيع العلاقات، ليس فقط على المستويات الاقتصادية والسياسية وإنما أيضاً على المستويات الثقافية والفكرية لبعضنا البعض».
كما ألقى السيد ميشيل حلبي السكرتير العام للغرفة التجارية العربية – البرازيلية كلمة قال فيها: «بمنتهى الفخر والاعتزاز نعلن انطلاق الأيام الثقافية العمانية في مدينة ريو دي جانيرو بعد أن استقبلت مدينة ساوباولو هذا الحدث الثقافي الهام، تهدف هذه المبادرة الهامة التي أطلقتها سلطنة عمان عن طريق سفارتها وبالتعاون مع الغرفة التجارية العربية – البرازيلية، إلى نشر الثقافة العمانية وإرثها الحضاري والسعي إلى تحقيق التفاهم والتعايش بين الشعوب من خلال احترام التنوع وتعزيز السلام بين الشعوب، عمان هي ثاني أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية، تتميز بموقعها الاستراتيجي في نقطة متوسطة بين الشرق والغرب، ولديها موانىء وبنية تحتية حديثة تتيح للسفن استخدام المحطات المينائية لإعادة الشحن وتفريغ البضائع».
وتحدث حلبي عن العلاقات التجارية العمانية – البرازيلية التي شهدت نمواً كبيراً، ففي عام 2003 بلغ الحجم الإجمالي للتجارة بين البلدين ما قيمته 44 مليون دولار وفي عام 2014 قفز هذا الرقم إلى أكثر من مليار دولار، ولا يزال المجال التجاري يرتكز على السلع الأساسية كاللحوم من الجانب البرازيلي، والأسمدة والمنتجات السمكية من الجانب العماني. ولتعزيز علاقتها بالسلطنة خطت البرازيل خطوة كبيرة في السنوات الأخيرة، وقامت واحدة من الشركات العالمية الرائدة في قطاع التعدين ألا وهي شركة «فالي» بالاستثمار في صحار في عام 2012 باستثمارات بلغت قيمتها 1،35 مليار دولار أميركي، بالإضافة إلى ذلك فإن الشركات البرازيلية للمنتجات الغذائية «اي كي اف عمان» استحوذت على أكبر موزع للغذاء، مؤكداً على أن قصص نجاح هذه الشركات يشجع الشركات الأخرى على أن تخطو الخطوات نفسها.
وبيّن حلبي أن السلطنة لديها اتفاقيات مبرمة مع بعض الدول وأسلط الضوء في هذا النطاق على منطقة النفط في التجارة الحرة للدول العربية التي تجمع 16 دولة ومجلس التعاون الخليجي وهناك محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية واستراليا والصين واليابان والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة.
مشيراً إلى الزيارة التاريخية التي قام بها  نائب رئيس الجمهورية البرازيلي ميشيل تامر إلى السلطنة في اذار (مارس) 2013 برفقة وفد من رجال الأعمال، وفي تلك المناسبة استُقبِل من قبل السلطان قابوس وكبار المسؤولين العمانيين، وفي تلك المناسبة تم التوقيع على مذكرات تفاهم في مجال الرياضة، والتعاون السياسي من أجل تشكيل لجنة ثنائية مشتركة، وخلال الزيارة وقعت غرفة التجارة العربية – البرازيلية وغرفة تجارة وصناعة عمان اتفاقيتين للتعاون وإنشاء مجلس برازيلي – عماني، نشير أيضاً إلى أن التلفزيون البرازيلي قدم للبرازيليين برنامجين عن السلطنة تضمنا معلومات عن الاقتصاد والسياحة وسُبل التعايش السلمي بين أبناء السلطنة.
مستعرضاً الفعاليات المقامة من قبل حكومة السلطنة بدعم من الغرفة التجارية العربية البرازيلية، مثل النسخة الثانية عشر لتسليم جائزة السلطان قابوس للبيئة الذي عقد في مدينة ريو دي جانيرو يومي 24 و25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 والمنتدى الاقتصادي البرازيلي – العماني الذي عقد في ساوباولو في ايار (مايو) 2014، ومعرض رسالة عمان للإسلام الذي عقد في 4 – 24 تموز (يوليو) 2014، ومعرض عمان رسالة سلام وتآخٍ الذي عقد في 2014، مبيناً الجهود التي رسمها السفير الدكتور خالد الجرادي سفير السلطنة المعتمد لدى البرازيل منذ 2012 والتي أسهمت في تعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين.
كما تحدث كارلوس ليبولدو رئيس قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية البرازيلية عن العلاقات بين السلطنة والبرازيل التي تلخصها كلمة «الالتقاء» فهو التقاء ثقافات متشابهة، وتبادل في الأفكار الثقافية، والعلاقات الاقتصادية بين البرازيل وعمان هي علاقات مكثفة، وكذلك العلاقات السياسية تتطلع نحو آفاق واسعة، وكذلك الأمر بالنسبة الى الشرق الأوسط.
وأوضح ليبولدو أن «عمان اشتهرت بنشرها للسلام والتآخي بين شعوب المنطقة كافة، والبلدان، البرازيل وعمان تعملان بشكل دائم وبشكل متآخ من أجل السلام، والعلاقات التاريخية القائمة هي علاقات وطيدة وثابتة، واختيار مبنى البيت الفرنسي – البرازيلي ليحتضن حفل الافتتاح للأيام الثقافية العمانية في ريو دي جانيرو هو اختيار مناسب، ففي هذا المبنى فُتحت المواني البرازيلية وانفتح الاقتصاد البرازيلي وتبادل التجارة مع العالم، كلمة «الفندق» باللغة البرتغالية التي تعني الجمارك تأتي من كلمة «الفندق» باللغة العربية، في الأماكن التي كان يدعم فيها التجار، فمن هذه المدينة خرجت البواخر الأولى نحو البلدان العربية، وفي أيام الاستعمار البرتغالي كانت هنالك علاقات تجارية متينة مع السواحل الإفريقية، والمنطقة العربية، وفي هذه المدينة ولدت السياسة الخارجية البرازيلية، وكذلك نشأت شركة فالي، وهي الشركة البرازيلية التي قررت الاستثمار في السلطنة، ريو دي جانيرو ومسقط كانتا عاصمتين للتجارة العالمية، والمدينتان تعتزان وتفتخران بالتنوع الثقافي».
مؤمّلاً أن تحقق الأيام الثقافية العمانية في البرازيل أهدافها وهي تحقيق التقارب والتآخي ما بين الشعبين، وأن يطلع الشعب البرازيلي على الإرث الثقافي العماني، سوف تتطلعون أيها البرازيليون على المخطوطات العربية، ويقول: «ونحن متأكدون من تحقيق الأهداف التي نصبو إليها، وستكون لدينا نظرة جديدة عن الواقع العالمي وسنتجاوز العقبات التي تقف في ما بيننا والبلدان العربية».
وخلال الحفل قدم الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية هدية تذكارية لراعي الحفل.
كما ألقى الطفل الجلندى بن خالد الجرادي قصيدة وطنية وهو يرتدي ملابسه العمانية ويحمل السيف في يده.
بعدها قدمت فرقة المجد للفنون الشعبية فقرات من الفلكلور الشعبي الموسيقي العماني منها فن «البرعة» وفن «الربوبة» وقد نالت هذه الفقرات استحسان الحضور وتفاعل معها بشكل ملحوظ.
وقدم الإعلامي والمذيع راشد السعدي فقرة حوارية مع برازيلي عمل في السلطنة، مصحوبة بعرض مرئي للتعريف بالسلطنة في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياحية، معرجاً على أهم المشاريع الاستثمارية في السلطنة ذاكراً الميزات التي توفرها في جلب الاستثمارات. كما قدم عرضا للأزياء العمانية التي تزخر بها ولايات السلطنة، وتمثل جانباً من التقاليد العمانية في ما يختص بالملابس والأزياء العمانية.
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق