أخبار متفرقة

القرار السعودي بـ «وقف المساعدات ومراجعة العلاقات»: الأسباب… والنتائج

في أواخر العام 2013، في عهد الرئيس ميشال سليمان وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أعلنت المملكة العربية السعودية عن التبرع بثلاثة مليارات دولار لإعادة تجهيز الجيش اللبناني. وكانت هذه مساعدة غير مسبوقة في تاريخ لبنان، وكان لها «ملحق وتتمة» في مساعدة لقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية بمبلغ مليار دولار أميركي، وكلف الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز في حينه الرئيس سعد الحريري للإشراف على إنفاق هذا المبلغ بالتعاون مع الحكومة اللبنانية.
في بدايات العام 2016، وفي ظل الفراغ الرئاسي وحكومة الرئيس تمام سلام التي تصنف سياسياً بأنها حكومة صديقة للرياض، تقرر المملكة السعودية وقف المساعدة العسكرية لتسليح الجيش عن طريق فرنسا (3 مليارات) وإيقاف ما تبقى من مساعدة المليار دولار… وفي مؤشر الى أن هذا القرار ليس انفعالياً و«إبن ساعته» وإنما يأتي من ضمن سياق عام وتحول في السياسة السعودية حيال لبنان، كشف مسؤولون سعوديون عن عملية مراجعة للعلاقة مع لبنان. وفي وقت يطالب المسؤولون اللبنانيون السعودية بإعادة النظر في قرارها، تطالب السعودية الحكومة اللبنانية بإعادة حساباتها وردع حزب الله، وتتجه هي الى إعادة النظر في علاقاتها مع لبنان على كل المستويات…
هذا القرار، لا بل التوجه السعودي أحدث صدمة في لبنان وأرخى بظلاله على مجمل الوضع. فهذه أول مرة تتعامل السعودية مع لبنان بهذه الطريقة وتقرر أن تعاقبه وتؤدبه على سلوكه المشين في حقها.
أسباب وتفسيرات كثيرة أعطيت لهذا القرار السعودي بقطع المساعدات، والذي يرقى الى رغبة الانسحاب من لبنان وتركه لمصيره:      
1- السبب المباشر هو الموقف اللبناني غير المتضامن مع السعودية ضد إيران وغير المنسجم مع الموقف العربي المعبّر عنه في اجتماع القاهرة ومع الموقف الإسلامي المعبّر عنه في اجتماع جده. وفي هذا الإطار يتركز الاتهام ضد وزير الخارجية جبران باسيل الذي يمثل الحكومة اللبنانية وسياستها الخارجية والذي خالف الإجماع العربي عن التصويت في اجتماع مجلس الجامعة العربية الذي انتهى الى إدانة إيران.
2- سبب مباشر آخر يتعلق بالحملات المركزة التي يشنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ضد السعودية نظاماً وتاريخاً وعائلة حاكمة، وهذه الحملات غير المسبوقة في حدتها وعنفها ضد السعودية لا تصدر إلا من لبنان الذي تحول منصة إيرانية في الهجوم السياسي والإعلامي على المملكة…
لعل أكثر ما أزعج السعودية في هذين المجالين (وزارة الخارجية وحزب الله) أمران:
❊ حملة الدفاع عن السعودية والتضامن معها في لبنان ضعيفة وخجولة. وبدل أن تسمع المملكة كلمات التقدير والتضامن، فإنها تسمع مواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية…
❊ الموقف الضعيف للحكومة اللبنانية التي بدت في سياستها وتوجهاتها أقرب الى إيران وحزب الله منها الى السعودية. وهنا يجري تحميل رئيس الحكومة تمام سلام مسؤولية التقاعس والتقصير. فالرئيس سلام لم يتعامل بحزم مع الوزير جبران باسيل وإنما أبدى في البداية (اجتماع القاهرة) تفهما والى حد ما أمن التغطية الحكومية له، ومن ثم تأخر في تصحيح الموقف ولم يكن هذا التصحيح المتأخر في مستوى العلاقة الخاصة بين لبنان والسعودية ومقتضياتها.
استنتج السعوديون من كل ذلك وتوصلوا في قراءتهم للوضع اللبناني الى هذه النتيجة:
– لم تعد مواقف الحكومة (وخارجيتها) جزءاً من أزمة الانقسام الداخلي بين 8 و14 آذار ومن المناكفة اللبنانية، وإنما أصبحت مؤشراً لوضع جديد ومتحول في لبنان يستوجب رد فعل مختلف…
– لبنان سقط في قبضة حزب الله وصار منحازاً الى المشروع الإيراني في المنطقة، وصار عمليا يُحكم من طهران بعدما كان يُحكم من دمشق… وهذا التحول في الوضع اللبناني وميزان القوى فيه يظهر جلياً في تحكم حزب الله بالملف الرئاسي وفي سيطرته على الحكومة وقرارها.
– القرار اللبناني الرسمي بات مصادراً ومختطفاً لمصلحة إيران وضد مصلحة لبنان ومحيطه العربي، ما أدى الى موقف لبناني متباين مع المصالح العربية.
العارفون ببواطن السياسة السعودية يعتبرون أن القيادة السعودية الجديدة قلقة ومستاءة ازاء مؤشرات كثيرة تدل الى سيطرة حزب الله التدريجية على الوضع في لبنان: من انخراط حزب الله الكامل في المشروع الإيراني ليصبح رأس حربة له في لبنان وسوريا، الى خضوع الحكومة لإملاءات حزب الله، الى تصدع الصفوف والمواقف في قوى 14 آذار ووصول الأمر الى ترشيح 14 آذار اثنين من أقطاب 8 آذار لرئاسة الجمهورية، الى الاختراق الإيراني في الساحة المسيحية، الى تراخي سلام وميوعته السياسية… فلما وجدت السعودية أن القرار اللبناني صار مهيمناً عليه من حزب الله وأن القيمين على السلطة السياسية في لبنان يراعون السياسة الإيرانية ويتفادون التصدي لها والاصطدام بها، وأن لبنان يُستخدم منصة في تنفيذ السياسة الإيرانية ضد السعودية مثله مثل العراق واليمن وسوريا… قررت السعودية الغاضبة اتخاذ موقف صادم يكون في مستوى الخلل الحاصل ويسفر عن تصحيح الوضع الذي أصبح سلبيا ويمكن أن يصبح عدائياً إذا استمرت الأمور في منحاها الراهن…
أياً تكن الأسباب الدافعة الى هذا القرار السعودي، فإن النتائج والتداعيات المترتبة عليه مهمة وخطيرة، خصوصاً وأن القرار السعودي لقي الدعم والتأييد من دول خليجية عدة وبات يمثل سياسة خليجية عامة تجاه «لبنان الرسمي»… ومن أبرز هذه النتائج:
1- دخول العلاقات اللبنانية ـ الخليجية في مرحلة «انعدام الوزن» وفي مرحلة انتقالية رمادية. هذه العلاقات تقف عند مفترق طرق: فإما أن تسير الى تدهور ووضع أكثر سوءا، وإما أن تعود الى وضعها الطبيعي.
2- منحى أكثر تشدداً في تعامل السعودية وحلفائها مع لبنان، بحيث لا يقتصر الأمر على قطع المساعدات وإنما يشمل إجراءات أخرى منها التشدد في منح اللبنانيين تأشيرات دخول وعمل، وطرد لبنانيين عاملين هناك، ووقف الاستثمارات الخليجية في لبنان وسحب الودائع… وكلها تندرج في إطار سياسة سعودية ضاغطة على لبنان لحمله على وقف تماهيه مع إيران ولجم اندفاعة الدولة اللبنانية في مسايرة السياسة والمصالح الإيرانية.
3- مزيد من التعقيدات في الملف الرئاسي… فمع احتدام الصراع الإيراني -السعودي على الساحة اللبنانية يعود هذا الملف الى نقطة الصفر ويتراجع مجدداً في ترتيب الأولويات… الملف الحكومي يتقدم ومصير الحكومة هو المطروح حالياً…
4- انتقال الصراع السعودي – الإيراني الى الساحة اللبنانية بعدما كانت محيدة، ليصبح لبنان جزءاً من مسرح وحلبة هذا الصراع الممتد من العراق واليمن الى سوريا ولبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق