أبرز الأخبارسياسة عربية

قمة الدوحة: نجاح جزئي، ومصالحة «هيكلية»

اختتم قادة دول مجلس التعاون الخليجية قمتهم الدورية في العاصمة القطرية الدوحة، باختصار يوم، والاكتفاء بيوم واحد. وبحسب متابعين لمجريات ذلك الحدث الكبير، والمهم، كان «اليوم الواحد» كافياً لاعمالها، وبالتالي لنجاحها النسبي في التعاطي مع ما هو مدرج على اجندتها من مشاريع قرارات وتوصيات.

فالمدقق في تفاصيل البيان الختامي لتلك القمة، يدرك انها لم تفلح في انجاز بعض مشاريع القرارات التي كانت محط خلاف على المستوى الوزاري. والتي رفعت الى القادة املاً بالوصول الى اتفاقات تحسم الجدل حولها.
وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى مشروع القيادة العسكرية الموحدة، التي اقرت بالاغلبية على المستوى الوزاري. والتي اتفق القادة على مد النقاش حولها الى قمة لاحقة.
بالطبع، القمة انجزت الكثير، ومن بين الانجازات، مشروع الانتربول الخليجي «الشرطة الموحدة»، والقوة البحرية المشتركة. وهي مقررات لا يمكن قراءتها بمعزل عن الحرب ضد الارهاب، والذي يشكل العامل الرئيس من عوامل التوافق الضمني على المستوى الخليجي. كما لا يمكن قراءة تلك المنجزات بمعزل عن التطورات التي سبقت موعد القمة، واسست لها. حيث تم الاعلان عن انعقادها رسميا خلال قمة المصالحة التي انعقدت في السعودية. في تلك الاثناء، كان واضحاً ان المصالحة منقوصة، وقد تصل الى مستوى «الشكلية»، لجهة الرغبة التي ابداها خادم الحرمين الشريفين في طي تلك الصفحة الخلافية من اجل السماح للقمة بالانعقاد.

شروط القمة
ويذكر المحللون ما اكد عليه العاهل السعودي من انه «لا قمة اذا لم تتم المصالحة». وما اكد عليه بعض القادة من انهم يحترمون رغبة خادم الحرمين الشريفين، ويدركون عمق تفكيره، وادراكه بان عدم اعلان المصالحة في تلك المرحلة يعني تفكك مجلس التعاون.
ترافق ذلك مع وعود قطرية بالحفاظ على امن الدول الخيليجة، وتجاوز الخلافات مع مصر، والمشاركة في الحرب ضد الارهاب. وهي متطلبات يعتقد محللون ان الدوحة تخشى الالتزام بها بشكل كامل وفوري. وترى ان تطبيقاتها لا يمكن ان تتم الا بشكل متدرج ومرحلي. ويبدو ان ذلك ما حدث فعلاً، فالمدققون في تفاصيل المشهد، يرون ان الدوحة لم تغير من سياستها اي شيء. وان ذلك واضح من خلال برامج وسياسات قناة الجزيرة. فباستثناء التخفيف من نقد دول الجوار، لم يتغير شيء يمكن ان يكون مؤشراً على ان المصالحة لها تطبيقات على الارض.
من هنا تشير بعض القراءات الى ان قمة الدوحة التي بنيت على فرضية المصالحة بين دول المجلس، وخصوصاً الجانب القطري مع السعودية والبحرين والامارات، كانت قد قامت على فرضيات غير دقيقة. وان الامل الذي دفع بالعاهل السعودي الى اقناع اخوته القادة لم يتحقق. ولكن مع بقاء الامل بان تحمل الايام المقبلة ما يمكن ان يغير الصورة نحو الافضل.
ومع ذلك فالقمة حققت جزءاً كبيراً مما هو مطلوب منها. فعلى سبيل المثال، كانت العناوين الرئيسة التي انعقدت القمة بحسبها، هي اسعار النفط المنهارة، وانعكاساتها على متطلبات تلك الدول، وخصوصاً متطلبات الحرب ضد الارهاب. وما تحتاجه من متطلبات تنموية.
وفي الاطار العام لهذا الملف، كان موضوع الامن بمفهومه الواسع حاضراً على اجندتها. ولكن بقدر من التفصيل.

وحدة دول المجلس
اما الملف الاكثر اهمية، فهو الحفاظ على وحدة دول المجلس من الناحيتين التنظيمية، وبقاء الاطار التنظيمي قائماً. ووحدة الموقف، باعتباره الملف الخلافي، حيث تبدي بعض الدول وجهات نظر مختلفة عن الاخرى. وبالتالي يتعذر الحصول على قرارات اجماعية.
من هنا يمكن التأكيد على كم من الثوابت التي تم استخلاصها من خلال مناقشات القمة ومقرراتها. ومن بين تلك الثوابت:
– جرى التركيز على عملية المصالحة بشكل لافت. حيث وردت في خطابات القادة في الجلسة الافتتاحية، وفي بياناتهم وتصريحاتهم التي نقلت عنهم، اشادات بعملية المصالحة وما ستفتحه من آفاق للعمل الخليجي المشترك. وبلغت تلك الاشادات ذروتها في خطاب امير قطر، الذي تعدى المجالات الشكلية للحديث عن خطوات اجرائية ابرزها اعلان دعمه للرئيس السيسي.
– جرى التركيز في الخطابات على مسألة اسعار النفط، وضرورة التنسيق من اجل دفع الاسعار نحو التعافي. بينما لم يتضمن البيان الختامي الكثير من المضامين، التي تؤشر على قرارات واجراءات يمكن ان تدفع بالملف نحو الحل.
– لم يغفل البيان الختامي موضوع القيادة العسكرية الموحدة. حيث اشار الى الاشادة بما بذل حتى الان من اجل اشهار القيادة الموحدة. واحال الملف الى قمة لاحقة.
– لم يغفل البيان موضوع الوحدة الاندماجية بين دول المجلس، حيث اشاد بالجهد الذي يبذل من اجل تحقيق ذلك المطلب. وفي الوقت نفسه فقد احيل المشروع الى قمة لاحقة.
– اقرت القمة مشروع القوة البحرية المشتركة. وكذلك القوة الشرطية الخليجية المشتركة ايضاً.
– اشارت القمة الى جهود توسيع العضوية فيها وخصوصاً انضمام كل من الاردن والمغرب واليمن لها.
– شددت القمة على عملية مكافحة الارهاب وضرورة تكثيف الجهود وتنسيقها في هذا السياق.
– شددت القمة على موضوع العلاقات العربية. وعرجت على عملية الربيع العربي، وضرورة دعم الدول التي تعاني من اشكالات امنية وسياسية بهدف اخراجها من مأزقها. ولم يغفل البيان ملفات كل من اليمن وليبيا وسوريا والعراق.
– اشار البيان الى الاخطار الايرانية المحدقة بالمنطقة وخصوصاً اطماعها في المنطقة ككل.
– باختصار، جاء البيان الختامي في غالبية بنوده قريباً من البيانات السابقة. مع اضافات مهمة. الا انها لم ترتق الى مستوى ما هو مطلوب منها. الا ان ذلك لا يعني ان الاوضاع سارت كما يطمح حكماء الخليج، والدليل على ذلك تاجيل بعض المشاريع الكبرى وخصوصاً مشروع القيادة العسكرية الموحدة. الذي يرى الحكماء ان هذا هو وقته. وانه المشروع الاكثر اهمية في صيانة وحماية الدول الخليجية من اية اخطار محدقة.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق